يعلم أعضاء البرلمان الأوربي علي اختلاف انتماءاتهم السياسية حقيقة الأوضاع في مصر بعد الإطاحة بحكم 'الإخوان' في الثالث من يوليو 2013، وقد اعترف البرلمان بخارطة الطريق وشارك نواب البرلمان بوفد برئاسة روبرت جوبلز في مراقبة الانتخابات الرئاسية ضمن بعثة الاتحاد الأوربي التي كان يرأسها أيضاً عضو البرلمان ماريو ديفيد، وضمت 150 مراقبًا يمثلون 28 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، وأكدت البعثة في تقريرها أن الانتخابات أجريت وفق القانون والدستور، وأقرت بأنها شاركت في مراقبة الانتخابات مع 81 منظمة من منظمات المجتمع مدني والمنظمات المحلية و6 منظمات دولية، منها الاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، والسوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا 'الكومسا'، ومنظمة الدول الفرانكفونية، وأشار تقرير الاتحاد الأوربي إلي بعض ما قالوا إنها: 'مخالفات شابت العملية الانتخابية'، وجاء قولهم هذا مراعاةً لأصحاب المصالح مع قطروتركيا.. لكن في النهاية استقر الرأي علي الاعتراف بصحة النتيجة التي أسفرت عن فوز المشير عبد الفتاح السيسي بمنصب الرئيس، ولم يتضمن تقرير البعثة أي تشكيك في نزاهة هذه الانتخابات!! وتمت ترجمة الاعتراف الأوربي بنتائج الانتخابات بزيارات من نواب البرلمان إلي مصر، حيث بدأت في الأول من نوفمبر 2014 بزيارة قام بها وفد من التحالف الاشتراكي بالبرلمان الأوربي برئاسة جياني بيتالا، التقي خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتقي الوفد – أيضاً - ممثلين للمكتب السياسي لشباب 6 إبريل، وفي سبتمبر 2014 تلقي مفتي مصر الدكتور شوقي علام، دعوة لزيارة البرلمان الأوربي في بروكسل وألقي المفتي خطاباً في الجلسة الخاصة التي عقدت لأول مرة في تاريخ البرلمان لأحد علماء الدين، وبث البرلمان اللقاء علي الإنترنت ب 12 لغة، وشدد الدكتور شوقي علام في كلمته علي أهمية فهم الواقع المصري في سياقه الصحيح وعدم الانسياق للدعوات المغرضة التي تشوه صورة مصر وما يحدث فيها من حراك، وفي ديسمبر 2014 قام روبرت والتر رئيس مجموعة المحافظين في البرلمان الأوربي بزيارة القاهرة علي رأس وفد من أعضاء مجلس العموم البريطاني، والتقي الوفد وزير الخارجية المصري سامح شكري، وعدد من كبار المسئولين.. فماذا جري بعد ذلك؟! وما هي المتغيرات التي دفعت البرلمان الأوربي إلي إصدار بيان يدعم جماعة 'الإخوان'، ويطالب بالافراج عن قياداتها 'المعتقلين' حسب نص البيان؟! لقد صدر البيان الداعم للتنظيم الإخواني، وكان صادماً للكثيرين واستقبله البعض بالدهشة والحيرة، وعلامات الإستفهام.. لكن إذا عرفنا السبب زال العجب.. فهؤلاء هم نواب البرلمان الأوربي، وهذه مواقفهم التي نري أنها تتفق والحالة السياسية لدول الاتحاد الأوربي، وتتفق – أيضاً - مع مصالح رأس المال الذي جاء بهؤلاء السياسيين نواباً عن الشعوب الأوربية فأفسد المال بعضهم، ووضع قيوده في أعناقهم !! أما عن الأحوال السياسية التي كانت سبباً في الموقف الأوربي، فكان منها أن مصر أصبحت – عن غير قصد – طرفاً في صراع بين الاتحاد الأوربي وروسيا وخرقت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أوربا علي روسيا والتي تقضي بحظر تصدير قائمة واسعة من الأغذية لموسكو لمدة عام، بسبب الأزمة في شرق أوكرانيا، وكشفت صحيفة فايننشال تايمز في أغسطس 2014 أن الاتحاد الأوربي وجَّه بأنه لا ينبغي لتلك الدول 'ومن بينها مصر' الاستفادة من الحصار الغذائي الذي فرضته موسكو ضد المنتجين الأوربيين، وأشارت الصحيفة إلي أن تودد روسيا لمصر مؤخراً، كان لافتًا للنظر في الحرب التجارية بين موسكو والاتحاد الأوربي، واتضح ذلك في استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من خلال حفل عسكري مشرف أقيم في مدينة سوتشي. وتابعت الصحيفة: 'رغم أن مصر مستفيد كبير من مساعدات الاتحاد الأوربي، فإنها لا تراعي توجهاته، وعلي سبيل المثال في ذلك، إعلان مصر مؤخراً التعاقد لشراء أسلحة من روسيا، وترحيبها بتصدير مواد غذائية إلي موسكو، وأشارت الصحيفة لتصريحات وزير الزراعة الروسي، نيكولاي فيودوروف التي أكد فيها 'أن روسيا ستبسط إجراءات استيراد المنتجات المصرية، بشكل يزيد الواردات من مصر بنسبة 30%، مما يؤدي إلي تغطية ما بين 40 و50% من الطلب الروسي علي البرتقال والبطاطس والبصل والثوم'، وهي محاصيل كانت روسيا تستوردها من بلدان أخري دخلت ضمن قائمة الحظر الأوربي علي موسكو. ودقت صحفية 'ماسكوفسكي كامسومليتس' الروسية ناقوس الخطر علي أبواب اللوبي المالي الأوربي ونشرت مقالاً تحت عنوان: 'السيسي.. ينقذنا من الجوع'، وقالت: إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعد بتزويد روسيا باحتياجاتها لمواجهة العقوبات الاقتصادية!! وزاد الطين بلة ما تردد من أنباء عن مفاوضات بين شركة روسية ومسئولين مصريين لبحث إمكانية توفير الغاز الروسي لمصر في عام 2015، وقال مسئول مصري إن 'بلاده قد تستورد الغاز الطبيعي الروسي إذا ما قلصت أوربا من اعتمادها عليه بسبب أزمة القرم'. و عند هذا حد اقتربت مصر من الخطوط الحمراء، واقتربت من السلاح والغاز والصفقات التجارية الكبري، وهددت مصالح لوبي رجال الأعمال في أوربا الذي يمتلك مفاتيح البرلمان ويهيمن علي أصوات الناخبين والعملية الانتخابية. ومن هنا جاء البيان الداعم لجماعة 'الإخوان' كوسيلة للضغط علي مصر لكي تتراجع عن مواقفها وتخضع للتهديدات الأوربية وتتوقف عن خرق العقوبات الاقتصادية المفروضة علي روسيا ثم تعلن موقفاً واضحاً من أزمة القرم. ولكي تتضح الصورة، علينا أن نقارن بين موقف البرلمان الأوربي من الأحداث في مصر، وموقفه من اتهامات بالفساد تمت مناقشتها داخل البرلمان في نوفمبر 2014، وكانت تقتضي سحب الثقة من رئيس مفوضية الاتحاد المُعين جان كلود يونكر.. لكن الذي حدث أن التصويت تم بأغلبية داعمة لجان كلود رغم الجهود التي بذلتها مجموعة حزب اليسار في البرلمان الأوربي للتوصل إلي تصويت يقضي بحجب الثقة عن رئيس مفوضية الاتحاد بعد الكشف عن فضيحة لوكسمبورج. واستند اليسار الأوربي إلي آلاف من الوثائق التي تؤكد أن مصلحة الضرائب في لوكسمبورج، ساعدت مئات الشركات العالمية في تحسين هياكلها الضريبية، وبالتالي التهرب من دفع الضرائب في السويد، ومن بين تلك المؤسسات إيكيا وبيبسي وشركات استثمار سويدية ضخمة، وقالت السياسية في حزب اليسار السويديمالين بيورك، التي أثارت قضية حجب الثقة: نريد أن نكون واضحين في أن يونكر غير مناسب في هذا المنصب لأنه الشخص الذي ساعد علي تنظيم مثل هذه التهربات الضريبية الضخمة، خلال عمله وزيراً للمالية ورئيساً للحكومة في لوكسمبورج، ولا ينبغي أن يشغل واحداً من أقوي المناصب في المفوضية الأوربية.. لكن كان لنواب البرلمان الأوربي رأي آخر، وصوتوا دعماً ل 'يونكر' بأغلبية 461 صوتا مقابل 101 صوت.. أي كان التوصيت دعماً وحماية للشركات العالمية – المتهمة بالتهرب الضريبي - والتي تدعم بدورها نواب البرلمان الأوربي في حملاتهم الانتخابية!! ولدينا العديد من الشواهد علي أن البرلمان الأوربي يتخذ الكثير من القرارات التي تبدو في ظاهرها دفاعاً عن حقوق الإنسان والحريات ثم تكون المصالح الاقتصادية لرجال الأعمال والشركات العملاقة دافعاً لمثل هذه القرارات. في نهاية عام 2014 أصدر البرلمان الأوربي توصية تدعو موريتانيا، إلي 'إنهاء الرق الذي لا يزال موجوداً هناك رغم تجريمه' – حسب نص التوصية- كما دعا البرلمان السلطات الموريتانية إلي سرعة الإفراج، عن الناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيدي، وجاء الرد سريعاً من الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز وقال باللغة الفرنسية: 'لا عبودية عندنا، ولا استرقاق.. وبيرام أمام القضاء ليقول فيه كلمته، ولكن لا يمكننا أن نمنعكم من قول ما تريدون قوله'. أما الدافع الحقيقي لموقف البرلمان الأوربي فكان غير الرق وحقوق الإنسان، فقد استهدف نواب البرلمان تمديد الاتفاقية الموقعة بين موريتانيا والاتحاد الأوربي في مجال الصيد البحري، والتي تم توقيعها قبل سنتين وتقضي بأن يمنح الاتحاد الأوربي مبلغ 113 مليون يورو سنويا لموريتانيا نظير السماح للأسطول الأوربي البحري بالصيد في المياه الإقليمية الموريتانية وفقا لشروط وضوابط حددتها الاتفاقية الجديدة، بينما كان هذا المبلغ لا يتجاوز 94 مليون دولار في الاتفاقية السابقة، ولما طال أمد التفاوض لتجديد الاتفاقية تذكر البرلمان الأوربي حقوق الإنسان في موريتانيا !! وتكررت أزمة اتفاقية الصيد مع المغرب أيضاً، ورفع البرلمان سيف قضية الصحراء في وجه المملكة المغربية، حتي ترضخ للشروط الأوربية في اتفاقية الصيد، وقال البرلمان الأوربي: 'أحكام مخطط العمل الخماسي الموقع بين الاتحاد الأوربي والمغرب في إطار سياسة الجوار الأوربية تتضمن احترام حقوق الإنسان كشرط أساسي لعقد حوار متواصل والتقريب التدريجي للاقتصاد المغربي في إطار السوق الأوروبية الموحدة'!! ولا تتوقف مهازل نواب البرلمان الأوربي عند اتخاذ قرارات تخدم في المقام الأول مصالح لوبي رجال الأعمال والشركات العملاقة.. ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلي الفساد والرشوة التي طالت اتهاماتها عدداً من نواب الشعوب الأوربية.. ففي أبريل 2011 قدم نائبان برلمانيان من الحزب 'الشعبي' الاسباني استقالتهما من البرلمان الأوربي، وأرغم ثالث علي الاستقالة، وحظي رابع بدعم الحزب في فضيحة تلقي الأربعة لرشاوي من لوبيات اقتصادية كانت تحاول إدخال تعديلات علي قوانين بهدف خدمة مصالح سياسية، ونشرت 'ذي صنداي تايمز' علي موقعها فيديو يوثق لعملية قبول النائب الأوربي بابلو ثالبا بإدخال تعديلات علي قانون حماية صغار المستثمرين مقابل الحصول علي مبلغ شهري يبلغ 100 ألف يورو أو راتب كبير كمستشار. وفي الخامس عشر من يناير 2013 أصدرت محكمة فيينا حكما بالسجن أربع سنوات علي إرنست شتراسه وزير الداخلية السابق وعضو البرلمان الأوربي عن حزب الشعب المحافظ في النمسا، بعد مغامرة صحفية قام بها صحفيان بريطانيان هما كلير نوال وجوناتان كلفير لإثبات فساد النائب الأوربي، حيث عرضا عليه رشوة قدرها 100 ألف يورو سنويا تدفع له علي أربعة أقساط مقابل تعهده بالعمل علي تغيير بعض بنود أحد قوانين البرلمان الأوربي لصالح لوبي مالي معين، وقدم الصحفيان لجهات التحقيق، تسجيلاً للمقابلة بالصوت والصورة بواسطة كاميرا خفية في شهر ديسمبر 2010!!!! وفي الخامس والعشرين من يونية 2014 أعلن النائب في البرلمان الأوربي وزعيم حزب اليسار الموحد الإسباني ويلي مايير، استقالته من عضوية البرلمان بسبب تورطه في فضيحة الصندوق الطوعي للتقاعد بالبرلمان الأوربي، والكشف عن حصوله وعدد من البرلمانيين الإسبان، علي سندات من الصندوق الطوعي بين عامي 2004 و2009 ضمن شركة للاستثمار برأس مال متغير في لوكسمبورج، وهذا غيض من فيض في كواليس البرلمان الأوربي التي تكشف حقيقة ودوافع قراراته وتوصياته!! ولسنا بحاجة للحديث عن عنف 'الإخوان' الذي يراه البرلمان الأوربي – جريمة رأي- ويكفي فقط أن نراجع صفحة رضا فهمي علي الفيس بوك، ورضا فهمي لمن لايعرفه، هو أحد مسئولي الاتصال والتواصل بين التنظيم الإخواني ونواب البرلمان الأوربي، وكان عضواً في مجلس الشوري المصري ورئيساً للجنة الدفاع والأمن القومي في المجلس وهو الآن من نواب البرلمان الإخواني الوهمي في تركيا.. أي أنه من قيادات 'الإخوان' الذين رأي البرلمان الأوربي أن أمثالهم في السجون نتيجة جرائم الرأي وليس الإرهاب والعنف. وعندما نتوقف عند صفحة رضا فهمي علي الفيس بوك لا نحتاج إلي دليل أو قرينة علي أن جماعة الإخوان ليست جماعة سلمية، وأن المحاكمات والتحقيقات الجارية معهم لا علاقة لها بجرائم الرأي، فهو يدعو لتشكيل المجموعات الثورية التي تستهدف رجال الشرطة والجيش والإعلاميين والقضاة، ومما جاء علي صفحته في 18 يناير 2014 علي سبيل المثال لا الحصر النص التالي: 'التطوير المطلوب في المظاهرات والعمل الثوري.. الذهاب إلي بيوت الخونة الانقلابيين من العسكر والداخلية والقضاة والإعلاميين ورجال الاعمال وعمل الواجب وتدميرها وضربهم ضرباً مبرحًا.. الذهاب إلي شركاتهم وحرقها.. حرق أقسام الشرطة وكل عرباتهم.. أي فرد يظهر من رموز الانقلاب في اي مكان يضرب ويكسر رجله.. حرق وتدمير سياراتهم الخاصة.. أي ضابط شرطة او عسكري يمشي بمفرده يضرب ويكسر رجله.. التعامل مع البلطجي بحسم وقوة هم ومرشدي الشرطة التنكيل بهم واجب في بيوتهم.. سلميتنا ما دون الرصاص ولكنها سلمية فاعلة وإيجابية.. أتحرك ضد الاحتلال نصر او شهادة' !!! وتجاهل نواب البرلمان الأوربي اعترافات 'الإخوان' علي صفحات التواصل الاجتماعي بحرق سيارات الشرطة وارتكاب العديد من حوادث العنف تحت لافتة السلمية المبدعة.. سلمية ما دون الرصاص، حسب قولهم، ثم جاء الرصاص، وجاء بيان البرلمان الأوربي ليعتبر 'الإخوان' من سجناء الرأي !! أما المضحك - حقاً - فقد كان موقف 'الإخوان' من بيان البرلمان الأوربي، وقد عبر عنه قيادي إخواني كبير وكتب تغريدة علي 'تويتر' بعد ساعات من البيان قال فيها: المطلوب من البرلمان الأوربي حتي نصدقه أن يطالب حكوماته بسحب اعترافها بانقلاب عصابة العسكر، وعدم التعامل إلا مع الرئيس الشرعي محمد مرسي فقط، وأضاف القيادي الإخواني في تغريدة تالية: 'البرلمان الأوربي: الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم تستكمل المعايير الدولية للنزاهة.. لكنهم يؤيدون ويتعاونون مع عصابة العسكر.. نفاق وانحطاط'.. انتهت تغريدة القيادي الإخواني، وسارع الموقع الرسمي لجماعة 'الإخوان' علي الإنترنت بنشر هذه التغريدة باعتبارها رداً رسمياً يعبر عن الجماعة، واحتفي 'الإخوان' بسب وإهانة البرلمان الأوربي، ووصفه بالنفاق والانحطاط، وقاموا بتوزيع تغريدة القيادي الإخواني الكبير، ونال نواب أوربا من 'الإخوان' جزاء سنمار!!