حارت البشرية في إدراك مكنون الشعب المصري.. وفشلت كل محاولات فك طلاسم هذا اللغز العجيب للمصريين، حتي أن الكثيرين باتوا يتندرون من مفاجآت هذا الشعب العظيم.. ويقولون إن الشعب المصري هو الشعب الوحيد علي وجه البسيطة الذي لا يمكن أن تحتسب ردود فعله.. أي أنه 'ملهوش كتالوج' يمكن فهمه من خلاله. فحين أشرقت شمس الدنيا علي قاهرة المعز صباح الجمعة الماضي، حبس العالم أنفاسه، ترقبا.. وانتظارا لما ستسفر عنه أحداث يوم الثامن والعشرين من نوفمبر.. ذلك اليوم الذي خطط له أصحاب الخديعة.. وأعوان الشيطان، ليدفعوا فيه بمعاتيههم في أرض الكنانة.. ليحرقوا الأرض، والنسل.. وليعيثوا في أرض الطهر فسادا. دشنوا طقوسهم الشيطانية فوق خارطة هاوية.. تتقاطع فيها صرخات 'جزيرة العهر'.. مع فوضوية 'خليفة الأوهام في اسطنبول'.. تشعلها طوابير من باقة فاسدة، لعقول خربة.. تلقت تدريبا محكما في معسكرات 'اللاانتماء' لزرع بذور الشر والخراب في مصر.. فيما آلة التآمر تتأهب عند الحدود، وفوق الثغور.. وعبر المحيطات.. لتضرب ضربتها في فؤاد وطن أثخنته الجراح. محطات مهزومة.. وإذاعات فاجرة.. وأقلام مدادها من سواد.. شنت علي مدار أسابيع حربا، لا هوادة فيها.. توجه منصاتها فوق ضواحي الوطن، وفي عمقه الاستراتيجي.. تطلق زخات بنادقها، وتفجيراتها الفتاكة صوب جنود أبرياء.. وضباط نبلاء.. ترويعًا لأبناء وطن.. جبل علي الصمود في أحلك المحن.. حتي أن مصر التي علمت الدنيا 'فن العطاء والحياة' عرفت في التاريخ ب'مقبرة الغزاة'. مضي صباح الجمعة.. زاهيًا.. وضاحًا.. تتراقص فيه نسمات الحياة، عبر بوابات الأمل.. المشرعة دوما صوب 'المستحيل'.. كان الوطن.. برجاله.. وجنوده.. وضباطه.. ينتظر 'فئران الأرض' أن تغادر جحورها.. حتي يسهل اصطيادها.. لكن الساعات مرت.. والشمس بلغت جل سطوعها.. خرج الناس أفواجا.. يؤدون صلاة الجمعة.. في هدوء، وأمن، واستقرار.. لم يعكر صفوهم سوي 'جرذان معدودة' دهستها إرادة الشعب قبل أن تبرح أماكنها. وحين أوشك 'يوم الأوهام' علي الأفول.. كانت جمهرة عريضة، من أبناء الوطن.. ترسم علي خارطة الكنانة، صفحة بيضاء.. انطلقت الأهازيج، والأفراح، في كل مكان.. تتحدي التحدي.. ترفع راية وطن.. أذهل الدنيا، ولا يزال.. وطن.. خرج أحبته من كل صوب وحدب.. ليضعوا أذناب الخزي والعار، حيث موقعهم الطبيعي في مزبلة التاريخ. زحفت الجموع علي الميادين.. وفاضت الشوارع بروادها.. تعالت الهتافات في كل مكان.. تهليلا لانتصار.. أراده المعتدون بالشر 'نقمة' فحوله الشعب العريق، بعبقريته الفريدة إلي 'نعمة'.. ودرسا لكل طامع في تراب الوطن.. ولكل باحث عن موقع علي حسابه.. ولكل نذل.. توهم أن ملايين الدولارات، يمكن أن تزحزح عقيدة شعب قهر كل الغزاة.. والمتآمرين. صدمت العاصفة الوطنية، أصحاب الأجندات، والحسابات.. وأربكت مشهدهم الهزيل، بعد أن حطمت أضغاث أحلامهم.. وبقايا ترهاتهم.. وبعد أن كتب الشعب المصري بمداد من نور 'شهادة وفاتهم'.. لتتصدع بقاياهم، ويتشرذم سادتهم، ومحركوهم.. فراحوا يستلون سلاح 'الكذب المتقدم والعابر للحدود'.. ليزيفوا عبره حقائق ما جري.. وليرسموا صورة مغايرة لما حدث في الثامن والعشرين من نوفمبر. ولكن.. هيهات.. فقد أشرقت شمس الحياة مجددا فوق خارطة الوطن.. وعادت السواقي لتملأ الأرض بمياهها.. وواصل نهر النيل سريانه في مجراه الأبدي.. وأمسك العمال بمزاميلهم.. والصناع بأدواتهم.. والطلاب لمدارسهم وجامعاتهم.. ليجري نهر الحياة، في ذات مساره عبر آلاف السنين.. ولتبقي مصر، صامدة، بإرادة المولي وشعبها العظيم.