في ندوة 'زمن الأصولية' المخصصة لتجديد الخطاب الديني بالمحور الرئيسي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، استعرض المشاركون الثلاثة د.مراد وهبة ود.أنور مغيث و الكاتب حلمي النمنم رئيس دار الوثائق القومية، الأصولية من كافة جوانبها محذرين من خطرها علي الدولة، وتفاعل معهم الحضور فشاركوا بآرائهم في نهاية الجلسة. أكد د.مراد وهبة علي أن الاصولية لا تعمل العقل، فلا يمكن إقرار أي نظرية علمية تناقض النص الديني، وقال: بدأت الاحظ ان في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين أن الأصوليات بدأت تزحف علي جميع الأديان الموجودة علي كوكب الارض. وأضاف: أصبحت الأصولية تيار عالمي في جميع الاديان، ثم تبلورت اكثر بإعلان كل دين من الاديان انه يمتلك الحقيقة المطلقة، وهذا ما احدث الصراع بين مختلف الأديان، بعد أن اعتقد كل منهم أنه يمتلك المطلق.. وأي مطلق اخر لابد ان يقضي عليه وبالتالي يمكن القول أن الإرهاب اعلي مراحل الأصوليات الدينية، فاذا كنا نريد ان نقاوم الارهاب لابد أن نحلل الاصولية الدينية، ونفهم لماذا يخشي العالم علي نفسه إذا ناقشته في المعتقد الديني. وتابع: إن الأزمة تصنعها الاصولية في تطوير العلم والمجتمع، وتعيق من خلال اعتناقها العقل وتقف ضد الاجتهادات البشرية في ميادين الحياة، ولابد من مواجهة هذه الأصولية الدينية بالعلمانية التي يكون بها كل شيء نسبي. وأوضح د.وهبة أن ما يقال عن فصل الدين عن الدولة كتعريف للعلمانية ليس صحيحا، لانه لا يمكن ان تفصل السياسة عن اي مجال في الحياة بما في ذلك المعتقد ديني. والدين له ثلاث معاني الاول الدين بمعني الإيمان، وتحويل الايمان لمعتقد ديني، والتي ياتي منها التكفير لمن يخالف معتقدك، الخطوة الثالثة فرض معتقد معين علي كل البشر. وعند عمل تجديد الخطاب الديني لا يمكن ان نقوم به في المرحلة الاولي وهي الايمان لانه مرحلة شخصية، لكن في المرحلة الثاني التي يتحول فيها الايمان لمعتقد ديني مطلق يمنع اي اجتهاد ويتهم المجتهد بأنه ملحد أو بالكفر وفي هذه الحالة لابد أن نسارع بعملية تجديد الخطاب الديني، لنحتكم إلي مشروعية إعمال العقل، وعند اعمال العقل يكون هناك تعدد في التأويلات وهنا تتأتي عظمة ابن رشد الذي قال ' لا تكفير مع التأويل، ولا اجماع مع التأويل' واستطرد: لكن ابن رشد تم تكفيره وتم نفيه، ووجدت اوروبا في افكار ابن رشد ما يخرجها من افكار العصور الوسطي لعصر التنوير، بينما ما يسيطر علي البلاد العربية ابن تيمية الذي اراه اساس الوهابية في القرن الثالث عشر وفي القرن العشرين هم الاخوان المسلمين. وهاجم الدكتور أنور مغيث الاصولية وأتهمها بأنها موقف فكري وعلينا ان نحدد موقفنا من الافكار فقديما قال فيلسوف ألماني: إن الانسان كائن حي تواجهه تحديات لابد ان يستجيب لها، وفي الوقت الذي يدفع فيه الحيوانات عملية التحول من أجسادها فإن الإنسان يحافظ علي جسمه بواسطة أفكاره، ذلك لأن الأشياء القديمة لا تستطيع الصمود أمام مستحدثات العصر ولا يمكنها أن تقاوم الأزمنة المختلفة، بما في ذلك اللغة والملابس وطريقة المعيشة وغير ذلك من الأمور الحياتية فضلا عن الأفكار التي يجب أن يتم تطويرها يوما بعد آخر وكذلك القوانين التي تحكم الناس وتتحكم في سلوكهم. وأضاف: اللغات القديمة انتهت وفي كل أمة يقام في بلادها متحفا من خلاله بأدوات وملابس قديمة وغير ذلك من الأشياء، والثابت ان اللغات القديمة التي كان يستخدمها الإنسان لم تعد لها وجود الآن بما تحمله من ألفاظ وحروف لم تع تستخدم. وما كان يحدث من معاملا في العصور الماضية لا يصلح الآن ففي العصر اليوناني والروماني والاسلامي كانوا يعاملون الاسري بطريقة لا تناسب هذا ما نحن عليه الآن ولا يمكن أن نسير علي خطاها. من المفترض ان يتحكم الافراد في الافكار وليس العكس الاصولية لها تأثير كارثي علي الناس لانها قرينة الاستبداد وهي تقف عائقا ضد النظام السياسي والقوانين التي تحكمهم. المشكلة ان كثير من المسلمين يقعون تحت خطأ أسطورة أن الاسلام زودنا بنظام سياسي صالح لكل زمان ومكان وهذا كلام مغلوط ويذهب بنا إلي نهاية التاريخ.. إنها الفكرة لا يمكن تطبيقها.. فما كان يحدث في الماضي له قوانينه التي لا تصلح الآن ونفس الشئ ينطبق علي ما نمارسه الآن من يدري ربما بعد 200 عام لا يؤمنون بالديمقراطية ويجدون طريقة أفضل للحكم نحن لا ندري ماهي، وإذا نظرنا إلي القوانين التي كانت تحكم الناس من 2000 سنة سنري أنها تغيرت ومن هنا جاءت اهمية القانون الوضعي الذي يجب احترامه. وبالتالي لابد من التجديد حتي تستمر الحياة، فالبشر سواء بالنضال او الرضا يجددون في نظامهم السياسي.. ذلك لأن النظام السياسي يمكن تطويعه لمصلحة البشر.. بينما المستفيدين هم المستبدين ويهمهم بقاء الأصولية.. والقانون الوضعي يمكن الغاءه وتعطيله ولكن حين يكون سماويا لا أو مقدسا فلا نستطيع الاقتراب منه.. لابد أن نتخلص من هذه الاسطورة حتي يسيطر الناس علي قوانينهم التي تنظم حياتهم وتحافظ علي ممتلكاتهم وتحمي جهدهم وعملهم وتضمن لهم حياة كريمة آمنة وإلا لماذا ننتخب افراد في البرلمان اذا لم نكن نريد تغيير القوانين. أما مسألة تجديد الخطاب الديني فهي مهمة ولكن ما هي الطريق المناسبة التي يمكنها أن تنجح في ذلك.. ويضيف: نحن نتوجه لرجال الدين لتجديد الخطاب الديني بينما ما نفعله لا يؤدي إلي شئ ولن يفض إلي التجديد الذي ننشده ونسعي إليه. الخطاب الديني تجدد في الغرب، ففي العصور الوسطي كنا نسمع عن قتل الساحرات وحرقهم لأن رجال الدين يحرضون علي ذلك وفق تفسيراتهم للنصوص المقدسة. ويتساءل: هل سمع أحد حكم الأن عن ساحرة يتم حرقها أو إعدامها.. لقد غيروا خطابهم وأصبح هذا الفعل لا وجود له في عصرنا الحالي.. أما كيف جدد الغرب ها الخطاب، فالإجابة ليس لها علاقة برجال الدين، لقد دفع الخطاب الديني للتغير من لا علاقة لهم بالدين وهم المفكرين والفلاسفة والعلماء الذين تحدثوا في نظرياتهم عن اشياء مختلفة لم تكن موجودة في المراحل الزمنية الماضية، وهو ما جعل رجال الدين يدخلون في معارك ضد النظريات العلمية الحديثة وخسروها.. أما الفاعل الثالث فكانت الدولة التي تسير مصالح العباد وتختار من القوانين ما هو نافع وتقيم المدارس العلمانية بعيدا عن سلطة الكنائس. قامت فكرة التجديد علي أن التعليم للجميع والمطلوب الانتماء للأمة فكان التعليم هدفه نقل المعرفة وليس الايمان بالله فاضطر رجال الدين لتعديل مواقفهم استجابة اللواقع الجديد ولذلك فإن حرية حرية التعبير هي اساس الخطاب الديني. وأكد حلمي النمنم أننا نعيش زمن الاصولية سواء الدينية او السياسية او تيارات المحافظين الجدد في امريكا وغيرها، أو الأصولية الراديكالية في المنطقة العربية. ويشرح أن التشدد والأصولية لا يمثلان المجتمع المصري وظاهرتين غريبتين ودخيلتين عليه لان الثقافة المصرية قائمة علي التعددية واحترام الآخر وهو ما ظهر في الأزمان المختلفة للمصريين والتاريخ يشهد بذلك، وقد احترم الفراعنة الآخر المختلف، وظهر ذلك من خلال معابدهم التي أرست لهذه المبادئ ففي المعابد القديمة كانت هناك غرفه اسمها غرفة الالهة الضيوف، ووظيفة هذه الغرفة تأتي عندما يصادف وجود شخص لا يعبد إله مصر ويمكنه داخل هذه الغرفة أن يعبد إلهه دون أن يعيب عليه أحد في هذا الأمر أو يمسه بسوء. أما في العصر الحديث حمل محمد عبد الوهاب أفكار ابن تيمية، وهذه الافكار نشأت في بلاد عربية كان لها ظرف خاص وقبل ان يكون بها حكومات. ثم جاء رشيد رضا، وحسن البنا لإحياء تلك الافكار في مصر وهو الذي تلقته المخابرات البريطانيه ليظهر هذا التنظيم الذي عرف بالإخوان المسلمين، ثم انتقل من أيدي المخابرات البريطانية الي المخابرات الامريكية فالاصولية سواء باسم الدين او السياسة تظل هي الاصولية وتعني الفكرة التي تعتقدها بأنها تملك الحقيقة المطلقة وما غيرها يجب ان يباد ويدمر وهذا ما حدث في افغانستان من جماعات متشددة لا تؤمن إلا بأفكارها القديمة وتسحق من يخالفها بقسوة، ويريدون ان يحدث هذا أيضا في ليبيا ومصر وغيرها من الدول العربية. والأصولية ضد الثقافة والحضارة والانسانية فهي نزعة تحجر الانسانية والحضارة، ومهما حققت الأصولية من نجاح علي المستوي القريب فليس لها مستقبل خاصة في مصر. إن الاصولية تعتمد فكرة الحقيقة المطلقة ومعتنق الباطل لابد ان يدمر وهو ما كان يفعله المحافظون الجدد في امريكا وراجعوا العدوان علي العراق الذي وجد تحت ذريعة الحرية لنتحدث بعد ذلك في سفك دماء لمليون عراقي فترحم الكثير من شعب العراق علي صدام حسين.