لا شك أن شهر رمضان لهذا العام.. يأتي معبأ بحمولة ثقيلة من الهموم الحياتية، والأوجاع العربية والمآسي المصيرية. لكن يتقدم الجميع، تلك العتمة التي صارت فريضة علي المصريين تدهمهم ليل نهار. دون وجل أو استحياء.. فلا نعرف متي تحل؟! أو متي تنقشع؟! فجأة ينقطع التيار الكهربائي دون سابق إنذار.. فتتحول البيوت الضيقة، الفقيرة، والبسيطة، والمتوسطة إلي ما يشبه السلخانات الدكناء!! أو علب الكبريت المظلمة التي تزهق الأرواح، قبل أن تشوي الأبدان!! نعم شهر رمضان في هذا العام يتواكب مع شهر 'يوليو' الذي أطلق عليه شهر الثورات.. نسبة إلي ثورة 23 يوليو 1952. فضلاً عن كونه من أشد شهور السنة حرارة وقيظًا ورطوبة.. الأمر الذي يدفع بالناس إلي الاستنفار والاستثارة من أقل المؤثرات.. وكأن الغضب العام عنوان هذا الشهر! لكن علي ما يبدو أن حكومتنا 'السنية' حكومة المهندس 'إبراهيم محلب' تناست أو تجاهلت هذه الأمور.. معتقدة أن المواطن المصري قُدّ من حديد وصخر!! وليس بشرًا من لحم ودم له قدرة علي التحمل. وأن الأمر الذي يتجاوز حده ينقلب إلي ضده. فهل معقول أن تغزونا العتمة، والإظلام الجبري ليل نهار وتصبح حياتنا مستباحة أمام تلك العتمة. لننحني أمامها بل ونضرب لها تعظيم سلام!! لأن شبكة الكهرباء المصرية بعافية!! والحمولات صارت أكبر من الطاقة والتشغيل ثم في المقابل تأتي فواتير الكهرباء في زيادة مطردة كيف يتقبل المواطن هذا الوضع وهذا الغلاء في الطاقة من البنزين والكيروسين حتي الكهرباء والغاز؟! هل هو 'موت وخراب ديار؟' ثم ما الذي يضير الوزارة في أن تعلن جدولاً زمنيًا محددًا ودقيقًا لفترات انقطاع الكهرباء، بحيث يُعد ذلك مؤشرًا علي احترام آدمية المواطن.. وحتي لا تحدث تلفيات في نفوس المواطنين أساسًا. قبل الأجهزة الكهربائية التي لحقت بها الأضرار وأصابها الأذي في الصميم! وليس غريبًا أن نقف علي معني الأغنية الشعبية التي تنبثق في الشوارع والحواري بقدوم رمضان. بحيث يحمل الأطفال الفوانيس ويغنون 'وحوي يا وحوي اليوحه' تلك الأغنية معناها بالفرعونية القديمة.. مرحباً بقمر الزمان.. وهو اسم لملكة فرعونية 'إبح حتب' التي ضحت بزوجها وبإثنين من أبنائها سقطوا شهداء وهم يحاربون الهكسوس.. وقد تعلمت الدرس مع ابنها الثالث والأخير 'أحمس' فقد دأبت علي ألا يخوض الحرب ضد الهكسوس إلا بعد أن يتسلح بأحدث الأسلحة من عجلات حربية، وجيش قوي.. وبالتالي خاض الحرب فحقق النصر علي الهكسوس.. وعندما عاد من معركته المظفرة مع أمه الملكة استقبلهم المصريون بفرحة شديدة وظلوا ينشدون وحوي يا وحوي.. أي مرحبا بقمر الزمان.. الأمر الذي ظل كامنًا في وجدان المصريين قرونًا طويلة.. ليستحضروه من جديد بعد الفتح الاسلامي لمصر.. وبقدوم شهر رمضان الذي هو أساسا مقترن بالقمر وهلال رمضان. لعل هذه الرواية التاريخية التي قرأتها في بريد القراء للأهرام في 12/7 للقارئ شفيق متري.. دفعتني إلي مقاربتها بالوضع المصري والعربي الراهن.. فها هي اسرائيل مثلها مثل الهكسوس القديم.. تعربد وتشن حربًا لا هوادة فيها علي الشعب الفلسطيني الشقيق الأعزل في 'غزة'. وكأنها تفترسهم في غياب القوة العربية والدور العربي. بعد أن أصاب البلاد العربية عطب، بل لنقل عتمه وإعتام تجاه شعوبها جعلها تضل الطريق وتتنكبه!! انظر إلي ما يحدث في سوريا، والعراق، وليبيا، والسودان، واليمن من تمزيق بحيث يجعل الجميع وكأنهم ينتظرون 'سايكس بيكو' جديد بعد أن مر قرن كامل علي المعاهدة القديمة. والحقيقة تؤكد أن موازين الوقي الجديدة ترغب في تمزيق البلاد العربية كافة.. حيث تفتيت المفتت، وتجزئة المجزأ.. لكي تصبح 'إسرائيل' الدولة 'العنصرية اليهودية' الكبري التي تقود المنطقة! فهل ما يحدث في غزة الآن هو إشارة البدء في تنفيذ الخريطة الجديدة؟! وإذا كانت مصر الدولة في موقف لا تحسد عليه. فإن الشعب المصري ومؤسساته المدنية ينبغي لها أن تنفض سياسة التعتيم الاجباري. وتفضح بالحد الأدني الأدوار الاستعمارية لهذا الحلف الصهيو أمريكي. والدفاع عن أشقائنا الفلسطينيين في غزة والذين هم حائط الصد الأول في الدفاع عن مصر والمصريين ناهيك عن عروبتها. بعيدًا عن النزعات العنصرية التي تغرق الساحة في بحور من الدم والتطرف والتعصب واللعب بالدين. نعم ما أحوجنا إلي سياسة واضحة ومحددة ومعلنة.. تفرق الليل عن النهار وتباعد بيننا وبين سياسة التعتيم والاعتام. لتضع حدودًا فاصلة بين العدو الحقيقي الذي هو إسرائيل.. والشقيق العربي الذي سفك دمه أمامنا، ولا نملك حياله سوي أن نمصمص شفاهنا، ونسبح في العتمة الاجبارية التي تدهمنا ليل نها ودون سابق إنذار في لهيب شهر رمضان المبارك