متى سينظر المسئولون إلى )إنسان مصر( على أنه أهم وأغلى ثرواتها الربانية، والكنز الوحيد الذي يزيد كلما اغترفنا منه.. متى سنرى هذه الحقيقة وقد أصبحت في وجدان حكامنا يقيناً مستبداً لا يقبل التشكيك أو الحوار، وأساساً راسخاً لأي خطة أو قرار، بعد أن تمردت على بقائها الطويل داخل عناوين فارغة بلا مضامين ولا براهين.. رخُصنا في بلادنا حتى صرنا مجرد بنود مسجلة بدون قيمة في دفاتر الوُلاة.. وهو )اللا منطق( الذي رفضه المخترع الدقهلاوي «مصطفى الصاوي» ذو السبعة عشر عاماً والمحتكِر التقليدي للمركز الأول في جميع المهرجانات والفاعليات الدولية والإقليمية، وآخرها منذ بضعة أيام تحت رعاية الأمير صباح الأحمد الجابر لمعرض الكويت الدولي الثامن للاختراعات في الشرق الأوسط والذي رفع فيه «الصاوي» علم الإمارات التي منحته جنسيتها لتصبح الوطن الجديد له كأحدث الفارين من )شرنقة العلماء(. عكف )الناجي الصغير( على إيجاد الحل الناجع لأزمة الكهرباء كواحدة من أعتى المشكلات الأزلية في مصر- وطنه الأم- وفعلاً نجح في تحقيق الحلم بتصميم نموذج لما أسماه «السد العربي الذكي» والقادر على دمج الكهرباء المتولدة عن طريق كل من المياه، والرياح، والشمس كثلاثة من أهم أنواع الطاقة الطبيعية المتجددة.. والاختراع المدهش بشكل مبسط عبارة عن سد منحدر بعمق 35 متراً داخل البحر، تكسو سطحه مجموعة من الخلايا الشمسية، ومحاطاً بحقل من توربينات الرياح.. هذا بالإضافة إلى إمكانية تحلية مياه البحر المنهمرة داخل السد وإعادة ضخها عبر أنابيب لاستخدامها في شتى الأغراض. صبيٌ في عداد الأطفال كاد يصنع ما عجزت عنه الحكومات المتعاقبة على «سد ناصر العالي» لولا تشدد الروتين، وتردد المسئولين واكتفاؤهم بمنح شهادات التقدير للولد الكبير، وحرصهم على التقاط الصور معه أثناء تكريمهم له. والحق أن وزراء التربية والتعليم، والبحث العلمي، والشباب والرياضة، ورئيس جامعة المنصورة وأساتذتها، ومحافظ الدقهلية جميعهم وقفوا بجانب المخترع المصري بقلوبهم الرهيفة وإمكاناتهم الضعيفة، لكنها إيجابيات لا تسمن ولا تغني من جوع.. أما القرارات فليست من صلاحياتهم، وقد تحتاج إلى جرأة لا يملكونها أمام جهات أعلى يخشونها.. فالقائمون على البحث العلمي في مصر ندرة شحيحة من الخبراء والمتخصصين تحجبها جيوش من الموظفين لا علاقة لهم بالعلم والعلماء.. والنتيجة محلك سِر.. أو دُر.. أو نَم.. أو مُت داخل مزيد من دوائر مفرغة ومتداخلة تخنق العلماء أو تطردهم كما فعلت بعبد الله عاصم ثم مصطفى الصاوي أخيراً، ومن قبلهما مجدي يعقوب وأحمد زويل وغيرهما، ومن بعدهم الكثير والكثير.. والأهم أن نكتم آهات الألم، ونحبس الدمع وحسرات الندم ونحن نهنئ الإمارات شقيقتنا الجميلة والتي لم تعد بعد صغيرة.. مبروك عليك ابن مصر الذي صار ابنك من الآن.. راعيه وخللي بالك منه. [email protected]