والله العظيم أقول الحق.. وقد تقول لي إنك تصدقني من غير حلفان، لكنك بعد أن تقرأ ما أكتبه ستقول لي: طيب ممكن تحلف لكي أصدقك، ولا ألومك فقد أصبحنا في حالة طائفية مزرية تجعل الحليم حيرانا. كان ذلك ظهر أمس الأول السبت، عندما جاءتني مكالمة من مواطن مصري يقيم في دولة عربية قريبة، كان عصبيا ومتوترا وهو ما أثار قلقي منه قبل أن يزداد قلقي أكثر بعد سماع كلامه الخطير: 'أرجوك توصل صوتي لكل الناس في مصر.. أنا عندي معلومات عن حاجات خطيرة هتحصل في مصر اليومين الجايين، الكلام اللي هاقولهولك ده عرفته بشكل شخصي من حد مرتبط بكل اللي هاحكي لك عليه ومش هاقدر أقولك هو مين ولا عرف إزاي. فيه رجال أعمال من بتوع نظام مبارك بيشتغل معاهم ضباط أمن دولة سابقين هيعملوا مصايب في البلد وإسرائيل مش بعيدة عن اللي هيحصل.. شوفوا مين الضباط اللي كانوا بيشتغلوا مع إسرائيل خلال الخدمة وحطوا عينكم عليهم. أنا عرفت إن فيه بعض رجال الأعمال دول عندهم مخزن سلاح في 'وذكر اسم أحد الطرق خارج القاهرة' وبيوزعوا سلاح علي بلطجية. وكانوا عايزين يعملوا فتنة طائفية امبارح قدام الكاتدرائية بس الحكاية باظت لما السلفيين راحوا قدام السفارة الأمريكية بدل ما يروحوا الكاتدرائية، وكان المفروض أن يترتب إنه تحصل مواجهات بينهم وبين المسيحيين اللي قدام الكاتدرائية'. كان هذا ملخصا لما قاله وهو يكاد يصرخ في التليفون، وربما لأنني اعتنقت منذ سنوات نظرية المؤامرة علي يد المفكر الكبير د. جلال أمين، فقد كان ذلك كافيا لتصديق كل كلمة قالها الرجل، لكنه ليس كافيا لنشرها بالضرورة. مع أنني خلال متابعتي لحفل توقيع المصالحة الفلسطينية كان يطغي علي شعوري بالفرح شعور عارم بالقلق وأنا أتساءل عن طبيعة الضربة التي ستحاول إسرائيل توجيهها لمصر في التو واللحظة. كل المتابعين يعلمون أن هناك تنظيمات عصابية كانت تكسب المليارات من تجارة الأنفاق التي سيهدمها عملياً فتح معبر رفح، وسيقضي عليها إلي الأبد عودة مصر لكي تلعب دورها الحتمي في القضية الفلسطينية بنزاهة وشرف. ويعلمون أيضا أنه لا يوجد ميدان أكثر خصوبة وسهولة من ميدان الفتنة الطائفية لكي يتحرك فيه أي متآمر حتي لو كان أبلها، لأنه لن يتعب كثيرا في تحريك المشاعر الطائفية البغيضة المرتبطة بفقدان روح الدين والجهل بتعاليمه. ضع أيضا في الحسبان العلاقات الوثيقة التي كانت تربط بعضا من التيار السلفي بأجهزة أمن الدولة التي فرح البعض بقرار حلها ونقل ضباطها بدلا من اتخاذ الطريق الأصعب للتعامل مع العناصر الفاسدة فيه. أرجو هنا مراجعة الفيديوهات المنشورة علي شبكة الإنترنت التي سجلت ما دار بين بعض السلفيين علي إحدي غرف الشات وتناديهم للنزول سريعا لمحاصرة الكنيسة بل ومهاجمتهم بعض من طالب منهم بالتثبت والتبين ووصفوا ذلك بأنه ميوعة وتراخ. هنا دعوني أقل إنني رغم كراهيتي لكل رخم يحب أن يقول للناس 'سبق أن قلت لكم'، فإنني مضطر إلي أن أرجوك بمنتهي الرخامة أن تعود إلي الكثير مما كتبته في هذه الصحيفة، وتعامل البعض معه باستخفاف واستسهلوا اتهامي بالهوس التآمري بل ووصل بعضهم إلي اتهامي بأنني أقوم بتخويف الناس من أشياء لن تحدث. ويعلم الله أنني كنت دائما أتمني أن أكون مخطئا، ومازلت، لكنني أتمني علي الجميع أن يتذكروا أننا لم نكن نتعامل مع نظام يمتلك مبادئ فاسدة إذا أثبت الواقع فسادها سينهار وسيستسلم. بل كنا ومازلنا نتعامل مع أكبر تشكيل عصابي في التاريخ لا تكمن خطورته فقط في رؤوس العصابة التي سقط بعضها، بل في الحلقات الوسيطة في العصابة التي تملك المال والسلاح والعلاقات، وإذا كانت يمكن أن تغفر سقوط قياداتها في السجن فهي لن تقف صامتة أبدا علي ضياع مصالحها. علي أية حال إيماني بنظرية المؤامرة هو الذي جعلني أسأل الرجل علي الفور 'هو حضرتك جبت تليفوني منين؟'، كتم الرجل انفعاله لأن السؤال بدا له غير متناسب مع ما يحكيه، لكنه قال لي 'أنا قريبي مدير مركز كذا لحقوق الإنسان وخدت تليفونك منه'. قلت له 'مع احترامي لحضرتك لكن ما تقوله أمر خطير ولا يحتاج إلي أن تتصل بكاتب بل يجب أن تتقدم أنت ومن أبلغك ببلاغ رسمي لإنقاذ البلاد ولكي تضع كل شخص أمام مسؤوليته'. رد عليّ بأنه أبلغ السفير المصري في العاصمة التي يقيم بها بكل ما قاله لي وكان ذلك يوم الإثنين الماضي، 'لذلك حجبت اسم الدولة إلي أن تبدأ الجهات المسئولة التحقيق في الأمر'، ثم قال لي إنه أبلغ السفير أيضا بأن هذه العصابات تقوم بالإعداد لهجمات علي السجون في الأسبوع المقبل. وعندما ألححت عليه أن يعطيني وسيلة للاتصال بالمصدر الذي أبلغه لكي آخذ منه معلومات أوسع طالما أنه لا يريد التقدم ببلاغ مباشرة لأسباب تخص أمنه. شعرت بأنه غضب لأنني تعاملت معه باستخفاف، فقلت له إنني لن أستطيع أن أنشر شيئا طالما لم تكن هناك معلومات أكثر دقة، وطلبت منه أن يعود إلي مصدره ليستوضح منه معلومات أكثر ويقوم بإبلاغي. عندما بدأت أخبار كارثة إمبابة تتوالي في المساء شعرت بالندم لأنني لم أقم بتسجيل رقم الهاتف الذي اتصل بي منه الرجل لكي أعاود الاتصال به لسؤاله عن أي معلومات جديدة يكون قد حصل عليها. في الواحدة فجرا اتصل بي ثانية، كان منهارا وأخذ يقول لي 'شفت مش قلت لك النهارده الضهر فيه مصيبة هتحصل.. أرجوك أبوس علي يدك ماتسكتش اكتب قول للناس إن كلاب النظام مش هتسكت.. الحكاية مش مبارك. دي شبكات فساد كانت بتدخل لهم مليارات ومش هيسيبوها تضيع'، لم يكن كلامه هذه المرة يحمل معلومات جديدة لكنه كان يكاد يبكي وهو يقول لي إنه كتب هذه المعلومات علي الإنترنت باسم 'مصري حر'. لأنه يخشي أن يتعرض للأذي في الدولة العربية التي يقيم بها، وأنه لولا ثقته في السفير المصري في تلك الدولة لما كان قد قال هذه المعلومات وأنه يعلم أنه يمكن أن يتعرض للأذي والمساءلة بسبب ما قاله لكنه مستعد لأن يضحي بأي شيء مقابل ألا تضيع مصر التي استعادها المصريون من العصابة التي اختطفتها. قلت له إنني سأسجل رقم تليفونه لأتواصل معه، ورجوته بأن يوافيني بأي معلومات تصل إليه، واتصلت به في الواحدة من ظهر أمس لمراجعة ما قاله لي قبل إرساله للنشر، وأحتفظ برقم هاتفه ورقم الأكاونت الخاص به علي الفيس بوك الذي أعطاه لي لأضعه تحت تصرف أجهزة التحقيق.. والله علي ما أقول شهيد. كاتب وصحفي مصري جريدة المصري اليوم [email protected]