تشهد بوروندي، حالة من التوتر وعدم الاستقرار، تنذر بسقوط البلاد إلي هاوية سحيقة، حيث يبدو الوضع غامضا في بوروندي بعد أسابيع علي اندلاع الاحتجاجات ضد ترشح الرئيس بيير نكورونزيزا لولاية ثالثة - وهو ما يري معارضوه أنه مخالف للدستور ، ما أسفر عن مقتل أكثر من عشرة أشخاص، فيما يقود المجتمع المدني والمعارضة والكنيسة الكاثوليكية تمردا ضد الرئيس البوروندي. وبحسب ما ذكرته صحيفة 'لوفيجارو' الفرنسية، فإن الاضطرابات الحالية تعمل علي إعادة شبح التوترات العرقية بين قبائل الهوتو والتوتسي بعد حرب أهلية بينهما استمرت من عام 1993 وحتي عام 2006، إلا أنها وضعت أوزارها بفضل اتفاقيات /أروشا/ لتقاسم السلطة في بوروندي بينهما. ويري المعارضون أن ترشح نكورونزيزا لفترة رئاسية ثالثة قد يكون مخالفا لاتفاقيات /أروشا/ الموقعة عام 2000 في تنزانيا برعاية الزعيم الجنوب إفريقي الراحل نيلسون مانديلا، والتي أمكنها إعادة السلام إلي بوروندي بعد 13 عاما من الحرب الأهلية التي شهدت قتالا بين قوات الجيش وغالبيتها من /التوتسي/ والجماعات المتمردة من الهوتو. ورغم تجاوز الرئيس المنتهية ولايته الحد المسموح به - وهما فترتان رئاسيتان فقط - وفقا لاتفاقيات /أروشا/، فإن بيير نكورونزيزا وأنصاره أعلنوا بذلك بطلان تلك الاتفاقيات وأنها لم تعد سارية، بل إنهم يعطون الفرصة لمن يؤكدون أن هدف نكورونزيزا هو مراجعة الدستور لتنقيته من جميع المواد المتعلقة باتفاقيات /أروشا/. وقال كريستيان تيبون، وهو مدرس بجامعة 'بو' الفرنسية وخبير في شئون بوروندي، إن اتفاقيات أروشا والدستور البوروندي حددا نسبا دائمة لكل اثنية في مؤسسات الدولة بهدف نزع فتيل الأزمة بين الهوتو والتوتسي، ومن ثم يرتكز هذا التوازن علي اقتسام السلطة بينهما. وبدوره، قال تييري فيركولون، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية غير الحكومية 'تكمن خطورة الأزمة الراهنة في إمكانية الإبقاء علي هذه التسوية بشأن المؤسسات في الدولة'. ويضع الجناح المتشدد في 'المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية/قوي الدفاع عن الديمقراطية' 'وهو الحزب الحاكم في بوروندي الذي خرج من رحم جماعات التمرد السابقة من الهوتو'، اتفاقيات /أروشا/ علي المحك ليجعلها عرضة للتشكيك. كما أن تلك الاضطرابات من شأنها إحياء ذكريات حرب أهلية مؤلمة اندلعت جراء انقلاب شنه الجيش الذي كانت تسيطر عليه آنذاك الأقلية التوتسية التي كانت تحكم البلاد منذ الإطاحة بالحكم الملكي وقيام الجمهورية عام 1966، بل إنها سعت للإطاحة بأول رئيس منتخب للبلاد عام 1993 وهو الرئيس ملشيور ندادايي، وكان من الهوتو. وفي إطار تلميحات وكنايات يعيها البورونديون جميعا جيدا، تعيد الدعاية التي يقوم بها معسكر الرئيس بيير نكورونزيزا منذ بضعة أشهر إلي الأذهان سيطرة التوتسي علي مقاليد الأمور في الماضي علاوة علي اتهام حزب 'قوات التحرير الوطنية' من الهوتو 'بالتواطؤ مع الأعداء' بسبب سعيه للتقارب مع حزب 'الاتحاد من أجل التقدم الوطني' الذي يهيمن عليه التوتسي. وتركز تلك الدعاية أيضا علي الحضور الطاغي للتوتسي في مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة التي تنتقد بشدة الحزب الحاكم 'المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطيةوقوي الدفاع عن الديمقراطية'. وألمحت السلطات البوروندية كذلك إلي أن الاحتجاجات الحالية تنطلق في الأساس من الأحياء التي يقطنها التوتسي في العاصمة بوجمبورا.. كما أن برنامج استعادة الأراضي من لاجيء الحرب الأهلية المثير للجدل عمل علي تفاقم التوترات العرقية بين الهوتو والتوتسي في بلد صغير وفقير يعتمد في المقام الأول علي الزراعة وهو من أكثر بلدان القارة السمراء كثافة سكانية. ولا تأخذ الاحتجاجات حتي الآن طابعا عرقيا، إذ أن المعارضين ينتمون إلي الهوتو والتوتسي علي حد سواء ويشكلون ائتلافا متباينا يضم المجتمع المدني وأعضاء من المعارضة ورجال دين. بل إن التمرد ضد الرئيس المنتهية ولايته طال أيضا فصيلا من الحزب الحاكم قبل أن يتم احتوائه. ويؤكد تييري فيركولون مع ذلك أن الأزمة الحالية والدعاية التي سبقتها أيضا، تعكسان علي نحو كبير الحقد الدفين بين الهوتو والتوتسي. وشهد بالفعل العام الماضي 2014 محاولة فاشلة لإصلاح الدستور كان من شأنها أنها أنهت الاتفاق الحكومي الذي وقعه الحزب الحاكم مع حزب 'الاتحاد من أجل التقدم الوطني' باعتباره أبرز أحزاب التوتسي. ومن بين أسوأ السيناريوهات المتوقعة للأزمة الراهنة، هو انشقاق الجيش الذي يحظي بتمثيل متساو بين الهوتو والتوتسي بموجب اتفاقيات أروشا.