يوم الأحد المقبل الموافق للثالث والعشرين من مارس الجاري تجري الانتخابات البلدية في فرنسا، وعادة ما تشكل نتائج تلك الانتخابات مؤشرًا هامًا علي مستقبل الأحزاب بها عندما تحسم نتائجها لحزب معين وهي التي ظلت نتائجها سجالا وصراعا بين اليمين واليسار بالسيطرة علي البلديات. وتأتي الانتخابات هذه المرة عاصفة ولا يتكهن أحد بنتائجها بسبب فقدان الشارع الفرنسي الثقة في الأحزاب اليمينية واليسارية علي السواء، فأكثر رموز وقيادات الأحزاب اليمينية متهمة بالفساد كما تنتشر بينها الاختلافات والانشقاقات وعلي رأسهم الرئيس السابق ساركوزي المتهم في قضايا خطيرة تتدخل في نطاق التحايل غير القانوني لتحقيق مصالحه الخاصة والتي تم رصدها من المقربين إليه ومن خلال وسائل التنصت التابعة لوزارة العدل الفرنسية والتي تهدد بعدم عودة ساركوزي إلي العمل السياسي مرة أخري، وفي المقابل فإن الاشتراكيين مهددون بخسارة كثير من أماكنهم في الكثير من البلديات وبخاصة في المدن الفرنسية ولربما يكون الرابح الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبن التي أثبتت الاستبيانات الأخيرة زيادة في شعبية الحزب منذ زعامتها له بسبب فقدان الفرنسيين الثقة في الأحزاب الأخري لعدم تحقيقها لوعودها وبخاصة خلال فترة ساركوزي السابقة وفترة حكم هولاند الآن. شهدت فرنسا حملة واسعة من خلال أئمة المساجد والمجلس الإسلامي بها لإشراك المسلمين في تلك الانتخابات لرسم معالم الخريطة السياسية بفرنسا بعد أن أدت نسبة مشاركتهم السابقة في صعود هولاند إلي الرئاسة مما جعله يطرح في برنامجه الانتخابي إمكانية إشراك حاملي الإقامة من الجنسيات الأخري في المشاركة في الانتخابات البلدية سعيا منه لضمهم إلي الحزب الاشتراكي وهو ما لم يحدث حتي الآن، هذا في الوقت الذي يري فيه المحللون الأوروبيون أن مستقبل أوروبا السياسي والاجتماعي خلال العشرين السنة المقبلة قد يصنعه المسلمون بسبب نسبتهم المتصاعدة بين نسبة عدد سكان أوروبا. من جانب آخر هناك تنافس نسائي لأول مرة علي بلدية باريس الخاضعة منذ فترة طويلة لعمدتها برتلان دي لانوي بين وزيرة يمينية سابقة وأخري يسارية من جذور أسبانية مشهود لها بالكفاءة وتعمل منذ عشرة أعوام بمقر بلدية باريس، وسميت المعركة بينهما بالمعركة بين النجمة والحارسة، وقد أجري مؤخرا استطلاع للرأي حول نتائج تلك الانتخابات أفاد بحصول حزب الجبهة الوطنية علي نسبة تقارب ال39% مقابل تراجع كل من أحزاب اليمين وخسارة كبيرة للاشتراكيين وأن المدن الفرنسية هي التي ستحقق المفاجآت، وأثبت الاستطلاع أيضا أن واحد من أصل خمسة عبر عن رأيه في معاقبة فرانسوا هولاند بعدم الذهاب إلي الانتخابات وثلاثة من كل خمسة لا ينوون انتخاب الاشتراكيين بسبب عدم تحقيقهم للوعود التي كانوا قد وعدوا الفرنسيين بها مما جعلهم يشعرون بخيبة الأمل بعد انتشار الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار والكثير من المشكلات الاجتماعية بما فيها مشاكل المهاجرين لانشغال هولاند بالسياسة الخارجية لفرنسا وبخاصة في الدول الإفريقية بإرساله للقوات الفرنسية إلي مالي وأفريقيا الوسطي ومساعدة كل من نيجريا والصومال في مكافحة الإرهاب علي حساب المصالح الداخلية، وفوق كل ذلك فإن القاعدة الشعبية الفرنسية سوف تعاقب الحزب الاشتراكي وتقاطع الانتخابات بسبب العلاقات الشخصية المخجلة مؤخرا للرئيس الفرنسي وعلي رأسها علاقاته النسائية التي أساءت كما يرون إلي شخصية الرئاسة الفرنسية ومكانتها الرمزية والأخلاقية بما لا يتوافق مع رئاسة الدولة، ولكل ذلك سوف يتم عقاب الاشتراكيين وعقاب الأحزاب اليمينية أيضا من جانب الشارع الفرنسي ليصبح حزب الجبهة الوطنية بأفكاره وتوجهاته هو الرابح الأكبر في تلك الانتخابات باعتباره القوة الثالثة الآن لحل الأزمات الفرنسية وأمل الحزب في تحقيق نتائج كبيرة في الانتخابات الأوروبية في الصيف المقبل وصولا إلي الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة ما لم تحدث المفاجآت التي عودنا عليها الشعب الفرنسي في الكثير من انتخاباته.