سقطة أخري علي حافة الضوابط الإعلامية تصفع العيون والآذان في تدني لا مبرر له ، سوي أن هناك قانون لا يعمل وضوابط لا تتبع في وقتٍ يعاني فيه قامات الإعلام الجديد من فوبيا الميكرفون والتجلي أمامه وكأنما مطرب بديع يدندن وهو مغمض العينين في خيالاته بعيداً عن جدار الواقع ، يتكئ علي وتر الفن والفن فقط . وهذا ما يحدث للبعض اليوم .. تأتي لحظته .. يهل بطلته .. يكلبش في العيون من أول سلامه الذي يلحقه دائماً بصرخات ربما تخلعك أيها المشاهد من مكانك لترميك حيث يريد صاحب الميكرفون .. وإذا كانت مصر تخلصت من القمع السياسي الذي عانت منه في ظل حياة الحزب الواحد ، فها هو القدر ، يأبي حرية تسكن أرضنا ، وأتي بقمعٍ آخر له مذاق هذا الزمان المتلون ، هو قمع المواطن ولا تمارسه هذه المره حكومة أو قيادة سياسية ، بل يمارسه إعلام الثراء الصاخب علي المُشاهد البسيط والعميق كلاهما معاً وكلاهما مطعون في عينيه ومبادئه وظلال بيته تحت شمس صاحب السطوع اللامع البراق والميكرفون الذهبي . وإذا ما كانت ثورة في الشوارع هدأت موجاتها ، وخارطة طريق وضعت وإكتملت أركانها في سلام كان أشبه بالمحال ، لولا حكمة من أتت به الأقدار قائداً لهذا الوطن ، فثمة ثورة وفوضي عارمة تسيطر علي طاولات الإعلام ، لا تهدأ فيها موجة ، حتي تُلحقها بموجةٍ جديدة ، فالكاميرا لا تجد مشقة في إصطناع بطل لكل يوم ، وقضية لكل ساعة ، ولا ضرر إن كان الحساب هنا علي حساب كل المبادئ ، المهم الإستحواذ وإثارة الضجة .. ويُبكيك ضحكاً أن نفس الأشخاص الذين يطرحون القضايا الأخلاقية التي ضربت بجذور العطب في المجتمع ، هم نفسهم من يضربون بكل الأخلاقيات عرض الحائط ، علي سبيل السبق أو الإستباق ، وتُستباح علي طاولاتهم أعراض وقيم في دهشةٍ لا تليق أبداً بالميكرفون الذهبي ! والسؤال هنا .. إلي متي ستظل وصاية الإعلام علي الشعب هي العنوان العريض لكل مقدمات البرامج الأكثر مشاهدة والأكثر ضجيجاً .. وإلي متي ستستمر صرخات أصحاب الفوبيا وقضايا الساعة والولاعة ؟! .. ومتي يمتهن إعلامنا صناعة الشغف بدلاً من صناعة المشاكل والإضطراب ؟ .. وإذا كنتم أنتم من تلومون صناع السينما علي أفلام السكاكين والعاهرات .. وأنها لا تمثل الواقع لا من قريب أو بعيد .. ببنفس القياس لنا أن نلومكم ، لأن طاولات الشغب والأرق والقلق الدائم ، لا تمثل واقعنا ولا نخرج منها سوي بواقع مرير أنتم صُناعه ، فأين منكم ذلك الدور التثقيفي والتربوي والترفيهي الهادف .. فكروا ولو قليلاً كيف يُصنع الإنسان ، قبل أن تُصنع مشاكله !