يقولون.. اهمسوا أو اصمتوا فأمريكا و'إسرائيل' لهما آذان.. وإياكم أن تتحدثوا الآن عن كامب ديفيد أو تذكروا المعاهدة من أصله.. فليس هذا وقته.. دعونا ننتهي من هذه المرحلة علي خير ، وبعدها فليكن لكل حادث حديث.. لا نريد استعداء أمريكا وإسرائيل والغرب الآن علي ثورتنا.. و لا نرغب في إعطاء ذرائع لإسرائيل للانقضاض علي سيناء الآن.. خاصة ونحن نعلم جيدا أنها منزوعة السلاح في ثلثي مساحتها.. ومثلما يقول المثل الشعبي : تمسكن إلي أن تتمكن. * * * و يقولون.. أن الشباب ثار من أجل الحرية والكرامة.. و باقي الشعب ثار من أجل لقمة العيش.. لم يثور أحدا من أجل فلسطين أو ضد أمريكا و إسرائيل.. لم نسمع أي هتافات طوال أيام الثورة تخص هذه القضايا.. أي إنها ثورة داخلية 100 %.. فلا تفسدوها علينا الآن.. وبعد تحقيق الديمقراطية بإذن الله.. يستطيع من يشاء أن يقول ما يريده.. فان اقنع الناس، فعلي بركة الله.. وان لم يفعل، فعليه أن يتقبل رأي الأغلبية.. هذه هي سنة الديمقراطية. * * * انتهت الوصية.. وهي وصية صامتة ولكنها منتشرة بين كثير من الأطراف.. و كأنها سر الثورة الخاص بها. * * * حسنا، في الوصية منطق قوي وحصافة وحذر مطلوب وكتمان محبب في الأحوال والظروف العادية. * * * ولكنه رغم ذلك يظل كلاما غير صحيح وغير مبدئي وقد يكون غير مجدي.. لماذا؟.. لان الشعوب عادة لا تخفي مبادئها المشروعة ولا تخجل منها ولا تتحفظ في طرحها.. كما أن الثوار يختلفون عن الساسة.. فالساسة، صناعتهم هي التكتيك والمناورة والمرونة والتفاوض والتقدم و التنازل.. أما الثوار فيجاهدون، فإما النصر أو الشهادة وهم لا يساومون أبدا علي معتقداتهم.. قد يتكتمون علي الخطط والاستراتيجيات.. ولكن الموقف المبدئي يجب أن يعلن منذ اللحظات الأولي.. والموقف المبدئي في مسألة كامب ديفيد هو أن الشعب يريد أن يتحرر من القيود المفروضة علي مصر بموجب هذه المعاهدة.. و أن يسترد كامل سيادته العسكرية علي سيناء.. ليحميها من التهديد الصهيوني المستمر بإعادة احتلالها مرة أخري.. وان يتحرر من العلاقات الإلزامية مع إسرائيل.. ومن التبعية للولايات المتحدة. * * * هذه واحدة.. والثانية أن من حق الشباب الثائر أن يعلم أصل الحكاية، من حقه أن يعلم انه حرم من السياسة لثلاثين عاما بأوامر من الأمريكان والصهاينة.. وانه تم تغييبه عمدا، لكي لا يكون طرفا في هذا الصراع.. وهو التغييب الذي انعكس علي ثورة يناير في التركيز علي شعار الحرية والعدالة فقط، بدون تطرق للاستقلال والتحرر من الهيمنة الأمريكية.. رغم أن النظام الذي نطالب بإسقاطه، هو صناعة أمريكية صرفة، بدأت منذ السبعينات، لتجريد مصر من المقدرة علي مواجهة إسرائيل مرة أخري.. كما أن الآن هو الوقت المناسب لنتفاعل مع أبنائنا ونحكي لهم أصل الحكاية.. فان لم نفعل، سنكون من المضلِلين.. كما أن كثيرا منهم لا يعلموا أن سيادتنا في سيناء منقوصة.. ولو علموا، لن يقبلوا هذا الوضع.. كما انه قد يترتب علي صمتنا أن يثبت و يترسخ لدي الأجيال القادمة انه لا توجد مشكلة بيننا وبين الصهاينة والأمريكان، فيستمر الحال علي ذات المنوال. * * * ثم أنه من غير اللائق ولا المقبول أن يملأ الأمريكان والصهاينة الدنيا بتصريحاتهم المستمرة عن ضرورة التزام أي رئيس أو برلمان مصري قادم بمعاهدة السلام.. ونقوم نحن في المقابل بالتزام الصمت وكأنه أمر لا يعنينا، أو كأننا نوافق علي حقهم في تحديد وصياغة سياستنا الخارجية. * * * ثم دعونا نتعظ من تجارب الآخرين.. ماذا حدث حين امتنع المفاوض الفلسطيني عن طرح موقفه المبدئي، و اكتفي بالمطالبة بفلسطين 1967 فقط إلي أن تتغير الظروف.. ماذا ترتب علي ذلك؟.. ترتب أولا انه لم يحصل علي شيء البتة.. و ترتب ثانيا أن أحدا لا يجرؤ الآن علي المطالبة بكل فلسطين، بعد أن استقر لدي الرأي العام العالمي أنها أرض إسرائيل بعد أن تنازلت عنها منظمة التحرير الفلسطينية.. مما سيتطلب عقود طويلة لإعادة الاعتبار لمبدأ أن كل فلسطين هي أرض عربية. * * * ثم أن أعداءنا ليسوا سذج.. فهم يعلمون خرائطنا السياسية والفكرية والعقائدية الحقيقية.. فصمتنا لن يخدع أحدا. * * * بالإضافة إلي أن حجة ''إن إلغاء المعاهدة يعني الحرب''، هي حجة زائفة وغير حقيقية، وهي فزاعة سخيفة كان هدفها ترهيب الشعب المصري من التمرد والخروج من الحظيرة الأمريكية.. فبإمكاننا أن نلغي ألف معاهدة بدون أن نعلن الحرب علي أحد.. وعندنا قصة الحرب الباردة بين العدوين اللدودين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي، التي لم تطلق فيها رصاصة واحدة. * * * بالإضافة إلي إننا لم نبادر أبدا بالحرب، إلا في 1973 لتحرير أرضنا المحتلة.. وعندما اعتدوا علينا في 1967، لم يفعلوا ذلك لأننا بادرنا بالعدوان، ولكن فعلوه لمنع مصر من التحول إلي قوة سياسية واقتصادية.. انه العداء الصهيوني العميق لمصر، الذي لن يتغير، حتي لو رفعنا جميعا الرايات البيضاء وأهديناهم الورود كل صباح. * * * ثم دعونا نستفيد من قوة الدفع الثوري الهائلة القائمة الآن، ولنبدأ بمطالب محددة مشروعة ومتوافقة مع كل المواثيق الدولية مثل: المطالبة عبر الوسائل الدبلوماسية بإعادة النظر في معاهدة السلام، وخاصة تلك المتعلقة بالترتيبات الأمنية في سيناء.. إلغاء اتفاقيات تصدير الغاز و الكويز و أخواتها.. الانسحاب من أي ترتيبات تشارك في فرض الحصار علي فلسطين.. فتح معبر رفح ومعاملته كمعبر السلوم. * * * أن معنا الآن قوة الناس، قوة الشعب بأكمله، وهو الوقت الأكثر مناسبة في حياتنا لطرح كل ما نريده.. و لن يجرؤ أحد أن يتهم شعبا بأكمله بالتطرف كما أننا دخلنا الآن في مرحلة الحوار حول البرامج الانتخابية البرلمانية و الرئاسية، من أجل المستقبل الأفضل لمصر، وليس من المعقول أو المقبول أن تخلو من تناول أهم وأخطر مسألة تهدد أمننا، واقصد بها فزاعة سيناء. * * * وهذا لا يعني أن نطالب بإلغاء كامب ديفيد فورا.. فهناك عشرات الخطوات والمقدمات الضرورية والمحسوبة التي يجب أن ننجزها أولا.. ولكن يتوجب الإعلان عن موقفنا المبدئي منها، من أجل فضح و شرح خفاياها ومآسيها لكل من لا يعلمها من شعبنا الثائر الكريم. محمد سيف الدولة [email protected]