نعم يا ولدي إحنا آسفين.. سامحنا. بلدك يا ولدي مثقلة بكل أنواع الهموم. إرهاب، فقر، جهل، مرض. أزمات متجددة أدارت رءوس الجميع. لم يعد لدي أحد هنا طاقة تسمح بتشجيع العلماء والنوابغ. لا تغضب ولا تبتئس لو لم ينتبه إلي نبوغك وعبقريتك أحد في وطنك الأم مصر، فالبحث العلمي في بلدك يا ولدي لا يحتل سوي 1% من ميزانيتها. وقد وجدت السلوي والملاذ في وطنك الثاني دولة الإمارات. هناك قدروا نبوغك وتبنوه وأسبغوا عليك جنسيتهم. كلمة أمك مزقت قلبي:» في مصر كأنه ميت يجب دفنه، وفي الإمارات عريس الكل فرحان به» حكاية مصطفي الصاوي الشاب ابن السابعة عشرة يندي لها جبين أي صاحب ضمير حتي لو كان في بلد اعتاد علي إهمال العلماء وتجاهل النوابغ. قد لا يكون مصطفي الصاوي حالة فريدة فبجانبه يتراص العشرات، بل المئات من الشباب النابهين الذين ضلوا الطريق نحو العالمية العلمية نتيجة تراجع الاهتمام بالبحث العلمي. وكم من البحوث المهمة التي يمكنها ان تساهم في حل مشكلات البلاد لم تر النور ولم تخرج إلي حيز التنفيذ لأن أصحابها لم يتمكنوا من تسجيل بحوثهم والحصول لها علي براءات اختراع ولم يعرفوا الطريق نحو كبريات الشركات التي يمكنها تبني تنفيذ مشروعاتهم. مصطفي الصاوي حاصل علي جائزة أحسن مخترع عربي واحسن اختراع علي مستوي العالم من الأممالمتحدة لعام 2014 بجنيف وعلي لقب «أفضل باحث عربي» في مسابقة أجريت في لندن. وللأسف لم ينجح في الحصول علي تأشيرة السفر بعد أن رفض طلبه مرتين. ولم يتمكن من حضور حفل التكريم الذي أعد للفائزين في لندن مما اضطره لتسلم الجائزة من سفارة المملكة المتحدة بالقاهرة!. وفي العام الماضي أيضاً حصل علي جائزة البحث العلمي بالشرق الأوسط من الكويت ممثلاً لمصر. وأخيراً حصل هذا العام علي المركز الأول في مسابقة المبدعين العرب من الإمارات ممثلاً لها وباسمها بعد أن تبنت اختراعه الذي أذهل العالم والذي أطلق عليه اسم «السد العربي الذكي». فكرة اختراعه تقوم علي أساس إنشاء سد يقوم بتوليد الطاقة الكهربائية عبر دمج ثلاثة مصادر للطاقة المتجددة مع بعض التعديلات الهندسية علي كل مصدر من هؤلاء بحيث تصل طاقة التوليد إلي ما يقارب 33 ميجاوات في الساعة بعد تحلية مياه البحر بتكلفة تقل 20% عن التكلفة الدولية واستخدام تلك المياه مع طاقة الرياح والشمس لإنتاج الكهرباء. المخترع المصري انفعل بقضية نقص المياه التي تهدد الأمن القومي لوطنه فنذر أحلي سنوات عمره للبحث عن حل لها فابتكر فكرة السد لحل مشكلة المياه العذبة والطاقة من خلال إنشاء سدود داخل البحار المالحة علي بعد 25 متراً وباستخدام سبعة توربينات قدرة كل منها 600 ميجاوات بجانب استخدام طاقة الرياح في البحر لأنها تعتبر أقوي الرياح في الأرض بنسبة 70%. ويقول مصطفي إن مشروعه يمكن أن يغذي مصر كلها بالكهرباء ومن الممكن ان يغذي أكثر من بلد في آن واحد. والدة الشاب تجتر مرارات الإهمال الحكومي لنبوغ ابنها، وغيرة أساتذته في الجامعة ومحاولات تعويقه عن إجراء بحوثه وتجاربه، كبر عليهم أن يشاركهم هذا الشاب الغر معاملهم وأدواتهم. ويحكي الشاب لجريدة الوطن أن كل مراسم تكريمه في مصر كانت إجراءات شكلية دونما خطوات عملية علي أرض الواقع أو أي شكل من أشكال الدعم مثلما قدمت دولة الإمارات. هل أصبحت مصر كالقطة التي تأكل أبناءها؟ ألهذا يفر الأبناء بحثاً عن عيشة لائقة وتعليم متطور يسابق العصر؟ لماذا يظهر نبوغ الأبناء في الخارج؟ هل لأن الآخرين يعترفون بهم ويفخرون، يحتوونهم ويرعونهم ويهيئون لهم كل فرص النجاح والإبداع، يستفيدون من ذكائهم ويوجهونه لخدمة احتياجاتهم العلمية. بينما نغضب نحن من هجرة العقول ونصب عليهم كل صنوف اللعنات والاتهامات بالجحود والخيانة، ثم حين يبرز الواحد منهم في مهجره ويحقق طفرة عالمية نتمسح فيه وفي أصوله المصرية، مع إننا في البداية كنا السبب في «طفشانه» وكنا نتفنن في تهيئة كل ظروف البيئة الطاردة. اطمئن يا ولدي، ولا تلتفت لمن يهاجمونك ولا لمن يرمونك بالخيانة، فغداً حين يشار إليك بالبنان وأنت بالخارج سيسعي كل أولئك وراءك، يتمنون التقاط صورة معك، ولا تعجب حين تري من حاربك في الماضي هو أول من يهنئك ويتصيد الذكريات ليزعم أنه من تنبأ لك بالمستقبل الباهر.