وكأن المواطن يؤذن في مالطة، فلا يجد من يسمعه -كما يقول المثل الشعبي، فلا مسئول يجيب ولا أذن تسمع، وحتي إن سمعت فإنها تسارع إلي النفي قبل أن تعرف حتي الحقيقة. مكابدة ملايين البسطاء لغلاء الأسعار ولظروف حياتية باتت تثقل الكاهل وتنوء بحملها الاكتاف، ما هو إلا محصلة نهائية لغياب رؤية واضحة وسياسات فعالة، تجنب محدودي الدخل التردي المستمر في ظروفهم المعيشية، فإذا كنا نتحدث عن حلم طالما راود المصريين في العيش الكريم والعدالة الاجتماعية، فإن ماتحقق في هذا الشأن لم يزل تحت سقف توقعات الجميع. غول الأسعار الآخذ بلا هوادة في التوحش لم تنج منه حتي الأسر التي كانت ميسورة الحال قبل سنوات، فما بالك بالأسر محدودة الدخل.. ارتفاع الاسعار طال كل شيء تقريبًا ابتداء من الخضروات وانتهاء بفواتير الكهرباء والغاز والمياه والبنزين، وفي ظل هذه الزيادات المتلاحقة في كل متطلبات المعيشة، لم يجد المواطن زيادة موازية في الأجور، خاصة في القطاع الخاص، الأمر الذي أثقل كاهل قطاع عريض من أبناء الشعب. ويبدو أن كبار المسئولين لم يدركوا حجم المعاناة التي ترهق كثيرًا من فئات المجتمع في تدبير لقمة العيش، ولم يشعروا يومًا ما يكابدونه من مشكلات، وإلا لما خرجت تصريحاتهم علي هذا النحو المستفز والمثير لمشاعر الغضب، فعندما يؤكد وزير التموين أن 90% من السلع لم ترتفع أسعارها، فهذا يؤكد أنه يتحدث بناء علي معلومات مغلوطة وصلت اليه عن طريق مستشاريه، أما اذا كان يريد الحقيقة، فعليه أن يتعامل مع الامر الواقع وينزل للاسواق ويشتري مستلزمات بيته، وقتها فقط سيعرف ما إذا كانت الاسعار قد زادت أم لا.. التعاطي مع مشكلات المجتمع تتطلب حنكة وكياسة من المسئولين والوزراء بصفة خاصة، فليس من المعقول أن يتحدث وزير عن عدم أحقية ابناء العاملين في جمع القمامة في التعيين بسلك القضاء، في بلد يعاني قطاع عريض منه الفقر ويعمل الكثيرون من ابنائه في مهن بسيطة، وليس من المعقول أن تعلن وزيرة عن أن 'الصعايدة' هم السبب في العشوائيات بالقاهرة، متناسية أن هناك ما يسمي بالإدارت المحلية التي يسرح الفساد فيها ويمرح، هو ما سمح بانتشار وتغلغل العشوائيات في جسد العاصمة، فمن لم يطبق القانون هو المسئول الأول وبعدها نبحث عن الأطراف الأخري.. أحاديث وتصريحات مسئولينا تؤشر الي أنهم لا يدركون حجم مشكلات مجتمعهم، بل إنهم يتعاملون معها بالشوكة والسكين وكأنهم يمارسون سلطاتهم علي كوكب آخر، فإذا كانت تصريحات الوزراء المستفزة 'زلات لسان' كما برر البعض.. فنحن نقول: إن اللسان لا ينطق إلا ما يعتمل في العقول وما تتحدث به النفوس، وعليه فان مسئولينا يحتاجون دورات تدريبية علي التعامل مع التصريحات التي تخص قضايا المواطن، ولا يجب أن تترك الامور لكل يتحدث علي سجيته.. والا فلننتظر المزيد..