علي إثر أزمة قلبية حادة رحل عن عالمنا بالأمس الأحد الموافق 1 رمضان 1435، والموافق 29 يونيو 2014 الدكتور محمود العزب مستشار شيخ الأزهر لحوار الحضارات والأديان ولد هذا العالم الجليل في قرية المقاطع مركز الباجور بمحافظة المنوفية وتعلم في كتاب القرية ثم دراسته بالأزهر وحصوله علي الليسانس فدرس اللغات السامية لغة الكتاب المقدس كالعبرية والآرمية والسريانية والحبشية حتي حصل علي الشهادات العليا والدكتوراه ثم سافر إلي فرنسا أواخر تسعينات القرن الماضي ودرس علم الأديان والفقه المقارن وغيرها من الدراسات الفلسفية والدينية لطلابه بجامعة السربون فأعاد للأزهر تاريخه ومكانته من جديد من خلال إعادته لحركة التنوير المصرية علي يد من سبقوه من رفاق العلم والفكر والدين كالأفغاني والطهطاوي ومحمد عبده ورضا غلاب ومحمد رشيد رضا وغيرهم من النابغين المصريين بفرنسا خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر والقرن العشرين، ومع قدوم هذا العالم الجليل إلي فرنسا كانت قدومه قدوم خير علي أبناء ورموز ومثقفين الجالية المصرية بفرنسا عندما أحيا الحب والحوار والنقاش والندوات الدينية والعلمية والصحفية بينهم وأثري المركز والمكتب الثقافي بندواته عن الأديان وفلسفاتها وذلك في عهد الدكتور هاني هلال والدكتور محمود كبيش والسفير علي ماهر والسيدة نفين سميكة قنصلة مصر في باريس وفي حضور الكبار من أهل الفكر والثقافة والإعلام ومنهم الدكتور أسامة خليل والدكتور صلاح النجار والفنان بهجوري والإعلامي الكبير بإذاعة الشرق فتحي النجار وكلا من الإعلامي الكبير شريف الشوباشي والدكتور سعيد اللاوندي، والأستاذ محمود عمارة والأستاذ رشدي الشافعي وكلا من الفنان التشكيلي عبد الرازق عكاشة والأستاذ جبريل محفوظ وصالح أبومسلم وغيرهم من رموز وأبناء الجالية المصرية وفعالياتها في هذا الوقت ومساهماته في الإفطار الجماعي الذي تقيمه الكنيسة المصرية بفرنسا ثم إسهاماته التي لا تنسي عندما قدم برنامج حديث الصيام بشهر رمضان لإذاعة الشرق بباريس حول تقديمه بمواضيع هامة وفلسفية عن حقوق الإنسان وعلاقته بالأخر وغيرها من سلوك الصائم، وظل يعمل هكذا كرمز كبير للجالية المصرية بباريس حتي أنشأ العديد من الروابط والصداقات مع المصريين والعرب والأجانب هناك إضافة إلي ندواته وتصريحاته بالمراكز الثقافية العربية والأجنبية المختلفة، ثم دوره الكبير من خلال ندواته ومقالاته حول حوار الأديان وليس صراعها وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تم بعدها من الإساءة للإسلام والمسلمين مما جعله يخوض حروبا قوية لتوضيح الصورة الصحيحة لسماحة الإسلام وعلاقته بالأخر من خلال شرحه بلغات مختلفة المفاهيم الصحيحة للإسلام وعمله علي تقارب الأديان خلال سنوات مختلفة مما جعله مرشحا باقتدار لأن يختاره الدكتور أحمد الطيب عندما استلم مشيخة الأزهر عام 2010 ليكون مستشار شيخ الأزهر لشئون حوار الأديان كبديل عن لجنة حوار الأديان وذلك يوم 17 / 9 / 2010 ليبدأ مشواره لتأسيس العمل الحواري للأديان ولينفتح علي العالم الخارجي لنقل الصورة الحقيقية للإسلام من خلال المؤتمرات والندوات العلمية بشكل دءوب فضل فيه العمل في الأزهر علي التدريس والعمل الأكاديمي الذي تعود عليه في باريس فأحب الأزهر ووجدها فرصة سانحة لاستعادة مكانته وقداسته وهيبته العالمية وسعي بعد الثورة لاستعادة دوره التاريخي ومكانته ليظل مؤسسة وطنية جامعة تطلق المبادرات وتوحد الجهود وتحل الخلافات من أجل استقرار الوطن عندما أكد وصرح خلال أحد الندوات بأن الأزهر الشريف تنبع قوته من خلال انفتاحه علي الأخر وعدم انتمائه لأي فصيل سياسي أو ديني أو حزبي لأن الأزهر وعبر تاريخه الطويل لم يكن طرفا في أي معادلة سياسية، وكان الدكتور العزب مؤمنا بأن مصر تقوي بالأزهر وتضعف بضعفه لأنه وكما يري أن الأزهر و القاهرة توأمان لا ينفصلان، وكان مؤمنا بالقدرة علي التجديد والإصلاح في الأزهر في عهد الدكتور أحمد الطيب من خلال برنامجه القوي لحركة إصلاح التعليم بالأزهر وتوسيع آفاق أعماله خارج مصر، وكان من صفاته أنه رحمه الله عالما فذا مقتضبا في حديثه حازما في مواقفه عارفا برؤاه، صادق الوعد والعهد متواضع كريم ذو ذاكرة حاضرة وأخلاق رفيعة وكان طليق اللسان ومحبا للفصحي كسابقيه من إخوانه الأزهريين أصحاب التنوير، وكان قليل الكلام كثير الفعل والأسفار من أجل قضايا الإسلام وحواراته مع الأديان الأخري والعالم محبا لباريس دائم السفر إليها وملبيا لدعوات الكثير من الندوات التي أقيمت بالمركز القافي المصري بإشراف الدكتور محمود إسماعيل ومؤخرا بالمكتب الثقافي المصري برئاسة الدكتورة أمل الصبان والملحق الثقافي الدكتور شريف خاطر . لهذا فقد نعاه مصريون الخارج والداخل وفوق ذلك نعاه بالأمس عبر بيان صحفي صادر عن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بالأمس فقال عنه بأنه كان عالم ذو رؤية وحمية علي الإسلام بجانب وطنيته الكبيرة وعمله الدءوب في تخصص دقيق كما يرجع له الفضل في سنته وفكرته الطيبة بإقامة بيت العائلة الذي أقامه في العديد من محافظات مصر أعاد من خلاله اللحمة والوحدة الوطنية بين الأقباط والمسلمين كما ساهم في لم شمل المصريين بالخارج لانتمائه وحبه لهم وتقديره لجهودهم وأهميتهم في التنمية وكسفراء لبلادهم بالخارج، ولهذا فقد دعاهم من قبل إلي مشيخة الأزهر ومقابلة شيخه الجليل وعرضهم لكل مقترحاتهم في جو من الحب والوئام وضمهم إلي فكرة بيت العائلة الذي أدخل الفرحة والغبطة علي قلوبهم ولهذا فهم قبل مصريون الداخل ينعوه الآن، وقال عنه شيخ الأزهر أيضا أنه أسس لعلاقات إسلامية مسيحية دولية تقوم علي المحبة والاحترام والإخاء وفتح الحوار البناء القائم علي العلم والرؤي لما يسمي بحوار الحضارات والثقافات في روماوباريس وميونخ وكثير من بلدان العالم، كما ذكر ونوه عن جهوده العلمية والفكرية لخدمة الإسلام والمسلمين وخدمة مصر وأزهرها الشريف، ثم ختم شيخ الأزهر نعيه بفقدان الأمة الإسلامية والعالمية لمفكر عالم مات من أجل من والإسلام ومن أجل تحقيق السلام الحقيقي بين الأديان والشعوب هذا السلام الذي كان يسعي لتحقيقه علي مفاهيم التسامح والحق والعدل والتفاهم الفكري والثقافي العميق بين الشعوب، كما نعاه أيضا مفتي الجمهورية وقال بأنه كان عالم كبير لخدمة الإسلام والمسلمين ثم لن ننسي أنه كان بيننا في حفل رؤية هلال رمضان بدار الإفتاء الجمعة الماضية وعلمت منه خلالها نواياه تجاه مشاريع كبري للأزهر والإسلام والمسلمين، وقد نعته أيضا الكنيسة الأرثوذكسية في بيان صحفي أشادت خلاله بوطنية هذا العالم الكبير وفكره المستنير وسعيه لتحقيق الوحدة الوطنية والهوية المصرية وحبه ومثله العليا تجاه الأديان وتجاه أقباط مصر شركاء الوطن ودعامته ثم قدمت الكنيسة نعييها لشيخ الأزهر ولكل المصريين. يذكر أن الدكتور محمود العزب قد تم تشييع جنازته بالأمس إلي مثواه الأخير من مسجد الجامع الأزهر في حضور عدد كبير من محبيه ومن رموز الوطن ومفكريه وعلمائه، رحم الله عالمنا الجليل وأسكنه فسيح جناته بفضل هذا الشهر الكريم.