السلفيون يراهنون علي دعم الإخوان في اللحظة الأخيرة المال السياسي لا يقل خطرا عن 'التجارة بالدين' وسعر المرشح وصل 3 ملايين جنيه حزب عاصري الليمون يسعي لإثبات ذاته من خلال الحرب علي العناصر التقليدية بزعم إعادة إنتاج النظام القديم لماذا يراهن الأمريكان علي 'حزب النور'.. وهل هناك إعادة لانتاج تجربة الإخوان مرة أخري؟ هل يتكرر سيناريو هزيمة المتطرفين في برلمان تونس ونجاح العناصر التقليدية في الانتخابات المصرية القادمة بالأمس أعلنت اللجنة العليا للانتخابات موعد دعوة الناخبين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية القادمة، وحددت الجدول الزمني للاجراءات، استبشر الناس خيرا، عبروا عن ارتياحهم لإتمام المرحلة الثالثة من خارطة الطريق.. وإذا مضت الأمور في مسارها الصحيح خلال الأيام المقبلة، فمعني ذلك أن مجلس النواب قد يعقد دورته الأولي في النصف الأول من شهر ديسمبر القادم، ليبدأ الفصل التشريعي الجديد، وتنتقل سلطة التشريع إلي المجلس.. لقد أكد الرئيس السيسي شديد حرصه أكثر من مرة علي إجراء الانتخابات قبيل نهاية هذا العام، ولكن هل يدرك الرئيس أن هذا المجلس يمكن أن يكون سندا لإعادة بناء الدولة وتحقيق المشروع الوطني ويمكن أن يكون معوقًا؟ إن السلطات التي منحها الدستور الجديد لمجلس النواب القادم هي سلطات تتعدي كل الحدود في بلد عاني أزمات ومشاكل عديدة ولا يزال يعاني، ومن ثم فهو في حاجة إلي الاستقرار والانجاز لفترة من الوقت، بما يفضي إلي علاقة تسمح لرئيس الجمهورية بممارسة سلطاته الحقيقية التي سلبت منه ومنحت لبرلمان حتي الآن لا أحد يتوقع طبيعة تركبيته الجديدة. لقد أعطي الدستور الجديد للبرلمان حق سحب الثقة من رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة، وكذلك سلطة تعيين الحكومة وسحب الثقة منها، وحدَّ كثيرا من سلطات رئيس الجمهورية لصالح رئيس الحكومة، كما أصبح في حوزة البرلمان سلطات أخري، تجعل منه صاحب القرار الأول في حكم البلاد. إن الخطورة في كل ذلك، أننا أمام برلمان لا أحد يستطيع أن يتنبأ بهويته القادمة، والقوي الأساسية التي سوف تتحكم في قراراته، ذلك أن كل ما ينشر من تحليلات ربما هي اجتهادات شخصية، أو قرارات قد تصح أو تخطئ ولكن لا أحد يمتلك ضمانة فعلية تسير إلي رسم دقيق لخارطة البرلمان القادم. كانت الاتجاهات في البداية تشير إلي أن الرئيس السيسي ربما يكون له حزب، حتي وإن لم ينتم إليه، يستطيع من خلاله حشد المؤيدين لمواقفه وبرنامجه للتقدم بهم إلي الانتخابات، إلا أن الرئيس نفي ذلك أكثر من مرة، وقال إنه لا يسعي إلي بناء ظهير سياسي في الوقت الراهن. وهكذا أصبح الباب أمام الانتخابات البرلمانية التي ستجري في شهر أكتوبر القادم مفتوحا لكل التطورات والتوقعات حيث يجري استخدام كافة الآليات التي في حوزة بعض القوي لتحقيق الأكثرية في البرلمان القادم.. هناك بداية سعي البعض إلي توظيف الدين بما يخدم أهدافًا سياسية محددة، فبعد سقوط الإخوان يطرح السلفيون أنفسهم كبديل سياسي يتصدر المشهد، وهم في ذلك لا يتورعون عن التواصل مع ذات القوي التي استند إليها الإخوان، وأقصد الحوار مع الأمريكان وقوي الغرب، كما حدث خلال اللقاء المؤخر الذي جري بمقر السفارة الأمريكية بين اثنين من أهم كوادر حزب النور وعدد من المسئولين السياسيين بالسفارة، وكان ذلك مؤشرا علي طبيعة العلاقة الجديدة بين الإدارة الأمريكية والتيار السلفي ممثلاً في حزب النور. ويمتلك السلفيون في مقابل ذلك إمكانات مادية هائلة، تمكنهم من صرف مبالغ طائلة علي حملاتهم الانتخابية وإدارتها بأحدث الوسائل العلمية، والتواصل مع الجماهير بشتي الطرق إلا أن الشك والريبة لا يزالان هما سمة الجماهير في نظرتها لهذا التيار. وبالرغم أن كثيرا من عناصر الإرهاب التي تم القبض عليها اعترفت بأن تكفيرهم للحاكم يستند أساسا إلي كتاب 'الولاء والبراء' لنائب رئيس الدعوة السلفية 'ياسر برهامي' إلا أن قطاعات كبيرة من السلفيين تحاول القفز بعيدا عن هذه الاتهامات بالحديث عن الفارق بين السلفية التقليدية والسلفية الجهادية. إذن علينا أن ندرك أن القوي المدنية ستواجه خلال الانتخابات المقبلة، خطابًا مغايرا للسلفيين يسعي إلي الرد علي كل ما يثار، ويقدم نفسه باعتباره فصيلاً من تحالف ثورة '30 يونيو' بالرغم أن هذا الفصيل هو نفسه الذي شارك قبيل الثورة بخمسة عشر يوما في مؤتمر نصرة سوريا الذي دعا إليه محمد مرسي في الصالة المغطاه، وكان الخطاب السلفي الموجه للمصريين أشد عنفا وتكفيرا خاصة ما جاء علي لسان د.محمد عبد المقصود وآخرين.. كما أن عناصر ليست بالقليلة من هذا التيار شاركت في اعتصام رابعة واعتصام النهضة حتي اليوم الأخير. صحيح أن الحركة السلفية منقسمة علي نفسها وليست فصيلاً واحدا، إلا أن علينا أن نتوقع أن كافة الفصائل السلفية والأصولية سوف تتجمع سويا في حزمة واحدة لتقف خلف مرشحي حزب النور في الانتخابات القادمة. موقف جماعة الإخوان قد يتساءل البعض عن موقف جماعة الإخوان من الانتخابات البرلمانية القادمة، وهنا تسير المعلومات إلي احتمال أن يدافع الإخوان ببعض من عناصر الصف الثاني أو الثالث وتحديدًا بعض الأكاديميين وأساتذة الجامعات من الخلايا النائمة، ويأمل الإخوان من وراء ذلك إلي النجاح في تحقيق تمثيل ولو محدودا داخل البرلمان يكون هدفه التحدث باسم الجماعة وطرح المشاكل والقضايا التي من شأنها إثارة الرأي العام عبر الطرق المشروعة والسعي إلي إحراج القيادة السياسية عبر سياسة التشكيك وبث الشائعات والأكاذيب محتمين بذلك بالحصانة البرلمانية التي تمكنهم من تحقيق كافة أغراضهم بعيدًا عن المحاسبة والسؤال. ومن خلال دراية كاملة بنهج الإخوان واستنادهم إلي 'التقيه' لتمرير الأكاذيب والادعاءات، يتوقع أن تخرج العديد من عناصرهم في بعض الدوائر لتمنح أصواتهم للسلفيين أو المنتمين لبعض التيارات الأصولية الأخري، في الوقت الذي سيصدرون فيه البيانات بالدعوة لمقاطعة الانتخابات ورفضها. وفي الجولة الثانية للانتخابات، وحال دخول مرشحين ينتمون إلي الحركة السلفية وحزب النور حول الإعادة، هنا سوف يخرج الإخوان من جحورهم ليمنحوا أصواتهم هم والمقربون لهم للتيار السلفي.. صحيح أن هناك خلافات لا تنكر بين التيارين وصلت إلي حد الاعتداء والتهديد والوعيد، ولكن قيادة الإخوان تري أن الرهان علي السلفيين ودعمهم من شأنه أن يحقق لهذا التيار نسبة معقولة داخل البرلمان، حتي وإن لم يكن حبًا فيهم، فهو نكاية في الداعمين للرئيس السيسي. ومن خلال المعرفة بالإخوان وتكتيكاتهم، فهذا الأمر ليس مستبعدًا خلال المرحلة المقبلة، فالإخوان يريدون أن يبعثوا برسالة من خلال نجاح السلفيين تقول إن التيار الإسلامي لا يزال بعافيته، وأن داعمي السيسي في تراجع، وأنه لا خيار أمام الجميع سوي الإقرار بهذه الحقيقة، وهو ما يدعم ادعاءات الإخوان وأكاذيبهم. غير أن هناك من يري أن المؤشرات التي انتهت إليها نتائج الانتخابات البرلمانية التونسية في نهاية 2014 أكدت تراجع التيار الأصولي 'حركة النهضة' وفوز التيار التقليدي 'حركة نداء تونس' والذي يعتمد بالأساس علي رموز المجتمع الدستوري الديمقراطي 'حزب بن علي' ب 86 مقعدا من جملة 217 مقعدا، بينما لم يفز حزب حركة النهضة الإسلامي سوي ب 69 مقعدا متراجعا ب 20 مقعدا مقارنة بانتخابات سنة 2011 حيث تحصل علي 89 مقعدًا. وبالرغم من أن حزب حركة النهضة في تونس والمنتمي إلي التنظيم الدولي للإخوان، تميز بالذكاء السياسي في معالجته للكثير من القضايا والحداثة مقارنة بغباء جماعة الإخوان في مصر، إلا أن الجماهير تراجعت عن دعمها له وقررت الوقوف مع رجال الدولة أيا كانت انتماءاتهم الفكرية كما أنها حسمت أمرها في الانتخابات الرئاسية لصالح أحد رجال عصري بورقيبة، وزين العابدين بن علي، وهو أمر لا يخلو من دلالة.. وفي ضوء ذلك لا يتوقع حصول السلفيين وفقا لتوجهات الرأي العام، وفشلهم في العديد من التجارب السابقة إلا علي مقاعد محددة مهما امتلكوا من امكانات أو حاولوا الترويج لخطاب مغاير لأدبياتهم ومواقفهم السياسية وتحديدًا تجربتهم في الدورة السابقة للبرلمان. المال السياسي إذا كان توظيف الدين هو واحد من سمات المعركة البرلمانية المقبلة، فإن المال السياسي سوف يلعب دورًا هامًا في استقطاب كوادر مؤهلة للنجاح في البرلمان القادم. وقد تراوحت المبالغ المقدمة ما بين مليون وثلاثة ملايين جنيه، بل وصل الحال إلي الوعد بمبلغ 50 ألف جنيه كراتب شهري لكل نائب يحقق الفوز طيلة الدورة البرلمانية الجديدة. ويعتمد هؤلاء علي نواب سابقين، أو عناصر تنتمي إلي عائلات وقبائل لها وجود فاعل، وتحديدًا في مناطق 'الصعيد' وبعض مناطق 'بحري' علي اعتبار أن هذه العناصر لها رصيد عائلي وخدمي يؤهلها للفوز بمقعد البرلمان. ولا يختلف هذا النهج عن أساليب البيع والشراء في أسواق 'النخاسة' وعندما تبدأ المعركة الانتخابية ستتحول هذه الرموز القبلية إلي 'مسخ' في نظر مؤيديها، لأنهم سيتهمون هؤلاء بأنهم باعوا أنفسهم بالمال علي حساب القيم والمبادئ، وأن هؤلاء ووفقًا لقانون الانتخابات الذي يسقط عضوية النائب الذي يتخلي عن انتمائه الحزبي أو المستقل سيصبحون مجرد ألعوبة لا تملك من أمرها شيئًا في يد صاحب رأس المال الذي اشتري به إرادتهم لمدة خمس سنوات قادمة. ولا يجب أن يظن أحد أن من قدم الأموال قدمها لوجه الله والوطن، بل إنه أراد أن تكون له كتلة انتخابية لحسابات سياسية لا يدري أحد أبعادها، وأن هذا المال قد يكون واردًا من الخارج فتصبح التبعية أخطر وأنكي. وقد يري أصحاب هذا المخطط أن الهدف هو خلق تكتل لتشكيل حكومة مناوئة للرئيس تدافع عن أصحاب رأس المال وتتبني رؤية معاكسة، وهؤلاء بالقطع سيقودون البلاد إلي نموذج الحالة اللبنانية أو العراقية، وهي حالة أدت إلي الفوضي التي يعيشها البلدان، فهل مصر قادرة علي أن تعيش هذه الحالة؟ وإذا كان هؤلاء يستهدفون من وراء هذا التكتل الذي يسعون إليه إلي إحداث صدام مبكر بين البرلمان والرئيس، فهذا قطعًا سوف يقود إلي الفوضي، ويعطل التنمية، ويدفع البلاد إلي مزيد من الاحتقان، وهو نهج سوف يصب في مصلحة دعاة الإرهاب ومصلحة أصحاب مخطط الشرق الأوسط الجديد، وإسقاط وتفتيت الدولة. القوي الوطنية وهنا يبقي التكتل الثالث، الممثل في دعاة الحفاظ علي الدولة وإعادة بنائها وتأييد المشروع الوطني للرئيس عبد الفتاح السيسي والذي حصل علي أغلبية كاسحة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وصلت إلي 97% وهؤلاء ممثلون في قائمة 'في حب مصر' وبعض القوائم الوطنية الأخري، بعيدًا عن هذا التكتل المناوئ للدولة وللرئيس، والممثل في بعض الأحزاب الصغيرة التي تنتمي لفكر البرادعي أو 6 أبريل أو الاشتراكيين الثوريين أو تكتل 'عاصري الليمون' ممن وقفوا إلي جانب 'مرسي' ودعموه في مرحلة ما قبل لقاء 'الفيرمونت' أو بعده. أن التيار الداعم لثوابت الدولة الوطنية، وللرئيس عبد الفتاح السيسي، يمتلك أرضية واسعة في الشارع، نابعة من رفض الجماهير للفوضي، وسعيها المستمر لإعادة بناء الدولة وهزيمة المخططات الداخلية والخارجية. وهؤلاء الذين عايشوا التطورات السياسية والأمنية خلال السنوات الخمس الماضية، والتي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، أدركوا أن الخيار الوحيد أمامهم هو في الأمن والاستقرار والتنمية، وأن هذا الخيار يمثله الرئيس والقوي الداعمة له، وأن البرلمان القادم، إما أن يكون برلمانًا للاستقرار، أو برلمانًا لإشاعة الفوضي. وتدرك الجماهير أن كثيرا من الشعارات التي سترفع عبر بعض العناصر المعروفة بتوجهاتها، ستكون تكرارًا لسيناريو ما جري في 25 يناير، حيث رفع البعض شعارات التغيير، وكان الهدف هو الفوضي وإسقاط الدولة، ثم سرعان ما سقطت البلاد في يد الإخوان، الأمر الذي تسبب في تكلفة عالية، دفعها الشعب ومؤسساته المختلفة، ولايزال يدفعها حتي الآن. يبقي الحديث عن 'الماضي' وما يسمي ب'إعادة إنتاج النظام السابق'.. وهنا يجب التفرقة بين أمرين: حلف الفساد وداعميه. والعناصر التقليدية ورجال الدولة. صحيح أن البعض يسعي إلي بناء تكتلات بعينها من نواب سابقين، والهدف المعلن هو مواجهة أصحاب الأجندات الخارجية والمال السياسي الموجه لأهداف معادية لثوابت الدولة الوطنية. وفي تقديري أن أية تكتلات من الماضي لا يمكن لها أن تسعي إلي إعادة إنتاج 'نظام سابق'.. فهذا نظام سقط إلي غير رجعة، كما أن أيًا من عناصر الفساد والاستبداد لن تنجح في فرض إرادتها علي الجماهير، حتي ولو دفعت أموال الدنيا كلها. وسيكون من الظلم معاداة العناصر التقليدية، أو رجال الدولة الذين ينتمون للتنظيمات السياسية للدولة، من منطلق الحرص علي التمثيل العائلي، والقبلي، وضمان تحقيق المصالح للدوائر التي ينتمون إليها.. وطالما أن هؤلاء لم تمسهم الاتهامات، أو تصدر ضدهم الأحكام، فلا ضرر ولا ضرار، ذلك أن لهم تواجدهم في الشارع، وسيكونون هم مفاجأة الانتخابات القادمة.. وقد لجأت إليهم كافة الأحزاب بلا استثناء، حتي هؤلاء المتشددون، قالوا إنهم 'يفرقون بين من تورطوا في جرائم المال العام أو الاستبداد السياسي وبين العناصر التقليدية'. وأظن أن القراءة الموضوعية، والرؤية التاريخية، تؤكد أن هؤلاء من الداعمين للدولة وتوجهاتها في كل المراحل التاريخية، ومن ثم فإن فوزهم لا يمثل خطرًا، لا علي الدولة، ولا علي الرئيس. أن خريطة النتائج الانتخابية القادمة سوف تحدد حتمًا مستقبل هذا البلد لخمس سنوات قادمة، بل لا أغالي إذا قلت إنها ستحدد مستقبل المنطقة بأسرها لسنوات طويلة.. من هنا يراهن الجميع علي الانتخابات القادمة ونتائجها.