خلال تجواله بين الأحزاب والاتجاهات السياسية قبل ثورة يوليو 1952 لمعرفة آرائهم وامكانياتهم وما يفكرون فيه.. عرج جمال عبد الناصر علي الإخوان.. بعد أن حاول مع المنظمات اليسارية، والوفد.. ثم مصر الفتاة.. وإن كانت اطلالته علي الإخوان قد طالت لبعض الوقت حيث تعرف علي الشيخ حسن البنا وتبادلا الاعجاب.. والصاغ المتقاعد محمود لبيب.. وأصبح عبد الرحمن السندي صديقا له.. وكذا صلاح شادي وغيره.. وقد قطع عبد الناصر شوطا في تدريب شباب الإخوان علي استخدام السلاح وحرب العصابات.. حتي أن إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء استدعاه، وحقق معه بنفسه في 24 يونيو 1949 حول علاقته بالإخوان ثم حذره من الاستمراره في طريقه.. وهدده.. ولم يكن جمال عبد الناصر وحده من تقارب مع الإخوان فقد سلك نفس المسلك خالد محيي الدين، وعبد اللطيف بغدادي، وحسن إبراهيم ومجدي حسنين وغيرهم من الضباط الذين أصبحوا أعضاء في تنظيم الضباط الأحرار.. وكان السلوك واحدا.. فكلما اقترب ضابط من الإخوان قاموا بتقديمه للبنا.. الذي كان يقدمه بدوره لعبد الرحمن السندي.. رئيس الجهاز السري المسلح.. وكما كان الإخوان يسعون لاختراق الجيش.. فإن التيارات الثورية التي ظهرت بين الضباط كانت هي الأخري حريصة علي الاتصال بكل القوي السياسية والوطنية.. الشعبية والثورية.. سرية أو علنية.. وكانت مهتمة بكسب تأييد الإخوان.. ويكتب الضابط حسين حمودة من أوائل من ارتبطوا بالإخوان وظلوا كذلك حتي النهاية أن حصيلة جهده هو وعبد المنعم عبد الرءوف في تجنيد الضباط لحركة الإخوان أسفرت عن التفاهم مع جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين وكمال الدين حسين وسعد توفيق.. وقد التقي الأربعه مع حمودة وصلاح خليفة وعبد الرءوف في منزل الأخير.. وحضر الاجتماع الصاغ محمود لبيب.. واعتبر السبعة.. الخلية الأولي والرئيسية لتنظيم الإخوان داخل القوات المسلحة.. وتقرر الحاقهم بعبد الرحمن السندي وجهازه السري.. ويكتب مؤرخ إخواني أن جمال عبد الناصر انخرط في الجهاز السري للإخوان وحاول السيطرة عليه.. ولكن الشيخ حسن البنا كان حذرا ونبه رئيس الجهاز السري الأخ عبد الرحمن السندي حين ذاك.. فلم يستطع عبد الناصر الوصول إلي ما أراد وضاق بالجهاز السري وتضايق من رئيسه.. وأخذ يقلل صلته بالإخوان. ومع حماس معظم الضباط الشبان للإخوان بسبب انضباطهم وجديتهم.. فلم يلبث حماس الضباط للإخوان أن فتر مبكرا سنة 1946 فقرروا الابتعاد بحركتهم عن أية صلة بالإخوان وبقائها داخل الجيش.. وتولدت لديهم الرغبة في التحرر من ارتباطهم بالإخوان.. وبدأ عبد الناصر في تحويل ولاء الضباط له.. وعلل ذلك بما لاحظه من أخطاء مثل وقوف الإخوان مع صدقي باشا عام 1946 ضد الحركة الوطنية المعادية للاحلاف، وجنوح الإخوان للإرهاب.. ناهيك عن الشكوك التي أعقبت استقالة د.إبراهيم حسن وكيل الجماعة وطرد السكري نائب المرشد.. وشبهة الاتفاق مع القصر الملكي وحكومات الأقليات وما نتج عن ذلك من استقالات بين أعضاء الجماعة.. واعتراض عبد الناصر علي أسلوب الإخوان لنشر الفكر الإسلامي عن طريق التربية المستمرة.. حتي يمكن الهيمنة علي الأغلبية المعدة اسلاميا لأن هذا الاسلوب سيطول جدا.. وربما يتعذر تنفيذه.. ثم أكد: 'ثم إنه لم يترك لنا نحن ضباط الجيش دورا ملموسا.. وسنكون تابعين لا متبوعين.. '.. ويذكر حسين حمودة أنه كان يزور الصاغ المتقاعد محمود لبيب المسئول عن تنظيم الجيش داخل الإخوان في مرضه الأخير ووجد عنده جمال عبد الناصر.. قال لبيب إنه يشعر بدنو الأجل وسيكتب مذكرة بأسماء ضباط التنظيم السري والمبالغ المتبقية طرفه من الاشتراكات وسيسلمها لعبد الناصر وطالبني بالاستمرار في الرسالة وأن نتعاون مع عبد الناصر.. ويقول حمودة إنه في جنازة محمود لبيب صرح عبد الناصر بأنه لم يخرج من عنده يومها إلا بعد أن استلم منه قائمة بأسماء الضباط ونقود الاشتراكات.. كان جمال عبد الناصر قد قرر التوسع في ضم عناصر جديدة من الضباط خاصة الذين شاركوه محنة الفالوجا.. وأنه لم يتطلب فيهم غير صفتي الشجاعة والكتمان.. ثم أعلن عن قراره لدواعي الأمن قطع كل علاقة أو صلة بعبد الرحمن السندي رئيس الجهاز السري وعندما سئل إن كان سيسمح بدخول عناصر غير متدينة في تنظيم الضباط.. قال: إن التدين الكامل غير متوافر حاليا في أغلب ضباط الجيش.. والحالة السياسية في مصر خطيرة، وتفرض القيام بعمل ايجابي سريع واذا دققنا الاختيار حسب مواصفات الإخوان فسوف يتأخر تنفيذ الثورة.. وربما قد لا تحدث علي الاطلاق.. ثم تقرر اطلاق اسم الضباط الأحرار علي التنظيم حتي يتم استبعاد شبهة التبعية للإخوان.. كما تقرر أن يقوم كل ضابط بتشكيل عدة خلايا في سلاحه.. وكان رأي عبد الناصر أن التقيد بمسألة التدين الظاهر سوف يفقد الحركة قاعدة عريضة من الضباط الوطنيين.. والثابت أن جمال عبد الناصر قد قطع علاقة الضباط بالإخوان نهائيا.. وقد حدث خلاف بينه وبين عبد المنعم عبد الرءوف أقدم ضباط الإخوان.. حول تبعية تنظيم الضباط الأحرار وقد رفض عبد الناصر وبقية الضباط التبعية للإخوان.. فانسحب عبد المنعم من لجنة القيادة.. وقد أثير هذا الخلاف عندما قام جمال عبد الناصر وعبد الرءوف وكمال حسين بزيارة عبد الرحمن السندي بمستشفي قصر العيني وكان محبوسا في قضية السيارة الجيب وكان بين الزائرين خلاف كبير في الرأي.. قال جمال إن منهج الإخوان طريق طويل لن يوصل إلي شيء.. فما جدوي أن يجتمع الضباط لحفظ القرآن والحديث ودراسة السيرة..؟ وما ضرنا لو انضم إلينا ضابط وطني من غير دين الاسلام.. هل نرفضه؟ وقال عبد المنعم عبد الرءوف: نعم لأننا مسلمون نهدف إلي قيام دولة مسلمة.. واقترح عليهم عبد الرحمن السندي عرض الخلاف علي المرشد العام.. الذي قال: إننا أمام أمر واقع.. فنحن نري مجموعة تتحلل من التزاماتها.. وليس هناك بد من قبول ذلك.. وليس في الامكان إجبارهم علي غير ذلك.. ومن ثم أصبح جمال عبد الناصر الشخص الوحيد المسئول عن تنظيم الضباط الأحرار.. والذي يمسك بكافة الخيوط في يديه. وما زلنا نقترب من عبد الرحمن السندي.. وعالمه..