في أواخر عام 1990 كان مصطفي مشهور في السبعين من عمره.. ويشغل منصب نائب مرشد الإخوان المريض 'حامد أبو النصر'.. وقد أعد تقريرا حول إعادة تقييم المرحلة الفائتة من عمر التنظيم الدولي للإخوان والتي قاربت العشر سنوات.. وتقدم بذلك التقرير الذي يوصف في جميع الدراسات ب 'الخطير' إلي مؤتمر قادة التنظيم الدولي الذي انعقد في مدينة اسطنبول بتركيا في العام نفسه 1990.. وقد اهتم بذلك التقرير اللواء فؤاد علام 'الاخوان.. وأنا'، مكرم محمد أحمد 'مؤامرة أم مراجعة'، عبد الرحيم علي في العديد من دراساته.. وقد أشرنا إليه في عدة مواضع.. وعندما نعود إليه الآن بشيء من الاهتمام فحتي نؤكد حقيقة خطورة وبُعد نظر 'مصطفي مشهور' الذي توقف في تقريره عند نقاط ربما لم يرها غيره مع أنها شكلت محطات هامة، ومأزقا خطيرة لم تهدد بقاء واستمرار التنظيم الدولي للإخوان فقط وانما هددت وجود الإخوان ذاته.. وفي مصر أساسا ثم في البلدان العربية، ودول العالم.. وقد ناقش تقرير 'مشهور' ثلاث قضايا حساسة وهي: مسألة الاستعانة بنظام علي آخر وكلاهما علماني 'العراقي ضد السوري، والليبي ضد التونسي وما سببه ذلك من بلبلة للإخوان وضغوط سياسية علي الجماعة، واضطرارها لإعلان الهدنة مع أحدهما والتغاضي عن سلبياته. قضية الدخول في تحالفات سياسية مع أحزاب علمانية لأهداف انتخابية كما حدث في مصر. ثم قضية المشاركة في الحكم في ظل حكومات غير إسلامية كما حدث خلال فترات مع سوريا والسعودية والأردن. وكلها قضايا أساسية تسببت في زلزلة الجماعة واضطرابها، واتهامها بالانتهازية.. كما تسببت في انشقاقات خطيرة.. وتمرد العديد من الفصائل الإخوانية في السودان والمغرب والأردن.. والقول جهارا نهارا بإن أفكار البنا وسيد قطب لم تعد مقدسة.. إلي القضايا والأزمات التي فجرتها تلك القضايا والمواقف والتي يطول شرحها والخوض فيها. وركز التقرير تقرير مصطفي مشهور علي قضية بناء الأجهزة.. وقال بوضوح 'إنه لا أحد يستطيع أن يجزم أن أجهزة التنظيم الدولي قد استكملت.. بسبب كثرة التغيير في مكان وأعضاء ومسئولي الأجهزة وعدم الاستقرار أو تفرغ الكفاءات البشرية المتخصصة، فضلا عن عدم استجابة الأقطار لتلبية حاجات تلك الأجهزة سواء في مجال المعلومات أو التواصل الجيد، وتعثر الموارد المالية.. الأمر الذي أدي لتوقف بعض هذه الأجهزة ومنها: جهاز الطلاب جهاز نشر الدعوة جهاز الجهاد الجهاز المالي، واقتصار الجهاز الاعلامي علي لجنة اعلامية مصغرة'.. ثم ينتقل تقرير مصطفي مشهور إلي أخطر المناطق في تقريره ورؤيته لمنهج العمل بالنسبة للإخوان قطريا، وقوميا، ودوليا.. وكأنه يحدد منهجا للإرهاب الذي هو الوسيلة المثلي، والأكثر فاعلية.. وانجازا.. ولعل أخطر ما جاء في هذه الناحية: عدم اعتماد طرق محددة ومشروعة في عملية التغيير الأمر الذي جعل الجماعة ضائعة 'حيال حرائق ومشاريع قطرية مرتجلة وغير مدروسة، وغير مجازة من القيادة المركزية'.. عدم الحسم في عدد من القضايا المهمة والرئيسة مثل 'المشاركة في الحكم، واعتماد العنف، ومشروعية العمليات الانتحارية.. ومشروع التحالف مع الأنظمة، والدول غير الإسلامية.. وجواز الاستعانة بغير المسلمين.. إلخ'.. قصور الأجهزة المركزية عن التعامل الواعي والفوري والفعال مع الأحداث.. وعدم إمساكها بناصية القرار المركزي والقطري وذلك يعود إلي ضمور الكفاءات المعتمدة مركزيا بالرغم من توافرها قطريا. عدم وجود خطوط حمراء لصلاحيات القيادة والتنظيمات القطرية وبخاصة ما يتعلق بالسياسات الاقليمية والدولية واعلان الثورات والمشاركة في الحكومات الأمر الذي خلق آثارا سلبية علي الجماعة مركزيا وقطريا. تعدد التيارات الإسلامية والتجارب المستقلة علي امتداد العالم الإسلامي 'في غيبة إمساك الإخوان بمقاليد الأمور لهذه التيارات وقيادة جماهيرها.. مثل جبهة الانقاذ في الجزائر، والتوحيد في لبنان، والجبهة القومية الإسلامية في السودان.. وألمح التقرير إلي بروز قيادات فكرية وشرعية وحركية لها حضور وتأثير ونفوذ عالمي يفوق نظيرتها المصرية المركزية مثل التونسي راشد الغنوشي واللبنانيين فتحي يكن وفيصل مولوي.. والسوداني حسن الترابي والمصري المهاجر كمال الهلباوي.. في مقابل التآكل الذي طال القيادات المصرية إما بالوفاة أو الانفصال أو التهميش. وقد أفاض تقرير مصطفي مشهور في ايضاح خطة 'التمكين' التي وصفها عبد الرحيم علي بأنها أخطر وثائق الإخوان السرية علي الإطلاق، وهي تتعلق بخطة الإخوان من أجل الاستيلاء علي الحكم.. والتي ضبطت كخطة منفصلة في منزل خيرت الشاطر عام 1991 أي بعد تقرير مشهور بعام واحد.. تحت عنوان 'التمكين' التي تقول عنه الوثيقة بالحرف الواحد: 'هو الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة علي إدارة أمور الدولة، وذلك لن يتأتي كما أكدت الوثيقة بغير خطة شاملة تضع في حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة في طبقات المجتمع الحيوية.. وفي مؤسساته الفاعلة مع الالتزام باستراتيجية محددة في مواجهة قوي المجتمع الأخري والتعامل مع قوي العالم الخارجي.. وعلي الرغم من رواج الفكرة القائلة بضرب خطة 'التمكين' ضمن ضرب مجموعة شركة سلسبيل، في القضية الشهيرة عام 1992.. إلا أن المتابع يري بسهولة تفاصيل خطة 'التمكين' وقد اتخذت شكل الحقيقة بعد اطمئنان الإخوان لنجاح ثورة 25 يناير 2011 وقرارهم بالمشاركة علي هدي خطة مصطفي مشهور لقلب نظام الحكم وأولها ضرب جهاز الشرطة في مقتل واستباحة أمن الدولة، والسيطرة علي وسط المدينة، وتهريب السجناء والقيام بسلسلة من الاغتيالات والترويع بمساعدة عناصر خارجية مدربة.. واستدعاء قواعدهم في الأقاليم إلي ميدان التحرير.. للجهاد في سبيل الله.. وما زلنا مع.. مصطفي مشهور.