تحت شعار 'شراكة البريكس.. عاملا قويا للتنمية العالمية' تنطلق اليوم فعاليات القمة السابعة لمجموعة 'البريكس' والتي تستضيفها هذا العام مدينة 'أوفا'، عاصمة جمهورية باشكيريا الروسية، وتستمر لمدة يومين. ويعتبر إنشاء كل من بنك التنمية للمجموعة وصندوق للاحتياطات النقدية المخصص للطوارئ هو الموضوع الرئيسي الذي ستركز عليه القمة حيث تم الاتفاق علي إنشاء المؤسستين خلال قمة البريكس السادسة العام الماضي، نظرا لاقتناع دول المجموعة أنهم غير ممثلين بالشكل الكافي في المؤسسات المالية التقليدية، بالمقارنة مع دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وهو ما استوجب –وفقا لرؤيتهم- إنشاء مؤسستين ماليتين تابعتين للمجموعة ويكون لديهما القدرة علي تقديم مساعدات وقروض لتمويل المشروعات طويلة الأمد وفق شروط تتفق عليها الدول الخمس. ومن المتوقع أن تتناول القمة أيضا وضع استراتيجية جديدة للشراكة الاقتصادية بين الدول الأعضاء، والمجالات الداعمة للمجموعة، بما في ذلك تخفيف إجراءات منح التأشيرات للدول الأعضاء، وصياغة المبادئ التوجيهية للاستثمار وإقامة سوق مشترك ومتكامل لدول البريكس، فضلا عن بحث طرق تعزيز الحوار والتعاون بين دول المجموعة والدول الأخري في المنطقة وأيضا المنظمات العالمية والإقليمية مثل منظمة شانغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي لأوراسيا. كما يتوقع أن يستعرض قادة البريكس بعض القضايا البارزة علي الصعيد الدولي مثل الأزمة اليونانية والنزاع في أوكرانيا والتهديد الإرهابي لتنظيم الدولة الإسلامية 'داعش'. وكانت روسيا قد تولت رئاسة مجموعة 'البريكس' في أوائل أبريل الماضي ولمدة عام، وأعلنت منذ بداية توليها أنها تهدف خلال فترة رئاستها إلي إطلاق عمل بنك 'بريكس' للتنمية التابع للمجموعة، وصندوق الاحتياطيات النقدية، بحيث يعمل بنك التنمية، الذي يبدأ برأسمال قدره 50 مليار دولار، علي حل مشكلة نقص رؤوس الأموال في المشروعات التنموية بالدول النامية، كما يعزز من وزن دول بريكس في المفاوضات الهادفة إلي إصلاح النظام المالي الدولي. أما صندوق الاحتياطيات النقدية، والذي يبلغ رأسماله 100 مليار دولار، فالهدف منه أن يكون بمثابة وسيلة 'تأمين وأمان' للرد المشترك علي التحديات المالية بحيث يركز علي دعم الاقتصادات الناشئة في مواجهة التقلبات وعدم استقرار الأسواق. كما هدفت روسيا خلال رئاستها إلي تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات جديدة مثل تكنولوجيا الاتصالات والتعليم، فضلا عن تنشيط وتنمية دور البريكس في حل الأزمات الدولية بالطرق السلمية وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول ذات سيادة، ودعم الأمن والسلام في العالم. والبريكس، هي الأحرف الأولي لخمسة اقتصادات ناشئة هي البرازيلوروسياوالهند والصين وجنوب أفريقيا. وقد تشكل هذا التجمع عام 2001 بمبادرة من الخبير الاقتصادي الدولي جيم اونيل بهدف بناء كيان اقتصادي ذي طابع دولي يضم بلدانًا ذات إسهام ضخم في شبكة التجارة العالمية خارج نطاق اقتصادات الدول الغربية الكبري وذلك في محاولة لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي بشكل أكثر مراعاة للأبعاد الاجتماعية مع احترام مبادئ السوق الحر وحرية التجارة. وكانت تسمي من قبل مجموعة 'بريك' قبل انضمام جنوب أفريقيا إليها عام 2010 ليصبح اسمها 'بريكس'. واستطاعت مجموعة 'بريكس' خلال السنوات القليلة الماضية أن تصنع لنفسها مكانة وثقلا شديد الأهمية داخل المجتمع الدولي. فدول البريكس هي أسرع دول العالم نموا حاليا وأقلها تأثرا بالأزمة المالية، واستطاعت اقتصادات كل من البرازيلوروسياوالهند والصين وجنوب أفريقيا أن تلعب علي مدي عقود دورا رياديا في النمو الاقتصادي العالمي، فهي تمثل أكبر اقتصادات خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتعد بمثابة نادي الأغنياء بالنسبة للاقتصادات الناشئة. وفي الوقت الذي عانت منه كبري دول العالم من تداعيات قاسية للأزمة المالية العالمية، استمرت دول البريكس في تحقيق معدلات نمو مرتفعة. ويشغل الصعود المستمر لمجموعة البريكس الكثير من المراقبين حيث تنقسم آراؤهم بين متفائل ومتشائم. فيري فريق أن دول البريكس لديها فرصة قوية للازدهار في ضوء ما تملكه من إمكانات وثروات هائلة بينما يري الفريق الآخر أن هذه المجموعة تواجهها تحديات صعبة قد تحد من إمكانية منافستها للاقتصادات الكبري. وفيما يتعلق بالفريق الأول فإنه يري أن الاتحاد لديه فرصة ليكون أقوي تكتل اقتصادي علي مستوي العالم في ضوء أن هذه الدول تمتلك الموارد الغنية اللازمة لنمو الاقتصاد العالمي، فالبرازيل غنية بالإنتاج الزراعي، وروسياوجنوب أفريقيا تمتلكان موارد طبيعية ومعدنية هائلة، والصين ذات القاعدة الإنتاجية والصناعية الكبيرة، فضلاً عن الهند صاحبة الموارد الفكرية غير المكلفة. ويري أحد الخبراء الاقتصاديين أن مجموعة البريكس أصبحت المحرِّكَ الرئيسي للانتعاش الاقتصاديّ العالميّ وأنها أصبحت أكثر تأثيرا ونفوذا من مجموعة الدول الصناعية السبع مشيرا إلي أن الأخيرة لم تعد تجمع أقوي اقتصادات العالم كما كان الوضع سابقا، ومتوقعا أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للبريكس نظيره في مجموعة الدول السبع خلال العامين القادمين. ويدعم هذا الفريق رأيه بالأرقام حيث يشير إلي أن إنتاج مجموعة البريكس معا يمثل 21, 1% من الناتج الإجمالي العالمي. كما أن الناتج الإجمالي المحلي للدول الخمس قد نما خلال السنوات العشر الماضية بأكثر من 4 أضعاف، في حين ازدادت اقتصادات الدول المتقدمة بنسبة 60% فقط. فضلا عن ذلك تضاعف حجم التجارة المتبادلة ضمن المجموعة خلال السنوات الخمس الماضية وتجاوز 300 مليار دولار في عام 2013. كما يؤكد هذا الفريق أن بعض الدول الغربية قد بدأت بالفعل بجس النبض للانضمام إلي بنك 'بريكس' للتنمية، الذي يعد أول مؤسسة دولية يتم إنشاؤها من دون مشاركة دول غربية. علاوة علي ذلك تمكنت دول بريكس بنجاح من بدء الإصلاح الذي طال انتظاره بنظام الحصص داخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث ارتفعت حصة تصويت الدول الناشئة والنامية من 39.4 في المائة إلي 44.7 في المائة ثم إلي 47.19 في المائة، علي التوالي. في مقابل ذلك يتوقع الفريق الثاني أن النمو السريع الذي حققته دول البريكس لن يستمر طويلاً، ولن تتمكن هذه الدول من مواصلة منافستها للدول المهيمنة علي الاقتصاد العالمي طالما ظلت الدول الأعضاء تعاني من اختلالات هيكلية داخلية فضلاً عن التحديات المتزايدة لتعاملاتها مع الدول الغربية. ويدعم هذا الفريق رأيه بالتأكيد علي أن الأوضاع الاقتصادية في دول البريكس مؤخرا أصبحت في تراجع ملحوظ خاصة مع انخفاض أسعار السلع وحجم التبادل والمشكلات المالية، وتقلص معدل النمو الصيني. كما أن الأساسيات الحالية للبرازيل وروسيا أصبحت أضعف مما كانت عليه وقت الانضمام للمجموعة، فقد انهار النمو الاقتصادي في كل منهما ومن المحتمل الدخول في حالة انكماش اقتصادي في كلا البلدين خلال العام الجاري. فالبرازيل رغم إمكاناتها الممتازة علي المدي الطويل لكن العجز المزدوج، في الموازنة العامة وميزان المدفوعات، وعدم الاستعداد السياسي للاندماج في العالم قد أثر سلبا علي الاقتصاد. وفي الوقت نفسه، فشلت روسيا في تلبية الكثير من المعايير التي تستند عليها فكرة تكتل البريكس، حيث تعاني من التركيبة السكانية الفقيرة، والعزلة السياسية والاعتماد الاقتصادي علي أسعار الطاقة وتفاقم المخاطر الاقتصادية، سواء علي المدي القريب والبعيد. وفي ضوء هذين الرأيين يمكن القول أن هناك فرص وتحديات جادة تنتظر مجموعة البريكس خلال المرحلة الراهنة غير أن ما لا يدع مجالا للشك هو أن تأسيس وتطوير مجموعة بريكس، في حد ذاته، يعتبر بمثابة مؤشر علي التحول التدريجي في التوازن العالمي من الدول المتقدمة إلي الدول الصاعدة، ويدعم أيضا الحاجة إلي تشكيل نظام أكثر انفتاحا أمام الدول النامية الأخري للتنمية والتحديث. ويظل السؤال المطروح هنا هل ستتمكن البريكس من مواصلة نموها في مواجهة الاقتصادات الكبري أم أنها ستشهد تراجعا في ضوء الاختلالات الداخلية التي تعاني منها الدول الأعضاء؟