يصادف اليوم الذكري الحادية عشر علي رحيل الشيخ القارئ عبد العزيز حربي الذي يعد من عمالقة مقرئي القرآن ترتيلا وتجويدا وسط مائدة قرآنية مصرية كبيرة أثبتت في عصرها الذهبي أن مصر هي البلد التي صدرت مدارس التلاوة القرآنية إلي بلدان العالم الإسلامي بلا منازع. ولد الشيخ عبد العزيز حربي في الثاني من أكتوبر عام 1920 ونشأ في منطقة الزهراء بعين شمس وحفظ القرآن في طفولته علي أيدي أكبر المشايخ في زمانه وقرأ القرآن بمدارس ومذاهب مختلفة وأحب المديح والإنشاد الديني والانتماء إلي الطرق الصوفية وكون صداقات كبيرة مع مشايخ عصره وهو العصر الذهبي لمقرئي القرآن في مصر، وقد جاهد كثيرا وأدي اختبارات مختلفة تجاوزها حتي كتب الله له النجاح والقبول بالإذاعة المصرية عام 1939التي كانت موجودة بشارع الشريفين في زمانه وكان كثيرا ما ينتقل إليها ماشيا من عين شمس لأداء واجبه من قراءة وأذان علي الهواء مباشرة وكما يروي أبناؤه وأصدقاؤه بسبب ندرة وسائل المواصلات في تلك الفترة. كان الشيخ حربي ومعه رفيق عمره الشيخ فتحي المليجي ينتميان في القراءة إلي مدرسة الشيخ مصطفي اسماعيل، قال عنه الشيخ الشعرواي إذا أردت صوتا قويا قادر علي تصوير الآيات القرآنية فاستمع إلي الشيخ حربي ويرجع ذلك إلي أنه كان إذا ذكر الجنة جعل المستمع يشعر بجمالها ومباهجها، وإذا ذكر النار فإنه يشعر في النفوس الخوف والرهبة منها وهو ما لا نجده في الأصوات الحالية الآن، وقال عنه الشيخ أبو العنين شعيشع أن صوته كالجبل بسبب الرهبة التي كان يدخلها علي النفوس وبسبب قوة الصوت وجمال التلاوة بسبب صوته الجلي وقيل أيضا أنه عندما كان يتلو كأن الحوائط أيضا كانت تستمع إليه بسبب إبرازه للمعاني القرآنية وقدرته الفائقة علي تطويع صوته لتصوير المعاني والقصص القرآني وتمكنه في معايشة النص القرآني أداءا ومعني ، وقال عنه الشيخ عطية صقر أنه معجزة لن تتكرر، وقال عنه بعض النقاد أنه صاحب السورة والصورة، صاحب السورة لجمال تلاواته القرآنية ومنها سورة البقرة ومريم ويوسف وفصلت وفاطر وغيرها من السور، وصاحب الصورة لأن الله قد وهبه بسطة في الجسم وجمال الوجه وأزاد الشيخ رحمه الله لي ذلك اهتمامه الشديد بملابسه الفضفاضة والجميلة التي تناسب شرف أداء القرآن لأنه يعتبر من جيل العمالقة وكان سفيرا ذو قيمة كبيرة لمصر في البلدان العربية والإسلامية وغيرها من البلاد التي سافر إليها في مهمات دينية واحتفالات إسلامية وغيرها من المهمات الخارجية. لقد كان هذا الشيخ يمشي ونور القرآن والتلاوة تتلألأ منه وقد أجاد وأفاض حتي ترك لنا كنزا من العطاء يضاف إلي ذخائر عطاء مقرئينا القدامي الذين خصوا مصر بصفة جميلة تؤكد من خلال تميزها وتفردها في أداء وتلاوة وترتيل القرآن بأنها في رباط إلي يوم القيامة، جزانا الله خيرا بهم وبما تركوه لنا ولأجيالنا حتي نراهم وكأنهم بهذا النور الرباني يعيشون بيننا ومهما أعطيناهم حقهم فلن نوفيهم هذا الحق لأن الله هو الذي سوف يجازيهم علي هذا العطاء الذي لا ثواب عنده إلا الدرجات العلي من الجنة، وقد ترك لنا هذا الشيخ ذرية طيبة من أبنائه وأحفاده لمواصلة مشواره وعطاؤه في أداء القرآن وبخاصة صوت حفيده الشاب محمد سعيد عبد العزيز حربي الذي سيكون له مستقبل باهر في التلاوة بين مقرئينا الآن، رحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته.