توفي الكاتب والشاعر جورج جرداق عن عمر يناهز 83 عاماً، وهو الذي اشتهر بكتابات عن امير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. ولد جورج سجعان جرداق عام 1931، من والد يعمل مهندس بناء، 'في بقعة سكانها عرب حقيقيون، يتحدرون من أسر عربية عريقة، أما البيئة البيتية فكانت من جماعة الفكر والعلم والأدب والشعر، وتأثري الشديد كان ب 'أخوي فؤاد'. كان جورج الصغير يهرب من المدرسة، بحثا عن عين ماء من عيون السهل الشرقي تلك التي سمي المرج باسمها 'مرج عيون'، فينتقي صخرة تحت شجرة تظلله، ليحفظ شعر المتنبي، وفقه اللغة العربية في مجمع البحرين للشيخ ناصيف اليازجي. وعندما اشتكت المدرسة من فراره الدائم، حاول ذووه معاقبته، فتدخل شقيقه فؤاد معللا: 'إن ما يفعله جورج يفيده أكثر من المدرسة'. وتشجيعا له أهداه 'نهج البلاغة' للامام علي بن أبي طالب عليه السلام، قائلا: 'إقرأه واحفظه'. بعد انتهاء دراسته التكميلية في مدارس جديدة مرجعيون، انتقل جورج جرداق إلي بيروت، ليلتحق ب 'الكلية البطريركية' عام 1949. منذ ذلك الحين، سكن بيروت وسكنته، من دون أن ينفي ذلك حنينه إلي الجذور وتواصله مع الأهل والأصحاب في 'الجديدة'. يرد خصوبة فكره وذاكرته إلي اختياره الكلية البطريركية الذائعة الصيت بتخريج أقدر الطلاب في اللغة العربية وآدابها. 'كانت مهمة جدا بحاضرها وقديمها، فالشيخ إبراهيم اليازجي، أكبر علماء العربية علي الإطلاق، كان أحد أساتذتها في القرن التاسع عشر، ومن تلامذته خليل مطران شاعر القطرين. درس علي يد الأديب المعروف رئيف خوري، وعلامة عصره فؤاد أفرام البستاني مؤسس الجامعة اللبنانية، وكان أستاذ اللغة والأدب الفرنسي الشاعر ميشال فريد غريب الذي كتب شعره بالفرنسية'. في هذه الأجواء، كان من البديهي أن يؤلف جرداق كتابا في سن مبكرة. في الثامنة عشرة من عمره، كتب باكورته 'فاغنر والمرأة' عن الموسيقي والفيلسوف الألماني عام 1950. نظرا إلي أهمية الكتاب، قرر الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي إدراجه ضمن لائحة الكتب التي يجب علي طلاب الدكتوراه في الأدب قراءتها بإمعان، كذلك أصر أحد المستشرقين الألمان علي مقابلة جرداق وأخذ إذنه في ترجمة كتابه إلي اللغة الألمانية. في عام 1953 بعد تخرجه من الكلية البطريركية، انتقل جورج جرداق إلي التأليف والكتابة في الصحف اللبنانية والعربية من جهة، وإلي تدريس الأدب العربي والفلسفة العربية في عدد من كليات بيروت من جهة أخري. استهل عمله الصحافي في مجلة 'الحرية'، ويقول عنها: 'كنت أكتبها من الغلاف إلي الغلاف، وكنت أحرر مقالات وأوقعها بأسماء صارت لاحقا معروفة لدي أصحاب الصحف، حتي إن أحدهم طلب مني أن أعمل عنده، فرفضت'. عمل أيضا في مجلة 'الجمهور الجديد' وانتقل إلي 'دار الصياد' عام 1965، وعمل في مجلة 'الشبكة' وفي صحيفة 'الأنوار'، ولا يزال أحد أركان الكتابة في منشورات 'الصياد'. وضع موسوعة كاملة عن امير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، سمّاها 'الإمام علي صوت العدالة الإنسانية'، وتقع في خمسة أجزاء بعنوان 'علي وحقوق الإنسان'، 'بين علي والثورة الفرنسية'، 'علي وسقراط'، 'علي وعصره'، 'علي والقومية العربية'، ثم أتبعها بملحق كبير بعنوان 'روائع نهج البلاغة'. ومن ماثوراته في حق الامام علي بن ابي طالب عليه السلام : علي بن أبي طالب هو في الحقيقة والتاريخ واحد، سواء عرفته أم لم تعرفه، فالتاريخ والحقيقة يُذعنان بأنّ له ضميراً حيّاً وقهّاراً، وأبو الشهداء والأحرار، وهو صوت العدالة الإنسانية، وشخصية الشرق الخالدة. يا أيّها العالَم، ماذا سيحدث لو جَمَعتَ كلّ قواك وقدراتك وأعطيتَ الناسَ في كلّ زمان عليّاً بعقله وقلبه ولسانه وذو الفقاره؟! نقلاً عن كتاب 'الإمام علي صوت العدالة الإنسانية'. وقال أيضاً: هل سمعت عن حاكم لم يُشبع نفسه برغيف خبز؟ لأنّ في بلاده من ينام وهو غير شبعان، وهل سمعت عن حاكم لم يلبس الملابس الناعمة؟ لأنّ في شعبه مَن يلبس الملابس الخشنة، فهو لم يكنز لنفسه حتّي درهماً واحداً؟! وأوصي أبنائه وأصحابه أن لا يتّبعوا سوي هذه الطريقة. فحاسب أخاه لأخذه ديناراً واحداً غير حقّه من بيت المال، وهدّد وأمر بمحاكمة حكّامه بسبب رغيف خبز أخذوه من غني وأكلوه رشوةً؟! يشار الي ان مراسم الجنازة، الأولي تقام بعد ظهر الجمعة، في كاتدرائية مار نقولا للروم الأرثوذكس في الأشرفية، علي أن ينقل جثمانه إلي مسقط رأسه في جديدة مرجعيون حيث يواري الثري في مدافن العائلة.