السيد المسيح الذي قبل الموت طوعا وبكل إرادة حرة, والذي حمل علي كتفيه صليب الإنسانية وأثقالها ومشاكلها وأتعابها وهمومها لفدائنا وتكفيرا عن خطايانا وخطايا العالم, ما كان ممكنا أن يبتلعه الموت لأنه أصلا سيد الحياة ومصدرها. لذلك أنهضه الله وقبل قربانه عنا ومنح بواسطته النعمة والخلاص لجميع الشعوب. لكن سر الفداء والقيامة لا تكتمل أضواؤه إلا بفعل المقارنة بين آدم ابينا الأول وبين المسيح الذي أطلق عليه القديس بولس رسول الأمم, اسم آدم الثاني أو آدم الجديد,أي: أن الخطيئة دخلت إلي العالم بإنسان واحد هو آدم وبالخطيئة الموت, وأن التبرير دخل أيضا بإنسان واحد هو السيد المسيح, وبالتبرير الحياة الجديدة. إن المقارنة بين آدم والسيد المسيح تدل بذاتها علي أن زمن البشرية يقسم إلي قسمين: الأول هو زمن آدم الإنسان القديم والتاريخ الذي تلاه حتي مجيء السيد المسيح. والثاني: وهو زمن السيد المسيح الذي سيمتد إلي آخر التاريخ البشري حين تتم مشيئة الله في خلقه ويكتمل الملكوت السماوي الموعود به. علي أن هذه الصورة لها معناها أيضا. وفي واقع الحال لدي كل إنسان منا وكل جماعة وفئة فالإنسان القديم بحسب آدم أصبحإنسان الانقسام والخطيئة والعبودية والأنانية والشرور علي أنواعها. والإنسان العاجز حتي عن تغيير ذاته بذاته. أما الإنسان الجديد بحسب السيد المسيح فهو إنسان المحبة والسلام والمصالحة والغفران وقبول الآخر. وهو الإنسان القادر بنعمة الله علي تغيير ذاته وتحقيق رسالته ومستقبله وبناء وطنه ومجتمعه ورفع شأنه وتقدمه وازدهاره. والمسيح المنتصر علي قوي الشر وكل أساليبه وانواعه أعطي العالم والبشرية برمتها بقيامته المظفرة من بين الأموات درسا و فرصة جديدة ليتغير العالم وينجو من واقع مأساته المرير. والسيد المسيح رسم لنا حياة جديدة وعيشا مشتركا واخوة مستعادة من الجميع إلي الجميع وتقاربا بين الذين كانوا بعيدين عن بعضهم, وحطم الحواجز بينهم وصالحهم, وجعل من الشعوب والأمم إنسانية واحدة ومصيرا واحدا لكل أبنائها. أليس هذا تأكيدا لعمل الله وإرادته أن يجمع المنفصلين والمشتتين والمتفرقين إلي واحد ؟ مع قيامة المسيح سقطت كل مؤامرة وخطة كان هدفها تفرقة الشعوب وإبعادها عن بعضها وتحطيم عظمتها وقيمتها وحضورها, وزرع بتعاليمه ومعجزاته في بقاع الأرض البذور الطيبة والتي ندعوها اليوم حقوق الإنسان إذ إن هدف الحقوق ينبع من كرامته. وكرامة الإنسان تنبع من خلق الله له علي صورته ومثاله. عيد الفصح إذن, هو عيد الفرح والانتصار الذي حققه السيد المسيح علي الألم والموت وعلي الشر والخطيئة. ولقد صار في ضمير المؤمنين قضية ومسئولية تلقي علي عاتقهم أفرادا وجماعات. فالقيامة هي: قوة تغير وجه الأرض والإنسان, وقد تسلمنا أمرتحقيقها بأيدينا التي لا قوة لها إلا من قوة المسيح وانتصاره علي الشر. فلا نقبل أن تستمر الأمور القديمة علي حالها, بل نسعي كلنا ومع جميع الناس من ذوي الإرادات الطيبة والصالحة الي إضفاء روح السلام والمحبة والمصالحة والغفران وقبول الآخر في محيطنا وبلداننا. إن مسئولية خاصة تقع علينا في وطننا بالذات وشرقنا العربي الذي أصبح ويا للأسف عرضة للانقسام وعدم التفاهم. وأصبح يغلي, وأشباح الفتن تتراقص فوق رؤوس أبنائه مهددة وحدتهم ومصيرهم ومستقبلهم بأشنع الأخطار. ويؤسفنا شديد الأسف أن تكون قوة خفية تبغي الشرور والفتن, وتحاول وضع النزعات بين الأديان والمذاهب وزرع الحقد والبغض بينها وإبعادها عن بعضها في طول الشرق وعرضه. فيما المذاهب والاديان, ليست سوي طرق الي الله, وتقرب إلي أخيه الإنسان والتعايش معه بأمان وسلام وطمأنينة. ونحن متعودون في شرقنا وعلي مدي تاريخنا احترام كل إنسان وتركه في اختياره اي طريق يؤدي به إلي عبادة ربه وخالقه. وإذا كان شرقنا قد علم العالم أن لا إكراه في الدين وأن الحرية هي هدية وعطية من الله, فعلي الانسان ألا يميل أذنيه لأي إيحاء خارجي مشحون بالفتن التي تريد التفريق في صفوفه وخراب بيوت أبنائه. فنناشدكم باسم الله الذي يذكر في منطقتنا وشرقنا اسمه القدوس أكثر من أي مكان في الدنيا, أن اتقوا الله جميعا وابتعدوا عن الوقيعة فيما بينكم سواء في مصر أرض الكنانة أم في بلدان الشرق برمته, وتوكلوا علي الله من أجل حسن المصير الجامع. وأنتم ايها المسيحيون, فإنكم مدعوون, هنا وفي كل مكان, إلي الصفح والغفران كما صفح وغفر الله عنكم بالمسيح يسوع. كما يدعوكم التاريخ في هذا الوطن العزيز وفي كل الشرق الأوسط والعالم أن تكونوا بين اخوتكم من كل الطوائف والمذاهب, أهل جمع وتوحيد بين المصريين والعرب والأجانب. هذا كان تراثكم في الماضي, وهذا ما يبقي أساسا لدعوتكم ولموقعكم في المستقبل. وليعطنا المنتصر علي الخطيئة والبغض والحقد وكل أنواع الشرور, أن نؤمن بمواجهة المستحيل لإنقاذ الحياة في بلادنا وتثبيت رسالة المحبة والعيش المشترك في حضورنا ودعوتنا وخدمتنا لأوطاننا. سائلين الله أن يعيد عليكم مثل هذا العيد وأنتم بألف خير ووطننا معافي والشرق متصالح ومنزه من المصالح والعالم مشمول كله بسلام الرب وبفيض نعمه وبركاته. أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك لمزيد من مقالات المطران كريكور أوغسطينوس كوسا