شهدت الساعات القليلة الماضية حلقة جديدة من حلقات المسلسل الدامي "الفوضي.. والإنفلات الأمني"، الذي أصبح جزءاً من حياتنا اليومية، ويشمل هذا المسلسل مشاهد درامية واقعية من الأعتداءات والبلطجة والعنف، بالأضافة إلي كل التفاصيل المفزعة التي رسمت لوحة الذعر الجديدة التي ظهرت في الشارع المصري عقب ثورة يناير.. وليس ذلك فحسب فقد تسبب الفراغ الأمني الملحوظ والذي بات واضحاً في خلق حالة من عدم الأمان و الأستقرار داخل البلاد.. لأن هناك من يحاولون التمادي في نشر الرعب وأتاحة كل المحظورات أمام الخارجين عن القانون.. بهدف نشر الفوضي، لكي تتحول إلي ثورة مضادة حقيقية تحركها أياد لم تعد خفية ويدعم كل هذه الممارسات العجز الواضح لجهاز الشرطة عن التصدي بل الغياب الأمني الذي بات لغزاً و مناخ مناسب.. يتيح كل أشكال الفوضي و البلطجة.. وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو!. أين الأمن في مصر بعد الثورة؟! ولماذا يجد المجرمون والبلطجية الفرصة متاحة أمامهم لممارسة جميع أشكال العنف وأين ذهبت أخلاق ثورة 25 يناير، ولماذا ظهرت الطائفية الآن؟!. - تقرير عن الأحداث الدامية التي شهدتها مصر بعد ثورة يناير سجل الشارع المصري في الأيام الأخيرة الماضية أحداثاً دامية ولكن كان من أهمها ما حدث بالأمس من أشتباكات عنيفة وقعت بين البعض من المسلمين و البعض من المسحيين أمام كنيسة مارمينا في منطقة البصراوي بإمبابة, والتي أسفرت عن مقتل 6 أشخاص و 122 مصاباً، كما شهد المنبي المجاور للكنيسة والمكون من 7 طوابق, حريقا هائلا في الطابق الثاني، وذلك بسبب الأشتباكات العنيفة التي دارت بين الطرفين علي نحو أثار الذعر بين المواطنين. وأستمراراً لأعمال العنف والبلطجة التي اندلعت عقب ثورة 25 يناير، فقد أصيب 40 مواطناً بجروح خطيرة أثر أعمال شغب بشارع عبدالعزيز منذ ثلاثة أيام، حيث قام عدد من البلطجية بأغلاق الشارع، ومهاجمة التجار والمحلات، بسبب قيام أحدهم بالتشاجر مع أحد الباعة الجائلين في شراء موبايل وأستخدم البلطجية الأسلحة النارية، والسيوف في مهاجمة المحلات، وقام أصحاب المحلات بالرد علي البلطجية في المقابل بزجاجات المياه الغازية، وأسفرت المواجهة الدامية عن أحتراق سيارتين وتحطم عدد من المحلات وأصابة 40 مواطناً بجروح. وما حدث في قسم الساحل من محاولة لتهريب 93 سجيناً في عز الظهر، حيث أقتحم مسجلون خطر قسم شرطة الساحل بشارع شبرا لتهريب أقاربهم وذويهم المحتجزين داخل القسم، وقاموا بإطلاق الأعيرة النارية علي باب القسم، وحطموا زجاج الباب الخارجي، ثم أقتحموا ديوان القسم بالاسلحة البيضاء، وقاموا بتثبيت أمناء الشرطة، ودخلوا زنزانة القسم، وقاموا بتهريب 93 مسجل خطر في جرائم قتل وبلطجة. فيما أقتحم 6 من البلطجية قسم الطوارئ بمستشفي الساحل وأطلق ثلاثة منهم أعيرة نارية علي الأطباء، ومصاب كان يتم علاجه في قسم الطوارئ. كما شهدت مدينة المحمودية حادثاً مأساوياً، قام سائق بتمزيق جسد مهندس مدني، عاتبه علي قيامه بالتعدي علي الأرض المجاورة لمنزله، وزراعة بعض الاشجار، سقط المهندس جثة هامدة، وعلي أثر ذلك قام أقارب المجني عليه باشعال النيران في منزل المتهم. وهذه الأحداث ليست إلا حلقات قليلة في مسلسل الفوضي والانفلات الأمني الذي ساد البلاد بعد الثورة بشكل يسئ إلي أهداف تلك الثورة، ويشوه كل معانيها الجميلة، فقد ظن البعض أن الثورة هي خروج علي القواعد فظهرت عمليات سرقة بالإكراه وحوادث اختطاف وبلطجة واغتصاب وأحداث شغب لترويع المواطنين.. والمؤسف هو ما نراه الآن من المظاهرات الفئوية في كل مكان والتي لا تؤثر فقط علي الاقتصاد القومي ولكنها تهدد الأمن العام وتنشر الذعر بين المواطنين.. بأختصار إننا لم نتحل بعد بالقيم التي بشر بها ميدان التحرير وبثها في كل أرجاء مصر بل أنتشرت فينا قيم الفوضي، والبلطجة. ما شهدناه من فوضي عارمة في الفترة الأخيرة لا يعبر عن طبيعة الشعب المصري بل هم فئة قليلة أساءوا إلي أستخدام الحرية، فارتكبوا ما رأيناه من اختطاف لابنة عفت السادات مقابل فدية مليون دولار، وما حدث أيضاً في أستاد القاهرة ونزول آلاف من الجماهير في تحدٍ مؤسف للتعدي علي لاعبي تونس. ثم كان هناك هدم لكنيسة وحرق لعدد من الاضرحة لإثارة الفتنة الطائفية، ولا يمكن إغفال الفوضي التي شهدتها الشوارع المصرية واستغلال بعض الأشخاص غياب الشرطة في التحايل علي قوانين المرور والسير بسياراتهم بدون لوحة أرقام، ثم كان هناك الهجوم العنيف من قبل بعض أولياء الأمور علي مدرسة إعدادي وطرد مدرسيها وإغلاقها. والمؤسف هو ما حدث من اقتحام 15 مسلحاً مقبرة أثرية بالعياط وتحطيم أجزاء من جدرانها والاستيلاء عليها، وكذلك تعدي بعض المواطنين علي مقابر أثرية بمنطقة أبو صير الأثرية.. كل هذه السلوكيات مرفوضة وسواء كانت ثورة مضادة أم فوضي مضادة فهي تسيء إلينا جميعاً وتزيد من صعوبة حياتنا في الشارع والعمل. - خلق أجيال جديدة من ضباط الشرطة قادرة علي المواجهة أكد العميد رضا حمادي, خبير أستراتيجي, أن السبب الرئيسي وراء الانفلات الامني في الشارع المصري هو تقاعس رجال الشرطة عن اداء مهامهم التي تعتبر مهام وطنية في المقام الأول خاصة في هذا الوقت الحرج الذي نعيشه بعد الثورة، مشيراً إلي أن الشارع المصري يعاني من أختفاء رجال الشرطة فيما عدا بعض عساكر المرور، وعلي الرغم من ما تشهده القاهرة من أعمال عنف وبلطجة إلا أن باقي المحافظات الأخري و خاصة في جنوب و شمال سيناء فأنها تعاني أنعداماً أمنياً وهي درجة أخطر مما يطلقون عليه في العاصمة أنفلاتاً امنياً. ويري حمادي أن تخاذل الشرطة واضح لجميع فئات الشعب ولا يستطيع أحد أن ينكره، فأي نقطة أمنية بمصر الآن تحولت إلي نادي صغير لضباط وأمناء الشرطة يتبادلون فيه النكات بدلاً من العمل لصالح البلاد، وأي شيء يقال غير ذلك في هذا الصدد فليس إلا تلميعاً لوزارة الداخلية ورجالها. وتعجب حمادي متسائلا: كيف لجهاز الشرطة الحالي الذي يعاني من الضعف وقلة الحماس وغياب روح الوطنية أن يؤمن العملية الانتخابية القادمة سواء الرئاسية أو البرلمانية؟!. وأضاف حمادي أنه يلتمس العذر للواء منصور العيسوي وزير الداخلية الحالي في عدم الوصول إلي مستوي جيد لأمن الشارع المصري لأنه ورث وزارة أشبه بالخرابة العامرة بالفساد حتي النخاع خاصة وأنه يقود اليوم ضباطاً يعانون نفسياً بعد أحداث 25 يناير ولا يأمنون علي أرواحهم بعد أن أصبح بينهم وبين الشعب المصري ما يشبه العداء فضباط الشرطة الذين أستخدموا من قبل لحماية رجال السلطة ضد الشعب اليوم من الصعب عليهم أن يحكموا الشعب المصري في الشارع لأنهم كانوا أحد جلاديه في يوم من الأيام. والحل الوحيد هو العمل علي خلق أجيال جديدة من ضباط الشرطة يتسلحون بفكر جديد يتقبله المواطن المصري. - خبير أمني: الشرطة تغيبت تماماً وتخلت عن دورها في حماية المواطنين ويقول اللواء طلعت مسلم الخبير الأمني أن ما يعانيه الشارع المصري اليوم من أنفلات أمني وأعمال بلطجة في وضح النهار يرجع لعدم وجود قيادة سياسية للبلاد بشكل عام. فالمجلس العسكري يقوم بإدارة مصر والشرطة تغيبت تماماً وتخلت عن دورها والدكتور عصام شرف لا يمثل قيادة سياسية حقيقية وإنما يحاول أن يكسب رضاء الشارع المصري الذي ظل مكبوتاً لأكثر من ثلاثين عاماً ولم يعد يثق في السلطة حتي وإن تقدمت له علي أنها حكومة الثورة. ويؤكد طلعت أن الحل الوحيد لحل الأزمة الحالية لحين تواجد قيادة سياسية شرعية وسليمة للبلاد هو خلق توافق أجتماعي فيما بين رجال الشرطة والشعب المصري ومحاولة كسب ثقة الفئات الفقيرة في البلاد، هذا من ناحية أما من ناحية الأعمال الأجرامية التي ترتكب بأيدي مجرمين حقيقيين وليس فئات تحاول أن تعبر عن مشاكلها فالشرطة هي الوحيدة القادرة علي التعامل معهم. وحتي يتم تحفيز الشرطة للنزول إلي الشارع فلابد أن نوفر لهم رواتب مجزية ومكافآت كبيرة ونحاول تقديمهم أعلامياً للناس علي أنهم خلاصنا الوحيد من عمليات النهب والسرقة المنتشرة في كل محافظات مصر بداية من الاسكندرية حتي أسوان.