كثيراً ما يحدث ويخذلك القلم ليكتب ما لم تكن تعنيه أو تفكر به، علي الورقة هو صاحب السيادة، يأخذك إلي حيث يريد ويقذف عيونك بحروف ربما تخجلك.. وهذا ما شعرته حقيقة عندما قررت أن أكتب عن فصل الشتاء، ذلك الفصل البارد الذي لطالما وجد الدفء في مشاعر البشر وجدران البيوت الآمنه، ها هي نسائمه علي الأبواب تداعب الصباحات لتبشر ببداية قريبة لبرده وإعلان صريح لتزاحم سحابات المطر. وشرعت في الكتابة في حالة شعورية حالمة يستحضرها بداخلي الشتاء ولياليه الساكنه، فإذا بالقلم ينتفض بحرارة تشبه حرارة سماء العرب المشتعلة بالقدائف ليأخذني لوصف شتاء آخر ما كنت أعنيه.. برده قنابل حارقة.. وأمطاره شرر يشعل الأرض في كل مكان.. وسكونه ما عاد ذلك السكون الذي يدعو للتأمل إنما هو سكون ما قبل العواصف.. طعمه لاذع ومريب، يؤجج الأحزان في سماء العرب. إذاً هو شتاء العرب الحارق.. بداية حصاده ما يقرب من ثلاثين شهيداً في الضفة والقدس في مواجهات أحرار فلسطين مع قوات الإحتلال الغاشم، والجميع علي يقين بأنها بدايات إنتفاضة ثالثة عنوانها ' السكاكين' أشعلتها إقتحامات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصي وقدائف طيران إسرائيلي إخترقت صدر الليل وصدور الرضع، ومرابطات الأقصي اللاتي يغزلن كل يوم قصص البطولة والكبرياء.. وحجارة الأطفال وأطفال الحجارة عادوا إلي الأذهان، فما نشاهده من صور لقفزات هؤلاء الأطفال وبإيديهم الحجارة، هي ليست براعة بهلوانية تميزهم، إنما هي إرتقاء فوق كل إنحدار خذلهم وخذل قضيتهم. إهدأ أيها الشتاء المشتعل وحطم مرايا الحلم في جعبتك.. لن نحلم.. لن نتأملك هذا العام.. وبردك القاسي سيبقي في صدورنا مجرد إحتمال.. لن نشعره والأراضي تحترق.. لا تنتظر مِنا أي إهتمام والأرق يعذب بلاد الشام.. وياسمينة بيضاء ماتت في اليوم ألف مره وعطرها في القلب لا يزال.. يبحث عن طفلة صغيرة فقدت بيتها وشردتها الخيام.. تخشي عليها من ثلوجك من وحشة الليل من بُعد المكان.. ويمن حزين دمرته جماعة الحوثي وأضحي وضعه مأساة في حق الإنسان.. وخلايا الخبث تهدد من حوله كل الأوطان.. ولسنا بمنأي عن كل هذا، ولازالنا نحارب براثن الإرهاب الجبان. إذاً يا شتاء.. إحتضر الهواء.. وأغلقنا شبابيك الحُلم فلا تنتظر زوار المساء.. لملم سحاباتك البيضاء وإنسحب.. فسماءنا ملبدة بغيوم الدخان.. لا تسقط علينا أمطاراً لن تطفئ لهيب النيران.. لا تبحث عن صوت فيروز فلن تحتويك ولن تحتويها قلوب أبكتها فرقة الأوطان.. وإن لمحت يوماً معاطفنا الثقيلة فلا تنتشي وفي القلب دوماً نقطة إشتعال.. وقودها وطن يبحث عن وطن.. وشعب أراد.. فضحك الزمان !