طالما أجمعنا علي ان المهندس ابراهيم محلب رجل لديه القدرة علي شغل منصب رئيس الوزراء في تلك الفترة الحرجة واتفق الرأي العام علي انه يتحلي بالنزاهة والجدية والكفاءة ولا يعنيه سوي صالح هذا البلد فإنه من غير المتصور ان يصدر قرارا عن حكومته برفع الاسعار علي الفقراء والكادحين والمعدمين، أقول ذلك لأننا رأينا الرجل لا يتواجد في مكتبه ويحرص منذ ان تولي مهامه علي ان ينزل إلي الشارع ويقترب من الجماهير ويستمع إلي شكاواهم ويتابع أولا باول ما قدمته الحكومة لهم. وبالطبع ومن هذا المنطلق لابد ان يكون محلب علي دراية كاملة بحال هؤلاء المعدمين الذي ساء إلي أقصي حد خلال السنوات الثلاث الماضية سواء بسبب حكم الإخوان او بغياب الأمن. ليس غائبا عن محلب ان البطالة ارتفعت وقفزت إلي معدلات غير مسبوقة وليس غائيا عنه ان الاسعار كذلك قفزت لتناطح السحاب وليس غائبا عنه حال العاملين بالسياحة وأنشطة أخري عديدة وتخفيض المرتبات الذي أصبح شائعا بل عدم صرف المرتبات لعدة أشهر في مواقع عديدة إضافة إلي الكوارث التي نتجت عن انقطاع التيار الكهربائي وتأثيره علي المصانع والعاملين بها، فنجد مثلا العامل الذي كان يتقاضي أجرًا عن ست ساعات أصبح يتقاضي أقل من نصف هذا الأجر نتيجة التوقف المستمر للمصنع مع أزمة الكهرباء المدمرة وبناء عليه هل من المعقول ان يخاطر محلب ويتخذ قرار رفع أسعار الغاز والكهرباء في تلك الفترة العصيبة الكالحة؟ بالطبع لا احد يعترض علي رفع السعر علي مستوي فواتير القادرين وميسوري الحال بل إنه بات أمرًا وجوبيًا فليس معقولا ان نجد فاتورة الغاز لمن يسكن في القطامية حيث الفيلات والقصور نجدها بعشرة او عشرين جنيها ولا يضير القادر لو تم رفع هذه الفاتورة إلي مائة او حتي مائتي جنيه بل يمكننا القول إن الحكومة لو رفعت سعر الغاز علي الطبقات القادرة يكون قرارها قد جاء متأخرًا للغاية. لكننا علي الجانب الآخر لا نتصور ان محلب القريب بل القريب للغاية من الكادحين والذي نسجل له أنه لم يجلس في برج عاج معزولا عنهم، لا نتصور ان الرجل عازم علي اتخاذ قرار بتحميلهم أي أعباء جديدة لانه طالما هو قريب منهم فهو يكون علي يقين كامل انه ليس في مقدورهم تحمل أي زيادة في أسعار الطاقة مهما كانت متواضعة ولقد سمعنا تصريحات من مسئولين تنفي تلك الزيادة وجعلها قاصرة علي القادرين، لكن المواطن المعدم ما زال متخوفا والتخوف بالطبع ناتج عن سوء أحواله وضعف قدراته وربما نجد من يقول إن طبقات محدودي الدخل يمثلون أغلبية كاسحة وكثير منهم يسرفون في استهلاك الطاقة وبناء عليه يكون رفع السعر عليهم وجوبيًا لترشيد استهلاكهم خاصة ان استهلاك الكادحين هو المؤثر بالفعل وإذا كان الامر كذلك فلا اعتراض علي رفع السعر وفقا للشرائح مع الاخذ في الاعتبار عدم تحميل الشرائح الدنيا أي زيادة لانه لو كان هناك إسراف في الاستهلاك فهو بالطبع ممن لديهم خمسة وستة أجهزة تكييف في مساكنهم لا تتوقف وتعمل ليل نهار هنا يصبح رفع السعر إلي اقصي حد وجوبيا كذلك الطبقات المتوسطة ربما يكون هناك إسراف والإسراف لابد ان يواجه برفع السعر حتي يتحول إلي ترشيد، اما المعدمين فهم مرشدون بالفعل حتي يوفروا الغذاء لأبنائهم وبالتالي لا يجب الاقتراب منهم. لو استرجعنا سنوات مضت نجد ان السادات قد رفع أسعار سلع غذائية بزيادات طفيفة للغاية ومع ذلك قامت الدنيا ولم تقعد والكادح في زمن السادات كان أحسن حالا وكان قادرا علي تحمل تلك الزيادة ومع ذلك رفضها ولم نكن نسمع حينئذ عن فقراء يلتقطون كسرة خبز من صناديق القمامة، اما في زماننا هذا أي زيادات في سعر الطاقة تعني خرابا ودمارا للأسر الفقيرة المعدمة ولا نريد بالطبع ان ترتفع أعداد من يلتقطون غذاءهم من القمامة وان تتزايد الجرائم وكفانا ما نراه بأعيننا في تلك الايام العصيبة اننا نثق ان المهندس محلب لن يحمل الكادحين أي أعباء إضافية لانه كما أشرنا أعلم بحرمانهم ومعاناتهم ومواجعهم لن يحملهم مهما كان تحميلهم يمثل ضرورة واقعية ومنطقية لاقتصادنا المترهل, لن يحملهم لأنه يدرك جيدًا عواقب مثل هذة القرارات في هذا الزمان الصعب. [email protected]