مصرتعاني وجعا.. الوطن مستهدف بالوجيعة المقصودة لذاتها، والغضب في حالتها مشروع.. من اقترفوا الإثم حيالها هم في .الواقع مرضي بحب الذات أنانيون.. أتحدث بمرارة عن سياسة إسكان الانفتاح السداح مداح وتجارة العقارات، وان كان لها شيء من المردود بأرقام مؤسفة، عند بعض الأيدي العاملة المؤقتة.. عمالة بالملايين، لا تأمين لها من معاش أو ادخار أو تأمين صحي ليس هناك نقابات تضمهم وترعي مصالحهم، عيشهم مرهون بنهو الوحدات السكنية وتسليمها لملاكها، بنايات شيدوها نهارا، ليناموا في العشش الصفيح وعلي الأرصفة ليلا.. أزمة أخلاق اسكاني وتفاوت طبقي رهيب، لم يحدث في أعتي الدول الرأسمالية. شقق فاخرة للتمليك بالملايين للسادة الموسرين، ومساحاتها مضمار خيل، يقابلها شقق 63 مترًا، تبعث علي الاكتئاب، مخصصة للفقراء ومحدودي الدخل، زنازين أسمنتية للعقاب الإسكاني وليس للسكن الآدمي، وبأسعار لا يقدر عليها السواد الأعظم من المصريين.. عمالة تجارة العقارات لا تعرف العيش الكريم.. لو انك القيت نظرة علي خريطة الإسكان في مصر الانفتاح، لرأيت العجب العجاب، الصورة ونقيضها.. الأبراج العالية المضاءة ليلا وينعكس ضوؤها علي صفحة النيل، وأبناء النيل بالملايين يسكنون العشوائيات.. لو كان لك نصيب من ليلة القدر ونظرت من نافذة برج من الأبراج المطلة علي النيل، لرأيت ما يوجع القلب، مراكب من خشب 'فلوكة' تحمل الغلابة من الصيادين، يجوبون النيل من الشمال الي الجنوب، في سبيل رزق يوم بيوم، يأتي ساعة، وساعات النيل بها يضن، تسكنها وتعيش فيها عائلة من خمسة أفراد، نصيب الفرد فيها، لا يزيد علي عشرة سنتيمترات، لا تكفي للنوم واقفًا.. النيل زرعوا شواطئه نوادي وملاهي ليلية للمترفين أصحاب الصوت العالي.. وعلي بعد أمتار من كورنيش أبراج النيل، تري تعساء الوطن، يسكنون العشش الصفيح.. أشفق علي الحاكم وأولي الأمر من وزراء إسكان انفتاح السداح مداح، أشفق عليهم من دعوات المظلومين. أقيم في مصر لأيام خلت من هذا الشهر، معرض تحت مسمي 'سيتي سكيب' لم يجذبني ولا لفت انتباهي، غير صفحات إعلانات مستفزة عن قصور وفيلات ومنتجعات بالملايين.. إعلانات وصلت صفحاتها في جريدة يومية إلي 80 صفحة 'كتاب' وفي مصر أحياء وعشوائيات تشكو الفقر والحاجة.. ارهقتني نظرات التأمل في بساتين تلك الإعلانات، حمامات سباحة بالمئات، ملاعب جولف بعشرات الأفدنة لسكانها المترفين مع مساحات النجيلة الخضراء تلهف ملايين الأمتار المكعبة من المياه، وأزمة مياه بلغت حد الفقر المائي.. السوبر ماركتات، الهيبرات ماركت، تستورد بالعملات الحرة، ثلاثمائة وخمسة وستين صنفًا من الجبن، بعدد أيام السنة.. مدائن الفيلات والقصور بجهاز أمن خاص، بينما هناك انفلات أمني وتهديد بالإرهاب، علي كل شبر وعلي بعد أمتار من تلك المدائن.. خبل إسكاني، إرهاب عقاري.. مجتمع رفاهية العشرة في المائة، هم فقط الأحياء.. من يحدثنا عن حجم الاستثمارات في المدن والمنتجعات في القاهرة والإسكندرية؟! مليارات الجنيهات عجنتها سياسة رفاهية السفه الإسكاني بالأسمنت والرمل ودفنتها في باطن الأرض، لو أن هذه الاستثمارات استخدمت في بناء مصانع، أو لإدارة تروس المصانع المتعثرة المغلقة، لاستوعبت الأيدي العاملة التي تسكن الأرصفة، ترجوا وتحلم بفرصة عمل، وما شكونا اليوم البطالة وقلة المشروعات المنتجة والتصديرية، وما سنجنيه من عملات حرة، وإضفاء قوة لاقتصادنا، بديلا عن المعونات التي تهين كرامة المصريين، وبهم يتحقق شعار 'عيش – حرية – كرامة إنسانية' أين الكرامة الإنسانية وقد غاب ذاك الشعار وراء هذا السفه العقاري؟! يبقي حديث استعمار سواحل ومنتجعات شواطئ البحر الأحمر والأبيض والأخضر، لمتعة ورفاهية جيل أو جيلين علي الأكثر وبالوراثة ولا حق ولا نصيب للمتعة والرفاهية للأجيال المصرية القادمة من أبناء البطة السوداء وعصور حكومات الأبهة والحراسات من ورائهم ومن خلفهم بالنظارات السوداء.. لن أزيد مرارتي في الحكي عن وطن ضاع، وشعب استعبدته رؤوس أموال مجهولة المصدر، وأحزاب مهترئة ولا عزاء للحفاة العراة.