قناة السويس تشهد عبور السفينة السياحية العملاقة AROYA وعلى متنها 2300 سائح    البنك المركزي: القطاع الخاص يستحوذ على 43.3% من قروض البنوك بنهاية النصف الأول من 2025    منال عوض: خطة شاملة للمحافظات للتعامل مع مخاطر الأمطار    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    بالفيديو.. ميسرة بكور: زيارة ترامب إلى لندن محاولة بريطانية لكسب الاستثمارات وتخفيف الضغوط السياسية    رئيس جامعة بنها يشهد ختام المهرجان الرياضي الثالث لجامعات الدلتا وإقليم القاهرة الكبرى    منحة يابانية لمشروع توفير سفينة دعم الغوص بقناة السويس    معاش للمغتربين.. التأمينات تدعو المصريين فى الخارج للاشتراك    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد    تعرف على وسام إيزابيل لاكاتوليكا الممنوح من ملك إسبانيا للرئيس السيسي    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    أسطول الصمود المغاربي: 12 سفينة انطلقت من تونس إلى غزة من أصل 23    السعودية تندد بالعملية البرية الإسرائيلية في مدينة غزة    المستشار الألماني يطالب مواطنيه بالصبر على الإصلاحات وتحملها    الملك تشارلز يصطحب ترامب فى جولة فى قصر وندسور بعربة ملكية.. صور    كين ضد بالمر.. تعرف على التشكيل المتوقع لمباراة بايرن ميونخ ضد تشيلسي    وزير الرياضة يشهد احتفالية استقبال كأس الأمم الإفريقية في مصر    أسباب استبعاد أورس فيشر من قائمة المرشحين لتدريب الأهلي    بسبب الحرب على غزة.. إسبانيا تلمح لمقاطعة كأس العالم 2026    الداخلية تضبط شخصين سرقا أكسسوار سيارة وهربا بدراجة نارية بالإسكندرية    دفاع المجني عليه في قضية طفل المرور في محاكمته يطالب بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    تأجيل محاكمة 7 متهمين قتلوا شخصا وشرعوا فى قتل 4 آخرين بالخانكة لديسمبر المقبل    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته بالبحيرة لجلسة 15 أكتوبر    126 متقدما لورشة إدارة المسرح والإنتاج بمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    صفحة وزارة الأوقاف تحيى ذكرى ميلاد رائد التلاوة الشيخ محمود خليل الحصرى    فيلم فيها إيه يعنى بطولة ماجد الكدوانى يشهد الظهور الأخير للفنان سليمان عيد    اليوم الذكرى السنوية الثانية للفنان أشرف مصيلحى.. وزوجته تطلب الدعاء له    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    «سكك حديد مصر» تتعاقد مع «APD» الكندية لإعادة تأهيل 180 جرارًا    محافظ أسوان يحيل شكاوى المواطنين من تدنى الخدمات بمركز طب الأسرة للتحقيق    الكشف على 1604 مواطنين فى القافلة الطبية المجانية بمركز بلقاس    وزير الري: الاعتماد على نهر النيل لتوفير الاحتياجات المائية بنسبة 98%    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات المهرجان الرياضي الثالث    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    فيديو - أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي ولو بالمزاح حرام شرعًا    خلال تصوير برنامجها.. ندى بسيوني توثق لحظة رفع علم فلسطين في هولندا    «عودة دي يونج».. قائمة برشلونة لمباراة نيوكاسل في دوري أبطال أوروبا    أيمن الشريعي: علاقة عبد الناصر محمد مع إنبي لم تنقطع منذ توليه مدير الكرة بالزمالك    وزارة العمل: 3701 فُرصة عمل جديدة في 44 شركة خاصة ب11 محافظة    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    بإطلالة جريئة.. هيفاء وهبي تخطف الأنظار في أحدث ظهور.. شاهد    «عبداللطيف» يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك في مجالي التعليم العام والفني    "جمعية الخبراء" تقدم 6 مقترحات للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية    محافظ قنا يفتتح مدرسة نجع الرماش الابتدائية بعد تطويرها بقرية كرم عمران    قبل بدء الدراسة.. تعليمات هامة من التعليم لاستقبال تلاميذ رياض الأطفال بالمدارس 2025 /2026    24 سبتمبر.. محاكمة متهم في التشاجر مع جاره وإحداث عاهة مستديمة بالأميرية    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    «ليه لازم يبقى جزء من اللانش بوكس؟».. تعرفي على فوائد البروكلي للأطفال    صحة المرأة والطفل: الفحص قبل الزواج خطوة لبناء أسرة صحية وسليمة (فيديو)    حركة القطارات | 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 17 سبتمبر    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    بتر يد شاب صدمه قطار في أسوان    مسلسل سلمى الحلقة 25 .. خيانة تكشف الأسرار وعودة جلال تقلب الموازين    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية.. في الفكر الديني..
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 24 - 02 - 2015

في غمرة الأتجاهات الجديدة للثورة علي الموروث الديني والدنيوي بما تطالعنا يوميًا وعلي مدارالساعة.. ميديا الإعلام.. بالسادة المتشابكين، من أساتذة، دكاترة، مشايخ، ساسة، دعاة.. ومن كل الطوائف والمذاهب، والأحزاب.. علينا طالعين.. ومن كل الفئات ' عدا العمال والفلاحين' علينا بالمحاضرات نازلين، ودون حلول يتركوننا في الطريق تائهين، واللي يفرس الحليم، أنهم بكافة الأسلحة عن وجهة نظرهم مدافعين.. ونسوا أن هناك أصولًا اسمها الحوار مع الآخرين.. وفيه إعتراف واعتذار في قاموس البني آدمين.. ! لكن للأسف تسمع ردهم: احنا بس ومفيش آخرين.. وبالصوت العالي زاعمين.. أن الحقيقة.. ملك اليمين.. !!
يا سبحان الله.. الكل ملك الحقيقة، فكيف نتلاقي..؟!
قضايا كثيرة.. وآراء وفتاوي عشوائية عديدة متلاحقة وسريعة، صح خطأ.. لا وقت حتي للتفكير.. ونحن مطالبون بتقديم رؤي الإصلاح السياسي والديني والاقتصادي والاجتماعي.. والنتيجة.. الاجتراء علي كل ماهو معلوم وثابت.. واختلط الحابل بالنابل.. وأصابتنا الفوضي، وكثرت الفتن.. حتي طالت أعمدة الأمان في المجتمع.. المؤسسة العسكرية، القضاء الداخلية والمؤسسة الدينية والتعليمية.. إلخ
وتتسع المتاهة مع تتابع الكوارث والأزمات وهجوم المختلين.. من خلال عمليات عنف وغدر.. وأصبحت المحروسة ساحة للقتل والحرق والتدمير.. !! إرهاب أسود.. لا يصدر إلا عن شيطان مارد.. اجتاح العالم كله.. !!
وانطلق جنود الشيطان يعيثون في الأرض فسادا.. بمسميات عديدة تنظيم إخوان.. داعش وأخواتها.. قاعدة.. نصرة.. حماس، حزب الله، التكفيريين، المجاهدين.. كل هذا تحت رايات سوداء وشعارات تسيء للإسلام.. و كل الأديان منها براء.. ولكنها لعبة الشيطان.. !! إنه صراع الخير والشر منذ نشأة الخليقة حتي قيام الساعة..
وفي وسط هذا الخضم.. والتفكير في البحث عن حل.. حضرني الإمام.. الإمام الذي اعتلي المنبر، ونادي بكلمة الإصلاح والتجديد المستنير في عصرنا الحديث.. لتمتد يدي إلي المكتبة وأفتح كنوز صاحب 'رسالة التوحيد'، 'والإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية' إنه الشيخ محمد عبده - رائد الإصلاح والدعوة إلي التجديد..
وأبدأ بنص هذه الوثيقة بالسجل رقم 2 من سجلات دار الإفتاء المصرية.. المرسوم الصادر من الخديوي عباس حلمي بتاريخ 24 من المحرم سنة 1317ه - يونية 1899 م ونصه: 'فضيلة حضرة الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية' بناء علي ماهو معهود من حضرتكم من العالمية، وكمال الدراية، فقد وجهنا لعهدتكم وظيفة إفتاء الديار المصرية، فأصدرنا أمرنا هذا لفضيلتكم للمعلومية والقيام بمهام هذه الوظيفة'
ثم تتابع بعد ذلك، تعيين المفتين باسم: مفتي الديار المصرية، بقرار من رئيس الدولة إلي أن قامت ثورة 23 يوليو سنة 1952، فصار المفتي الرسمي للدولة، يعين بقرار من رئيس الجمهورية، وتحت اسم 'مفتي جمهورية مصر العربية' ويكون بدرجة وزير.
وقد ظلت دار الإفتاء المصرية منذ إنشائها، تنتقل من مكان إلي آخر حتي استقر
بها المقام في المبني الحالي الخاص بها بحديقة الخالدين – بالدراسة بالقاهرة.
وقد ترك لنا الشيخ 944 فتوي خلال 6 سنوات في موضوعات متنوعة ومختلفة
80% منها يتعلق بمشكلات خاصة بالحياة المالية والاقتصادية وقضاياها..
لماذا الشيخ محمد عبده..؟! كان يجمع الشيخان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.. هدف مشترك هو الغيرة علي الإسلام.. لكنهما اختلفا في الوسيلة.. حيث رأي الشيخ الأفغاني أن يجمع شتات المسلمين عن طريق السياسة تحت ظل دولة إسلامية واحدة.. وقد بذل الجهد والمسعي وانقطع عن العالم من أجل هذا.. ولكنه لم يوفق لأسباب طبيعية..
أما الشيخ محمد عبده الذي كان رفيقا للأفغاني – فقد علم أن جمع كلمة المسلمين
ورفع شأنهم عن طريق السياسة صعب تحقيقه.. فسعي إلي جمع كلمة المسلمين عن طريق التعليم والتهذيب.. ولكي يستطيعوا مجاراة الأمم المتقدمة.. لابد من تنقية الدين من الشوائب التي طالته علي مر العصور بسبب اختلاف الأغراض والتمسك بالعرض وترك الجوهر.. ويعتبر الشيخ محمد عبده أول من جاهر بأن الإسلام بحاجة إلي الإصلاح.
وقد انقسم المسلمون إلي فئتين :
فئة تري بقاء القديم علي قدمه حيث إن الاختلاط ومجاراة أهل التمدن الحديث يضعف عصبية الإسلام ويبعث علي تشتيت عناصره فيستحيل جمعها في ظل دولة واحدة.. وهم حزب المحافظين.. وأري أن الشيخ حسن البنا أخذ نهج الأفغاني.. وأن الإخوان المسلمين اتبعوه عن طريق إقحام السياسة في الدين.. وخلط الدين بالسياسة.. وإصرارهم علي ذلك- برغم أن تجربة الأفغاني لم يكتب
لها النجاح.. وفئة تري حل القيود القديمة وإطلاق حرية الفكر والرجوع إلي الصحيح من قواعد الدين ونبذ ما خالطه من الاعتقادات الدخيلة وتحكيم العقل والاجتهاد في كافة القضايا بالمشاهدة والاختبار ومواءمة ومطابقة التطور والعمران مع أحكام العقل وأصول الدين.. وهذه المدرسة لها مريدوها.. أذكر منهم : عبد الرحمن الكواكبي والعقاد ود.محمد حسين هيكل - مؤلف 'حياة محمد' والشيخ مصطفي عبد الرازق، والشيخ الغزالي.. ومن المصادفات الغريبة أن يكون الأستاذ جمال البنا - من مريدي هذه المدرسة التنورية علي عكس أخيه الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الأخوان..
ومن أقوال الأستاذ جمال البنا في حل أزمة الاحتقانات الطائفية: 'ضرورة تعميق
الإيمان بحرية العقيدة'.. ويري كاتب المقال: أن نهضة الأمم تعتمد علي ضرورة
فك الاشتباك العنصري والطائفي والتمسك بالحوار العقلاني.. وأن مفتاح إسعاد البشرية هو احترام كل إنسان للآخر أيا كان انتماؤه..
وقد سعي الشيخ محمد عبده إلي نشر فتاواه المتعلقة بالربا ولبس القبعة ونحو ذلك مما يقرب المسلمين من الأمم الأخري ويسهل أسباب التجارة.. وقد أطلق لفكرة الحرية في تفسير القرآن علي مايوافق روح العصر فيجعل أقواله وآراءه فيها موافقة لقواعد العلم الصحيح المبني علي منهج تأويل النص الديني، وكانت له اهتماماته في الإصلاح المؤسسي وجهوده في إصلاح القضاء، والمحاكم الشرعية، ورؤيته في إصلاح الأزهر والتعليم، وإسهاماته في مجال العمل الأهلي بإنشاء مدارس أهلية وتأسيس بعض جمعيات العمل الأهلي مثل جمعية التقريب بين الأديان، وجمعية إحياء الكتب العربية.. إن من حق الناس أن يجتهدوا بل من واجبهم أن يجتهدوا.. فالاجتهاد بمعناه الحرفي بذل الجهد العقلي في إطار المصادر الشرعية لاستخلاص أحكام يلتزم بها الناس في عباداتهم ومعاملاتهم.. وهذا المعني يحتاج إنسانًا له جودة استنباط وله بصيرة بواقع الناس بحيث يستطيع أن يوائم بين هذا الواقع وحكم التشريع.. وأن هناك أصولًا ثابتة لا جدال فيها في الدين أي قضايا ملزمة.. لكنا نحن المسلمين نجتهد في فروع الأحكام القديمة بعيدا عن الأصول الثابتة.. لكن مع الدافع المعاصر هناك قضايا يجب الاجتهاد فيها اجتهادا عميقا كالعلم التجريبي والاقتصاد الإسلامي وعلاقة الإسلام بالسياسة.. فباب الاجتهاد مفتوح.. فتحه الله ورسوله ولا يملك أحد إغلاق باب فتحه الله ورسوله.. للاجتهاد ضوابط وشروط..
ضوابط الاجتهاد حتي يسمي المجتهد مجتهدا ويسمي الطبيب معالجا.. لابد أن تكون له غاية يصل إليها.. فأنا لا أستطيع أن أقول: هذا الطبيب إلا إذا كان يستهدف شفاء المريض.. فلا يمكن أن يكون فلان من الناس مجتهدا إلا أن يستهدف تحقيق الغاية.. فما غاية الدين الذي يستهدف الاجتهاد؟ لابد أن ينتهي إلي غاية توحيد الله بمعني التقرب إلي الله بكيفية معينة.. إن الحكم علي الشيء فرع عن تصوره.. مالم أتصور المسألة المعروضة عليَّ ولم أفهم وقائعها المادية التي يحياها الناس.. فلن أستطيع أن أصل فيها إلي حكم شرعي صحيح.. أما قضايا السياسة فقد أصبحت متشعبة وتحتاج إلي فقه إسلامي سياسي يتلاءم مع مقتضيات العصر مع الاحتفاظ بالجوهر الأساسي وهو أن الإسلام حريص علي العدل والشوري وهذا لايتحقق إلا بالاجتهاد واجتهاد كبير.. انطلاقا مما طرأ علي الواقع الإسلامي المعاصر من تغير وتطور علي سائر مناحي الحياة - وجب علينا أن نجتهد وأن يواكب اجتهادنا كل نواحي ومجالات الحياة المختلفة..
وأن التشديد في الفتوي غير مطلوب.. فيجب الأخذ بالأيسر، وليس بالأحوط والاجتهاد في الدين أصعب بعض الشيء من الاجتهاد في الأمور الدينيوية.. فمطلوب من المجتهد معرفة وبصفة خاصة بعلوم القرآن وعلوم السنة وقواعد الاستنباط التي هي أصول الفقه.. من لايعرف هذا معرفة كافية لا يصلح أن يكون مجتهدا.. لأن المجتهد يعطي الناس رأيًّا ويطابق أحكام الشرع علي أوضاع الناس.. فهي مهمة كبيرة.. ولزم التركيز لأننا سنجد عندنا علماء شرعيين ولكن 'مش نصيين'.. لازم يعرف علل الأحكام ومقاصد الشريعة الكبري والقواعد الفقهية التي قررها العلماء علي امتداد الزمان.. الناس في عناء وعنت ياسادة.. نحن في حاجة إلي فقه التيسير، وليس الأحوط، ومعرفة الواقع شرط لا يستغني عنه في أي مسألة.. ومدرسة النقل تطبق النص علي واقع متغير..
وتعود أسباب الحالة التي وصلنا إليها اليوم إلي أصحاب فكر الإسلام السياسي الذين يبحثون عن السلطة حتي لو أصبحوا جنودا للشيطان الأكبر.. !!
بارك الله في مفكرينا المستنيرين.. ورحم الله الشيخ محمد عبده.. فبرغم مرور
مائة وسنة واحدة علي وفاته.. فمنهجه في الإصلاح وعديد من فتاواه تتلاءم مع
واقع الحال اليوم..
ومن هنا كان نداء الرئيس السيسي إن بلد الأزهر في حاجة ملحة إلي ثورة دينية.. لتعظيم الخطاب الإلهي.. وإحياء مكارم الأخلاق.. لقد جاء الحكم علي الإسلام بالتخلف الديني المناهض لحركة الارتقاء العلمي، فإذا كانت المسيحية أعاقت حركة العلم في أوروبا فإن الإسلام أعاق حركة العلم في الشرق بقدر وجود فجوة بين فهم الغرب والإسلام الأصلي.. توجد فجوة من نوع آخر بين فهم المسلمين والإسلام الخالص.. والحل ليس تجديد الإسلام، بل هو تجديد المسلمين. وفي ظني أن هذا سوف يقضي علي الفجوتين في وقت واحد.. كيف؟
إن تجديد الخطاب الديني يجرنا إلي مجموعة من الإشكاليات الحقيقية التي تتعلق بواقع المسلمين اليوم وعلاقتهم بالإسلام الحقيقي، وهي علاقة تقوم علي فهم هش ومزيف، ولذلك ازدادت الفجوة بين المسلمين والإسلام. وهذه الفجوة، لا يسأل عنها فقط الظروف التاريخية والاجتماعية، إنما يُسأل عنها أيضاً 'الخلل في طرق التفكير' وهو خلل جاء نتيجة التعليم القائم علي الحفظ والتلقين لا الفهم والتدبر، والمصيبة أن من يحاول الفهم لا يُعمل عقله، وإنما يستعير فهم الأقدمين أو يستورد فهم الغرب!
وتتمثل إشكاليات الفجوة في:
لماذا يحصر المسلمون أنفسهم في جانب ضيق: نصف الجسد الأسفل، الجنس، الزوجات، الطقوس.. بينما رؤية الإسلام أوسع من ذلك بكثير: الكون، الإنسانية، الحضارة، التاريخ، العدالة الاجتماعية، الإنصاف!!
لماذا يفهم البعض تعاليم الله علي أنها تعاليم شكلية حرفية تتعلق بالظواهر أكثر مما تتعلق بالبواطن، ومن ثم حوّلوها من تعاليم للروح والجسد معاً إلي تعاليم للجسد فقط، وحولوها من تعاليم للسلوك إلي تعاليم للمظهر والشكليات بوجه عام؟!
والمفارقة المتجددة: لماذا يفشل المسلمون؟! بينما هم يؤمنون بدين عظيم عالمي يحمل بداخله كل عناصر التطور.
لماذا انهزم المسلمون في الماضي أمام التتار بينما انتصر عليهم الإسلام؟! ولماذا ينهزم المسلمون منذ قرون أمام الغرب، ولا يزال الإسلام صاعداً؟!
ثم لماذا فشل المسلمون في استعادة ماضيهم المجيد الذي تميز بالقوة والإنجازات الحضارية، والذي أعقبته فترة غلب عليها التدهور الخطير والسقوط في بئر التخلف بل التهميش؟
ما الأخطاء التي أدت بهم إلي هذا المصير؟ ولماذا؟ وما الذي يقتضيه ذلك من تحركات في المستقبل؟
وما أسباب الفشل في المصالحة بين الإخوة الأعداء: الإسلام الأصولي في مقابل الإسلام الليبرالي؟
ولماذا فشلت التيارات الأصولية في اتخاذ موقف عقلاني واقعي في مواجهة تيار العولمة المتسارع الذي يحمل اللهجة الأمريكية؟
ولماذا فشلت في تحقيق حالة جديدة من الانسجام بين 'الإسلام' و'المعاصرة' بشكل يمكّن المجتمع الإسلامي من اللحاق بالركب ودخول الألفية الجديدة بخطي واثقة تعتمد علي الثقافة والتمدن؟
هذه إشكاليات تحتاج إلي إجابة، وهي أيضاً شجون تثيرها حالة 'التناقضات' التي يعيشها العالم الإسلامي والتي عجز التيار السياسي الإسلامي عن حلها، ومن ثم عجز عن تقديم نموذج عصري حداثي يقرب الإسلام من العالم، ويقرب العالم من الإسلام.
لكن إلي متي سوف تستمر هذه الإشكاليات؟!
إنها فعلاً إشكاليات حقيقية، وتحتاج إلي حل لا في الكتب والمقالات، بل في الواقع المرير الذي ينظر فيه العالم إلي الإسلام كأيديولوجية للإرهاب! والمسئول عن ذلك ليس قصور النظرة الغربية فقط التي تخلط بين جماعات الإرهاب والإسلام، بل المسئول عن ذلك أيضاً المسلمون بقصورهم وضعفهم وعصبيتهم وتخلفهم عن تقديم مشروع علمي وحضاري متمدن يواكب العصر.
إن آلاف الخطب العنترية وآلاف العمليات الإرهابية لن تحل أي إشكالية من الإشكاليات السابقة، بل سوف تزيدها تعقيداً، وهذا ما برهنت عليه المائتا عام الأخيرة. ومع ذلك لا تزال الخطب الجوفاء مستمرة، ولا تزال العمليات الإرهابية جارية!
إن المشروع العلمي الحداثي هو الإجابة الوحيدة التي يمكن تقديمها لتجاوز العيوب التقليدية التي يقع فيها الخطاب الغربي، ومن تلك العيوب ذلك الطابع الذي يسيطر علي الخطاب الغربي في اتهام الإسلام جزافياً دون برهان حاسم: إما بضعف البعد الروحي، وإما بالتخلف الديني المناهض لحركة العلم، أو بالإرهاب!
وقد جاء الحكم الأول نتيجة 'المقارنة المعكوسة' بالمسيحية، حيث لا ينظر للإسلام وفق جدليته الخاصة، بل كانعكاس مقلوب لتاريخ المسيحية. فإذا كانت المسيحية رهبانية روحية، فإن الإسلام حسي مادي. وهكذا جاء الحكم علي الإسلام بنقص الروحانية نتيجة عملية قلب عكسية.
في حين جاء الحكم علي الإسلام بالتخلف الديني المناهض لحركة الارتقاء العلمي نتيجة 'قياس المثل'، فإذا كانت المسيحية قد أعاقت حركة العلم في أوروبا، فإن الإسلام كذلك قد أعاق حركة العلم في الشرق!
وهذا بالطبع موقف الاستشراق العلماني المناهض للكهنوت، لكن يوجد موقف آخر اتخذه الاستشراق التبشيري الذي قرن بين تقدم أوروبا والدين المسيحي من ناحية، وبين تأخر الشرق والدين الإسلامي من ناحية أخري!
بينما جاء الحكم علي الإسلام بالإرهاب، نتيجة 'الخلط' بين الإسلام كدين خالص وعقول قطاع من المسلمين! وتستمر المغالطة وتتسع لتزعم أنه إذا كانت المسيحية مسالمة فالإسلام محارب!
ولا يريد أحد منهم أن يفهم أن الحرب في الإسلام إنما هي حرب دفاعية عادلة، دفاعاً عن العرض والدم والأرض والحرية، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية والقانونية. بينما المسلمون يظهر في طوائف منهم - منذ أمد بعيد - مفاهيم مغلوطة عن الجهاد بوصفه إكراهاً علي الإيمان، وبوصفه فرضاً للرأي الواحد.وتمتد المفاهيم المغلوطة لتواجه الرأي المخالف بالحديد والنار! ولا يزال تسيطر علي قطاعات كبيرة منهم الرؤية الأحادية للعالم، بينما الإسلام نفسه يعترف بالتنوع البشري، ويدعو للتعايش الإنساني. وهذا هو 'قلب الحداثة' التي لم يدخلها المسلمون المعاصرون حتي الآن!
أعانكم الله ووفقنا جميعا إلي صالح الأعمال.
الشريف السيد مشالي – أمين شجرة عائلات وأنساب مشالي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.