قبل عقد من الزمان شرعت الحكومة المكسيكية بحملة كبيرة للقضاء علي نبات زنبق الماء الذي أصبح وجوده يشكل عائقاً كبيراً للملاحة في أنهار وقنوات البحيرة، وخلال تلك الحملة اكتشف العمال الحكوميون عن طريق الصدفة جزيرة صغيرة معزولة وسط البحيرة، وقد أثارت هذه الجزيرة رعبا لا يوصف في نفوسهم بسبب المنظر الرهيب لمئات الدمي والعرائس المصلوبة علي جذوع وأغصان الأشجار التي تغطي أرض تلك الجزيرة الرهيبة. كان منظرا مروعا بحق.. منظر قد لا يتخيل المرء رؤيته إلا في الكوابيس وأفلام الرعب السينمائية وخلال أسابيع قليلة انتشرت أخبار تلك الجزيرة في عموم المكسيك فتسابق الصحفيون ومراسلو الصحافة والتلفزيون للوصول إليها، وفي خضم هذا الهوس راح الجميع يسأل بفضول عن القصة التي تقف وراء دمي الجزيرة، وبسؤال السكان والمزارعين المجاورين للجزيرة بدأت تتكشف رويدا رويدا وقائع قصة لا تصدق. قصة الساكن الوحيد في الجزيرة لعقود طويلة لم يكن في الجزيرة سوي كوخ واحد، ولم يسكن فيه سوي رجل واحد، كان يدعي جوليان سانتانا باريرا، وقد عرفه الناس في المنطقة باسم دون جوليان كان غريب الأطوار، لديه زوجة وأطفال في المدينة لكنه هجرهم منذ زمن بعيد وجاء ليعيش وحيدا في هذه الجزيرة المنعزلة، وقد قيل الكثير حول سبب بقاء دون جوليان وحيدا في الجزيرة, يقال بأن القصة كلها بدأت قبل أكثر من نصف قرن، تحديدا في عام 1950، حينها كان دون جوليان شابا أنيقا لديه عائلة ووظيفة محترمة في المدينة، وكان يزور الجزيرة من حين لآخر لصلة قرابة تجمعه بأصحابها الأصليين. وفي أحد الأيام، بينما كان واقفا لوحده علي ضفاف الجزيرة يتأمل المياه، تماما في البقعة التي غرقت فيها فتاة قبل سنين طويلة، تعلقت عيناه فجأة بطيف باهت لفتاة صغيرة يتهادي جسدها بهدوء تحت الماء، كان ثوبها الأبيض بوضوح تحت الماء، لكنها لم تكن تطفو، بدت وكأنها عالقة بشيء ما يمسك بجسدها ويبقيه تحت سطح الماء. دون جوليان ظن لوهلة بأن الفتاة ميتة، لكنه بدل رأيه حين اقترب وجه الفتاة من السطح إلي درجة كافية لرؤية ملامحها، فقد بدت كأنها حية، كانت عيناها مفتوحتين علي وسعهما، وكانت تنظر إلي دون جوليان بغرابة، فقفز الرجل إلي الماء علي الفور ظنا بأنها ما زالت علي قيد الحياة، لكن ما سحبه دون جوليان من تحت الماء، لم يكن سوي دمية أطفال, عروس جميلة ذات عيون زرقاء وشعر أشقر طويل. دون جوليان كاد أن يفقد صوابه، كان متأكدا بأنه شاهد فتاة حقيقية من لحم ودم تعوم بالقرب من سطح الماء، لكن يداه لم تقع سوي علي دمية من المطاط! وقد زادت حيرة الرجل بعدما أخبره أحد المزارعين لاحقا بقصة الفتاة التي غرقت في تلك البقعة في عشرينيات القرن المنصرم والتي لم يعثروا علي جسدها أبدا. فأيقن دون جوليان بأن ما رآه في الماء لم يكن سوي شبح تلك الفتاة الغارقة وبأن الدمية هي علامة ودليل علي صدق ما رآه ثم عاد شاهد فيها جثة الفتاة الغارقة، كان يأخذ الدمي ليعلقها علي أغصان وجذوع الأشجار.. وبلغ هوسه بالدمي حدا جعله يذهب إلي المدينة يوميا ليبحث في سلال القمامة والنفايات عن بقايا الدمي القديمة، وأحيانا كان يقايض بعض الثمار والخضروات التي يزرعها في جزيرته بالدمي القديمة، ولم يكن يهتم كثيرا لحال الدمي التي يحصل عليها، كان يأخذها حتي لو كانت مقطعة الأوصال وممزقة، حتي لو كانت عبارة عن رأس أو يد أو بطن فقط، كان يأخذها معه ليطرز بها أشجار جزيرته العجيبة. وبمرور الأيام والسنين، تحولت الجزيرة إلي معرض كبير للدمي، ففي كل ركن من أركانها، وعلي كل شجرة، كانت هناك دمي وعرائس تحدق بالغادين والرائحين من ركاب الزوارق المارة بالقنوات والأنهر المحيطة بالجزيرة، كانت تحدق كأنها تبحث وتفتش في الوجوه، علها تعثر علي أصحابها، علي أولئك الأطفال الصغار الذين كانوا يدللونها في يوم من الأيام. في عام، تم العثور علي جثة دون جوليان طافية علي سطح الماء في نفس البقعة التي شاهد فيها طيف الفتاة الغارقة قبل نصف قرن من الزمان. لا أحد يعلم علي وجه الدقة كيف ولماذا مات دون جوليان، لكنه رحل تاركا وراءه واحدة من أغرب الجزر في العالم وأكثرها كآبة. بعض المزارعين والسكان القريبين من جزيرة دون جوليان راحوا ينشرون قصصا غريبة عن دمي الجزيرة، قالوا بأنها تحدق بهم بغرابة أثناء مرورهم بالزوارق بمحاذاة الجزيرة، وأقسم بعضهم علي أن الدمي كانت تتهامس فيما بينها، وأن البعض منها كانت تومئ إليهم وتدعوهم للقدوم إلي الجزيرة.