Study on the first anniversary for Mandela›s departure لقد انطفأ في الكون ضوء مبهج مبهر، ونور مزدهر، ونكست الأعلام في البلاد، وسقطت النجمة الكبري من السماء، بعد رحيل مانديلا باستياء، فقضي حياته في النضال ضد التفرقة، وأصبح يتمتع بكل صفات الزعامة، وأمسي أسطورة الشعوب الإفريقية المتطلعة إلي التحرر والتقدم، وقاد المرحلة الانتقالية، لنقل السلطة من الأقلية، إلي الأغلبية، لشعب متعطش للديمقراطية، باحثا عن الحرية. خسر العالم أعظم أبنائه مرتين، مرة عند سجنه، ومرة بعد رحيله، فلم يظهر كثيرا في الحياة العامة منذ عام 2004 بعد اعتزاله الحياة السياسية. فحقا كما قال زوما 'ما جعل مانديلا عظيما، هو ما جعله إنسانا.. لقد رأينا فيه ما نبحث عنه في أنفسنا'. وقال أوباما أول رئيس أمريكي أسود: إن مانديلا أنجز أكثر مما يمكن لأي إنسان أن ينجزه، لم يعد ينتمي لنا بل هو للتاريخ' إن مانديلا أمسك بناصية التاريخ، ودفعه صوب العدالة. وهذا فريدريك دي كليرك، آخر رئيس أبيض لجنوب إفريقيا، الذي أمر بإطلاق سراح مانديلا، وقال 'أسهم بصورة فريدة ليس فقط في إرساء قواعد ديمقراطيتنا الدستورية، ولكن في قضية المصالحة الوطنية وبناء الأمة'. ‹أذكر جيدًا أنني عندما خرجت من السجن، كان أكبر تحد واجهني، هو أن قطاعًا واسعًا من السود، كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل، ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا، إما إلي الحرب الأهلية، وإما إلي الديكتاتورية من جديد، لذلك شكلت 'لجنة الحقيقة والمصالحة' التي جلس فيها المعتدي والمعتدي عليه وتصارحا، وتسامحا، وسامح كل منهما الآخر، إنها سياسة مرة لكنها ناجحة'.. هذه الكلمات كانت للزعيم البطل نيسلون مانديلا. قال بعد خروجه من السجن: مازلت أذكر ذلك اليوم بوضوح، كان يومًا مشمسا من أيام كيب تاون، خرجت من السجن بعد أن سجنت بين جدرانه سبعًا وعشرين حِجةً، خرجت إلي الدنيا بعد أن ووُرِيتُ عنها، لأني حلمت أن أري بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد، ورغم أن اللحظة أمام سجن فيكتور فستر كانت كثيفة علي المستوي الشخصي، إذ سأري وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن.. لو تأملنا هذه الكلمات لعلمنا من هو مانديلا، الذي قال: تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا، لو ركزنا 'كما تمني الكثيرون' علي السخرية من البيض وتبكيتهم، واستثنائهم وتقليم أظافرهم.. لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني اليوم، أتمني أن تستحضروا قولة نبيكم 'اذهبوا فأنتم الطلقاء'. إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم، وإن إحقاق الحق، أصعب بكثير من إبطال الباطل.. هذه هي الذكري الأولي، لرحيل الزعيم الذي علّمنا هذه المبادئ، فأصبح لنا قدوة، ونجح في كسر حاجز العنصرية، ومعقل التمييز، وحوّل جنوب إفريقيا إلي بلد يتمتع بالديمقراطية الحقة، وتعدد الأعراق، وبإرادته القوية، وعزيمته الثرية، وأفعاله الخيرية، ضحي بحريته من أجل حرية الآخرين. لقد رحلت بجسدك، ويبقي تاريخك النضالي محفورًا في عقولنا، مسطرا في أجسادنا، يسبح في دمائنا، نتعلم منه العطاء والسخاء، والرخاء، والرجاء، ونرفع بها عنا البلاء، والعناء، والعزاء، والشقاء، فكنت سيدي آخر تغريدة بالنور في سيمفونية الظلام، وكنت آخر تغريدة بالسلام في سيمفونية المجد، فقضيت عمرك كله تراودك أحلام العدل الأسطورة مانديلا وداعا.. طريق طويل إلي الحرية والإنصاف والبناء والمساواة. أصبحت زنزانة سجنك الصغيرة، رمزا ترفرف عليه نسمات الكرامة والشموخ، زنزانتك بجزيرة 'روبن'، أصبحت محجّا ومزارا للأشراف من أحرار الأمة، فأنت يا مانديلا مصدر إلهام للعالم، وأحد زعماء التسامح والتعايش السلمي بين جميع الناس علي اختلاف ألوانهم. يجب علينا أن نضع أيدينا ونتكاتف، ونستلهم من حكمة هذا الداهية، ونتعلم من تصميمه والتزامه، من أجل السعي لتقدم بلادنا وشعوبنا لتكون الأقيم والأجمل كما علمنا مانديلا ومن قبله علمنا غاندي. أيها الداهية، يا صاحب أطول طريق إلي الحرية، لقد وحدتنا وودعتنا موحدين، وتركتنا نعيش جميعا في هذا العالم بفضيلة من فضائلك يا أسد العصر، يا سيد القصر. سيبقي اسمك ملازما للعزة والكرامة، فأنت لست فقيدا لشعبك فقط، بل أنت فقيد لشعوب العالم بأسره، لأنك منحتهم الشجاعة، ليكونوا أكثر حرية وصدقا، وأنت المثل والمثال الذي يقود كل الذين يناضلون من أجل العدالة والسلام، وستبقي أبد الدهر مصدر وحي للبشرية، فالميراث الحقيقي الذي تركته، هو أنك أقمت جنوب إفريقيا حرة، وأصبحت المقاومة السلمية شعارًا ينتمي إلي النضال الحقيقي، ففقدت جنوب إفريقيا أباها الحقيقي، والعالم فقد بطلا أخلاقيا، وليس زعيمًا سياسيًا فقط، علي الرغم أن العالم قد لا يشهد أبدًا مانديلا جديدًا، ومن رسالته للمصالحة، ولدت جنوب إفريقيا جديدة، ولم تستطع سنوات سجنه كسره أو تغييره، وكان الإرث السياسي لمعركته أنها ليست عنيفة، فقال: 'كرّست حياتي لكفاح الشعب الإفريقي، وحاربت هيمنة البيض بقدر ما حاربت فكرة هيمنة السود، كنت دائمًا أرفع عاليًا نموذج المجتمع الديموقراطي الحر، حيث الجميع يعطون فرصًا متعادلة ومنسجمة، وإذا اقتضي الأمر سأموت من أجل هذا الهدف› 'إن الحرية لا تقبل التجزئة لأن القيود التي تكبل شخصا واحدا في بلادي، إنما هي قيود تقيد أبناء وطني أجمعين'!!.. لم ينقطع كفاحه بعد سجنه بل واصل جهاده من داخل زنزانته. أعلن أن جنوب أفريقيا ملك لكل الذين يعيشون فيها 'سودا وبيضا'، وكانت ثمرة كفاحه بعد إطلاق سراحه، أنه أصبح أول رئيس إفريقي أسود، لجمهورية جنوب إفريقيا المتحررة من وصمة التفرقة العنصرية. وفي عام 1999 قرر مانديلا التقاعد بعدما انتهت مدة ولايته، ورفض أن يتم التمديد له، فتنحي عن الحكم، لكنه استكمل نشاطه الأخلاقي مع الجمعيات والمؤسسات المنادية بحقوق الإنسان حول العالم، مناضلا شريفا مخلصا وفيا صادقا، إلي أن انتقل إلي الرفيق الأعلي، يوم الخميس، 5/12/2013، فعاش سدا، وجاهد سندا، ومات أسدا. المتحدث الرسمي باسم النادي الدبلوماسي الدولي Diplomatic Counselor Sameh Almashad