الشخصية المصرية على مدار العصور تركت أثرها على كل الشعوب والحضارات التى مرت عليها من الآشوريين والفرس واليونايين والرومان والعرب إلى الأيوبيين والفاطميين مرورًا بالمماليك وصولًا للأتراك والفرنسيين ثم الانجليز ولم يستطع أى احتلال أو ثقافة وافدة ان يغير من الهوية المصرية التى استطاعت ان تتخطى الفوارق العقائدية والعرقية وجمعت على امتدادها التاريخى بين الهلال والصليب واستوعبت فى تفاصيلها كل الثقافات الوافدة والثقافات التى تعاقبت عليها فلم تنبطح لأى مستعمر ذى فكر وثقافة مختلفة بل كانت دائمًا تستوعبه فى ضوء حفاظها على كيانها وكانت الثقافة الدخيلة تنصهر داخل بوتقة الخصوصية المصرية وقد اتفق أغلب من تناولوا الشخصية المصرية وأبرزهم الراحل العبقرى د.جمال حمدان فى رائعته «شخصية مصر» على عمق تراثها الحضارى الذى حفظ لها طبيعتها المتميزة وأضفى عليها نوعا من التفرد وجعلها غير قابلة للقسمة مهما كانت قوة الضغط. ويرى المفكر د. لويس عوض ان التنوع فى الهوية المصرية كان ملمحًا آخر أضفى عليها نوعاً من الخصوصية فيقول يخطئ من يعتقد إن هوية مصر فرعونية لا غير أو قبطية فقط أو إسلامية فحسب أو هوية تنتمى لحوض البحر الأبيض المتوسط بل هى مزيج من كل هؤلاء فالحضارة المصرية برأى د.لويس عوض مكونة من جملة طبقات العربية واليونانية والرومانية والتركية والمملوكية والأوروبية فوق قاعدة فرعونية راسخة وهذه الطبقات ليست بالضرورة متراكمة ترتاح فيها طبقة فوق أخرى ولكن تكونت منها سبيكة ومزيج من عناصر مختلفة أهم عنصر فيها هو ماضى مصر الفرعونية وعندما تفاعلت عناصر هذا التنوع كونت شخصية ذات طابع متفرد يصعب بل يستحيل تشابهها وهى هوية غير قابلة للاختزال أو التجزئة وهو ما ذهب إليه د.طه حسين فى كتابه الأبرز مستقبل الثقافة المصرية حيث يرى أن الهوية المصرية ظلت تحافظ على حريتها دون جمود تشكل ذاتها دون ان يستطيع أحد تشكيلها عنوة أو قهرًا, فهذا الأصيل على مدار حضارته الممتدة لآلاف السنين لم يتحول من نص مقدس إلى مطية, وللهوية المصرية عشق خاص وحديث لا ينتهى.