أجريت بالأمس في تركيا انتخابات جاءت لصالح رجب طيب أردوغان الذي تفوق علي منافسيه وحصل علي نسبة 52% من الأصوات من الجولة الأولي حتي تمكن من الوصول إلي كرسي الحكم بتركيا لمدة 5 سنوات رئاسية وليصبح الرئيس الثاني عشر لتركيا ولكن عبر استفتاء شعبي هذه المرة وعلي عكس ما كان يجري في تركيا في انتخابها لرئيسها الذي كان يجري بالبرلمان طوال العهود السابقة. يأتي المرشح أكمل الدين إحسان أوغلو في المرتبة الثانية وحصوله علي نسبة 38% من الأصوات، ثم مرشح الشعب الديمقراطي اليساري صلاح الدين ديمرطاش في المرتبة الثالثة بحصوله علي 10% من الأصوات، وبنسبة مشاركة بلغت ما نسبته 70% من الأصوات الانتخابية وبأقل من نسبة مشاركة الأتراك في الانتخابات المحلية مؤخرا. إن الانتخابات التركية في مجملها لم تختلف في مشهدها السياسي منذ عام 2003 عن تغيير ملحوظ في توجهاتها بعد حسمها لصالح حزب العدالة والتنمية سواء كانت انتخابات برلمانية أو محلية أو رئاسية بعد وصول أردوغان إلي المنصب الرئاسي الآن. ويرجع المحللون والمعارضون في تركيا ذلك إلي تغلغل حزب العدالة والتنمية بمشروعه الإسلامي في الحياة التركية واقترابه من الطبقات الكادحة والفقيرة ومزاوجته للدين والسياسة واستخدامه للرشوة والفساد وشراء الذمم والأصوات الانتخابية وقفزه علي مكتسبات الدولة العلمانية وتحديه لأحزاب المعارضة وتحجيمه للمؤسسة العسكرية التي كانت من أقوي المؤسسات في تركيا، والتحكم في القضاء والجهاز الأمني والإعلامي وباقي مؤسسات الدولة لصالح الحزب وأفكاره وتوجهاته، وكل تلك الأفكار كانت من صنع رئيس الحزب ورئيس الوزراء أردوغان طوال فترة حكمه التي مكنته من أن يمارس التسلط والاستبداد والدكتاتورية وقمع المعارضة بما مكنه من الوصول لكرسي الحكم عن طريق استفتاء شعبي من أجل أن يثبت وجوده الجماهيري وتوظيف ذلك من أجل تحقيق المزيد من الصلاحيات التي تمكنه في القريب من تعديل نظام الحكم في تركيا من نظام برلماني إلي نظام رئاسي يمكنه من تحقيق طموحاته وغروره من أجل تحقيق مشروع الخلافة الذي يحلم به، ثم استحواذه علي نظام الحكم في البلاد بشكل استبدادي يمكنه من الاستفراد بخصومه السياسيين من العلمانيين والقوميين والشباب الحر وأحزاب المعارضة والأقليات بتركيا. إن الرشوة والمحسوبية وتزوير الانتخابات كانت وراء حصاد أردوغان وحزبه لتلك النتائج التي جعلتهم في الصدارة دائما بسبب توظيفه واستخدامه لكل مؤسسات الدولة وبخاصة المؤسسة الإعلامية والأمنية لصالحه، ثم استخدامه للدين كستار لتحقيق شعبيته وأهدافه السياسية ومزاوجته للدين والسياسة، ومن ذلك مؤخرا استخدامه لاسم النبي محمد في دعاياته الانتخابية وغيرها من الشعارات الدينية والشعارات الماسونية والعنصرية كاستخدامه لشعار رابعة لمغازلة الأحزاب الدينية والجماعات الإرهابية التي يعتبر المحرك الرئيسي لها لتحقيق حلمه بإنشاء دولته الإسلامية العثمانية المزعومة، ورغم ذلك فشل في تحقيق أهدافه كفشله في تحقيق خلافته وفشله في الانضمام كعضو في الاتحاد الأوروبي بسبب معاداة أوروبا له ووعيها لكل الأهداف الدنيئة التي يسعي لتحقيقها لصالحه علي حساب مصالح الشعب التركي، ولربما لم تنتبه أوروبا وأمريكا إلي خطوته الذكية بإجرائه الانتخابات الرئاسية عبر استفتاء شعبي وليس عبر البرلمان كما كان يحدث في تركيا من قبل بسبب نيته لاحقا في تغيير بعض بنود الدستور التركي المتعلقة بتحويل نظام الحكم إلي نظام رئاسي يمكنه من فرض سيطرته واستبداده علي الشعب التركي وأفكار حزبه الديني وهو ما ستنتبه إليه أوروبا لاحقا رغم تصريحاته بعد فوزه بالرئاسة بأنه سيكون رئيسا لكل الأتراك ونيته في ترسيخ مبادئ الديمقراطية.