لا يزال الموقف الأميركي الداعم لجماعة ''الإخوان المسلمين'' الإرهابية، يسيطر علي المشهد السياسي في مصر.. ورغم استحالة عودة الرئيس المعزول والمحبوس ''محمد مرسي'' إلا أن واشنطن لا تزال تصر علي عدم إبعاد أو إقصاء التيار الديني من هذا المشهد.. وضرورة اندماجه في الحياة السياسية.. وتطالب أيضاً بإلإفراج عن كافة المعتقلين من قيادات الإخوان بمن فيهم ''مرسي''.. وهذا الموقف الأمريكي ليس دفاعاً عن الإسلام.. فأمريكا بكل تأكيد ليس أحن علي الإسلام من المسلمين.. بل دفاعاً عن مخطط يستهدف دول المنطقة العربية والشرق أوسطية تنفذه أمريكا منذ اندلاع ما يسمي بثورات ''الربيع العربي'' التي انطلقت شرارتها الأولي من تونس نهاية العام 2010 ولا تزال حتي وقتنا هذا تعبث بمصير وتاريخ دول المنطقة! السياسة الأخوانية كانت منذ نشأتها في خدمة عواصم الغرب المتهصين، وفق قواعد الأزمات الغابرة، وتدمير الفكر القومي بحجة أنه ثقافة كافرة، وتدمير دول وجيوش عربية كانت تشكل خطراً علي إسرائيل واللعب بالأوراق المذهبية، يريدون تحويل الدول العربية إلي مسالخ وخرائب وحرائق للتماهي مع اللعبة الصهيونية للاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلة. والعلاقات الأخوانية العربية وإسرائيل لم تعد تثير خجل الأغلبية العظمي من القيادات العربية، ويعمل لتحويل الوطن العربي إلي فسيفساء ورقية يكون فيه الكيان الصهيوني هو السيد المطاع، يسمي الإرهاب والفسق والقتل والتخريب وتقطيع الأجساد جهاداً واجباً، ويعملون علي حماية الحدود الإسرائيلية وأمن إسرائيل من خلال تحطيم الجيوش العربية المواجهة لإسرائيل. يدّعي ''الإخوان المسلمون'' أنّهم يمثّلون الإسلام، وما كلّ ادّعاء يثبت إلاّ بعد الفحص والتّدقيق، ودون تجنٍّ، نتوقف، علي عجالة مكثفة مع هذا الادّعاء الذي تفضحه حقائق الواقع، فهم تنظيم سياسي ينطلق أصلاً من مقولة وُظِفتْ منذ البداية لتكون عامل تفتيت لا عامل توحيد، فهم يزعمون أنّ المسلمين 'أمّة'، ووقائع التّاريخ تقول بوجود 'أمم' إسلاميّة، لكلّ أمّة خصائصها، وجغرافيتها، وتاريخها، ومصالحها، بل وثقافتها. ولعلّ مَن يسأل عن سرّ هذا الطرح منذ البدايات، سوف يري أنّ القوي الغربيّة الفاعلة آنذاك، وعلي رأسها بريطانيا أسهمت بنشوء هذه الدّعوة، ودعمتها، وكانت قد مهّدت، وهيّأت للجماعة، المتعصّبة، التكفيريّة، لتوجّه المسارات الإسلامويّة باتّجاه مصبّات تُدرك دوائر الغرب أين تصبّ، ولم يغبْ عن بالها أنّ الدّعوات التي صدرتْ عن مفكّرين وشيوخ إسلاميّين، قد تُمهّد لانتشار الأفكار الإسلاميّة المحمديّة السّمحة، وهذا ما لا يتّفق مع التوجّهات والأغراض الغربيّة، فامتدّتْ أيدي الخبث والدّهاء لإقامة ذلك التّنظيم المشبوه، وثمّة الكثير من العلامات الدّالة ومنها: أنّ هذا التنظيم لا يضمّ في صفوفه إلاّ مَن كان من المذاهب السنيّة الأربعة، وهكذا يكون قد استبعد ملايين المسلمين من المذاهب الأخري، عرباً وغير عرب، وفي هذا من ملامح التّفتيت، والتّعصّب، ما ينسجم مع مطامح المخابرات الغربيّة، والصهيونيّة العالميّة. تنظر جماعة ''الإخوان'' لغير المسلمين نظرة ذميّة، ونحن في القرن الواحد والعشرين! فليست المواطنة هي الأساس، بل المذهب الذي وُلدتَ فيه، والذي يؤكّد عمق ارتباط هؤلاء بدوائر الغرب والصهيونيّة، أنّ الغرب المتعدّد، المنفلت تحرّراً، غرب ما بعد الحداثة يُدافع حكّامه عمّن يرفعون شعارات يعتبرونها عنواناً للتخلف، وللعمي الفكري، فما سرّ هذا الحميميّة في إيوائهم، وفي دعمهم، وفي السّعي لإيصالهم إلي مواقع الحكم؟! في أمريكا لابدّ من التّفتيش عن مصلحة إسرائيل، وهذا أمر يعرفه الجميع، وهنا نقفز قليلاً، ونربط بين موقف ''الإخوان''، حيث هم الآن، من كامب ديفيد، ومن إسرائيل، فهل شاهد أحد عمليّة انتحاريّة ضدّ إسرائيل تبنّتها ''جماعة الإخوان''؟.. كلّ التّصريحات، من سي مرسي، إلي المرشد، إلي الشاطر.. إلي أصغر فرد في الجماعة، تدلّ علي أنّ إسرائيل ليس لديها مشكلة مع هؤلاء، ولكي لا يكون الانكشاف فضائحيّاً كان لابدّ من لعبة الورقة المذهبيّة، وهي من أخطر الأوراق، ولئن بدا، في بعض المقاطع، أنّها آتتْ أُكلها جزئيّاً، فإنّ المرتسمات في مواقع أخري تُبشّر بأنّ لعبة الاصعاد الإخواني، تحوّلت إلي تسفيل، وتعرية، ممّا يضع الأمور في نصابها. لندقق في موقفهم من مسألة الصّراع العربي الصهيوني، وهي محور الصّراع في هذه الأرض، ولن تخدع أحداً بعضُ الخطب الرّنّانة في البدايات الأولي لهم، فنحن الآن نتكلّم عن سبعين سنة تقريباً من الصراع، ولا شكّ أنّ أخطرها ما نمرّ به الآن، تُري ما هو موقف ''الإخوان'' من قضيّة فلسطين؟ الذي لا نختلف فيه أنّ الغرب أقام هذا الكيان لأهداف استعماريّة صهيونيّة لم تخفَ علي بصير منذ البداية، ولكنّها الآن بعد تلك الخروقات، والاختراقات، وذهاب بعض العواصم العربيّة للتّعاون العلنيّ مع إسرائيل، فإنّ هذا يُفترَض فيه أن لا يسمح إلاّ بموقف واحد واضح وضوح المعركة ذاتها، فأين هم من القضيّة الفلسطينيّة، بحمولاتها، وبما تراكم فيها، وبالمخاطر المحتمَلّة؟ إنّ الحراك الإخواني علي الساحة العربيّة يدير ظهره لقضيّة فلسطين لدرجة التّغييب، ومن عجب أن يكون بينهم فلسطينيّون! تُري أين هو مشروعهم الاقتصادي، إنّهم يكتفون برفع الشّعارات الإنشائيّة التي تدغدغ العاطفة الدّينيّة، ويافطتهم العريضة: ''الإسلام هو الحلّ''، أمّا كيف فلا يزيدون، ومازالوا يرون في الزّكاة حلاً اقتصاديّاً، ولا نُنكر أثر الزّكاة الإيجابي، الإنساني، ولكنّه لا يحلّ مسألة البطالة، ولا يزيد في الإنتاج، ولا يُخفف من تلك الفوارق الطبقيّة المفزعة بين مَن يملك ومَن لا يملك، وهنا ثمّة قطبة لابدّ من معرفتها، وهي أنّ مقولاتهم الاقتصادية تلك هي امتداد لروح اقتصاد السوق: ''دعْه يعمل، دعْه يمرّ''، وذلك هو التّبكيل النّظري بين العالم الرأسمالي وجماعة ''الإخوان'' في الاقتصاد، أمّا التّبكيل السياسي فيمكن العودة لرسالة الرئيس غير المأسوف علي خلعه ''مرْسي'' إلي ''شيمون بيريز''. لعلّ مَن قد يري، في هذا السياق، في التّجربة التركيّة الاقتصادية، في العشر سنوات الأخيرة مثالاً يقدّمه، وهنا لابدّ من معرفة أنّ ذلك النموّ جاء ليس لأنّ الحاكم حزب ''إخوانيّ''، بل بتخطيط اقتصاديّ يستجيب لحاجات الواقع، وإلاّ فكيف حققت كوريا الجنوبيّة نموّها، والصّين ريادتها، وهي أمم غير مسلمة. لعلّ مَن يتوقف عند ما سُمّي الربيع العربي، ويربطه في جزء منه بفاعليّة الجماعات الإخوانيّة، وهنا أيضاً لابدّ من التّنبّه إلي أنّ ما حققه ذلك الحَراك لم يكن بعيداً عن الدّعم الأمريكي، وهذا ليس خافياً، من التّدخّل العسكري في ليبيا، إلي تقديم مالا نعرفه بدقة الآن، من أموال، ومشورات، وتخطيط، لا فرق أن يكون ذلك المال من خزائن عواصم الغرب، أو من صناديق بعض الدول الخليجية، فالحال صار واحداً، لاسيّما وأنّ عقدة الخلاف الكبري التي هي إسرائيل لم تعد مشكلة! إنّ 'تسييس' الإسلام هو غير 'سياسة' الإسلام، فالتّسييس هو ما نراه ماثلاً، أما سياسة الإسلام فهي فهْم روح الإسلام الذي عبّرتْ عنه الآية الكريمة: ''وَما أَرْسلناكَ إلاّ رحْمةً للعالمين''، أرسِل رحمة، وليس تخريباً، وتدميراً، وتقتيلاً، ومَذْهَبَة، ونفْخاً في نار الفرقة والبعثرة. من المهمّ أن نُدرك أنّ 'التنظيم الدولي للإخوان'، كفهم، وكفكر، هو الذي يقود هذا المشروع، وقد حاول التنظيم تغييب بقيّة المذاهب السنيّة الأخري.. رغم كلّ هذه الحرائق، وهذا الغبار لابدّ من قراءة ما هو موجود في الواقع بقوّة، وهو أنّ الجبهة المناوئة لهذا التوجّه، جبهة مقاومة هذا المشروع التخريبي التجزيئي، التي تتّسع يوماً بعد آخر، علي مستوي الوطن العربي، وهو ما تثبته الوقائع، والطروحات، والتحرّكات،.. هذه الجبهة تضمّ المسلمين من المذاهب كافة، والمسيحيّين، والعلمانيّين، وهو حضور لا يقوم علي فتح أوراق الأفكار ومن الصعب الجزم بأن أميركا حسمت خياراتها كلياً، وأنها باشرت بتمهيد الطريق أمام بدء مرحلة أفول الربيع الأميركي الإخواني، في ظل الهواجس الأميركية من المتغيرات القائمة، والتي تجتاح كل ما عرفته مرتكزات السياسة الأميركية التقليدية طوال تسيّدها المشهد السياسي في المنطقة والعالم. وإذا كان من المبكر الحديث عن القطيعة الكلية بين السياسة الأميركية والمشروع الإخواني، فإن الجدل حول أولويات السياسة الأميركية في مخاض التحولات بات ملحاً وحصرياً، خصوصاً فيما يتصل بالعلاقة الأميركية مع رموز الإخوان الإقليميين وقادتهم، وما قد تُمليه هذه الانعطافة من تداعيات علي مستقبلهم السياسي، وربما وجودهم بحد ذاته، ولا سيما في ظل مؤشرات حقيقية علي أن المشروع الأميركي بات أمام تحديات مصيرية، تُملي انكفاءه مرحلياً علي الأقل أو إعادة تجميع لأوراقه التي تتبعثر في اتجاهات متباينة، تعكس ارتباكاً واضحاً وصريحاً. ربّما لم يكن مفاجئاً للكثيرين أن تقدم الولاياتالمتحدة الأميركية علي إعلان فراقها عن جماعة الإخوان، وأن تفترق عن مشروعهم رغم قصر المدة التي جمعت بين الطرفين، والتي دشنها إعلان واشنطن عن مقتل بن لادن، تمهيداً لربيع أميركي إخواني، ''أزهر'' خراباً ودماراً علي امتداد المنطقة. وليس مستبعداً أن تتخلي الإدارة الأميركية عن ذلك، وهي التي زجت نفسها في علاقة غير شرعية، أملتها معادلات وحسابات خاطئة، حيث المؤشرات الأخيرة كانت تشي بذلك حتي لو لم تظهر للعلن، بدليل أن الكثير من المقاربات الأميركية حيال تطورات المنطقة بدت مفترقة كلياً أو جزئياً عن مقاربات المشروع الإخواني واصطدمت أغلب الأوقات مع تداعيات الاجتياح الإخواني العشوائي لحلبات المنطقة. المسألة لا ترتبط بهذه المقاربة الأميركية المفاجئة في جزئيتها المصرية، بقدر ما تعكس توجهاً فعلياً يُملي بالضرورة إعادة النظر بارتباطاتها الإقليمية القائمة، وتحديداً ما يتعلق بزعامة أردوغان وحكومته، علي أساس موقعه في قيادة المشروع الإخواني، وهو ما ظهرت نتائجه المباشرة في الارتياب التركي الذي يسارع اليوم إلي إعادة تدوير الزوايا من الساحة الروسية التي تبدو فضفاضة عليه وفوق طاقة أمنياته. لذلك فإن أفول الربيع الأميركي الإخواني يسبقه بالضرورة أفولُ كثير من رموزه، واندثارُ الظواهر المرضية المرتبطة به، وإن بقيت شرارات النيران التي تؤججها فلول هذا المشروع! فالمشروع ''الإخواني'' الذي جاء محمولاً علي أذرع المشروع الأميركي ينكشف الغطاء عنه، ويبدو من دون أرجل ولا أذرع، وحتي جرعة الإنعاش التي توفرها له إسرائيل وبقايا الأدوار الإقليمية علي خلفية المشاغبة والمناكفة تجاه الاستدارة الأميركية، وتغييرها لبعض أولوياتها لن تطيل في عمره، ولن تعيد له ما فقده بالافتراق الأميركي. وما ينطبق علي حال المشروع ينسحب بطريقة أكثر وضوحاً وأكثر اتساعاً علي قادته ومروّجيه وحامليه الإقليميين، حيث لا تنفع الاستدارة ولا تجدي محاولة إعادة التموضع، ولن تؤخر في انعكاساته عمليات التجميل السياسي وسلسلة الترقيعات التائهة وسط صحراء العواصف الأميركية المتبدلة. والحال ومن خلال قراءة العناصر التي تمت الإشارة إليها، يمكننا القول إن أميركا الدولة العظمي هي أكثر حاجة لمصر وليس العكس، وذلك بحكم مصالحها الكونية واستراتيجياتها الكبري سواء كانت عسكرية أم اقتصادية وبحكم علاقتها العضوية مع الكيان الصهيوني وحرصها علي أمنه واستقراره إذا علمنا أن مصر تشكل التحدي الأكبر في وجه ذلك الكيان العنصري العدواني. إن قوة أي دولة خاصة إذا كانت بحجم مصر وأهميتها تكمن بشكل أساسي في قوة إرادتها السياسية التي تعكسها قيادتها السياسية بوطنيتها وتحررها من كل أشكال الضغط أو الارتهان للخارج وهذا بالمناسبة هو التعبير الحقيقي عن مفهوم السيادة والاستقلال يضاف إلي ذلك القدرة علي تحريض الطاقات الوطنية إلي أقصي حد ممكن لتكون الرديف والسند للقيادة السياسية في خياراتها الوطنية والاستثمار في العامل الوطني بمكونيه الأساسيين الجيش والشعب عند ذاك، ومن خلال تلك المعادلة المهمة والاستراتيجية لا يمكن لأي قوة خارجية مهما امتلكت من أدوات سواء كانت عسكرية أم اقتصادية أم مالية وهي ما تهدد أميركا باستعماله باتجاه الدولة المصرية أن تؤثر بشكل بنيوي علي مجري الأحداث التي تشهدها مصر العروبة. فهل هذا ما دفع كاتباً أمريكياً للقول: ''العالم سيكون آمناً أكثر في حال توقفت الولاياتالمتحدة عن سياساتها الشيطانية حول العالم'' ويمكن الإضافة.. إن أمريكا أصحبت عمياء أمام عواصف تجتاح السياسة الدولية ومعظمها خرج من يدها ولم يعد تحت السيطرة.. لكنها لا تزال تبحث لمخابراتها عن أساليب جديدة.. وأهدافها عربياً تبقي قديمة.. حرية مصادرة الحقوق وعدم الاستقرار ونعمة الثقافة.. لأن وجود كل هذا يعني أن العرب استعادوا دورهم في المسيرة الإنسانية.. وهذا ممنوع بالمطلق أمريكياً وصهيونياً.. ومأزقها يبقي في فرط فرض دورها في قوتها الباطشة وغير المنضبطة.. باعتبار أن القوة جزء من تراثها وتاريخها.. لذا هي تتجاهل قيماً إنسانية مثل العدالة والإنصاف وحق الآخرين.. وحتي عندما تتحدث عن هذه القيم فإنها تستخدمها غطاء أو ذريعة أو تسويغاً لاستخدام قواتها وتالياً تدخلاتها الشيطانية.. وهذا ما تحاول فرضه علي مصر اليوم.