توقع الكثيرون فشل مؤتمر 'جنيف 2'، حتي قبل أن يعقد، في إحراز حل سياسي للأزمة في سوريا. ذلك أن التوصل إلي اتفاق سياسي لم يكن ليتم تحت مظلة الارهاب الذي سلطه الغرب علي سوريا وتضافرت معه دول إقليمية قامت بدعمه. ولهذا ومنذ اليوم الأول من انعقاده الأربعاء الماضي ظهر الاختلاف الكبير بين طرفين: الدولة السورية، والمعارضة الممثلة بالائتلاف والتي تحظي بدعم أمريكي غربي في الأساس حول مطلبها بتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة. وكأني بالغرب الذي تتصدره أمريكا يريد تسليم السلطة في سوريا للارهابيين والتكفيريين آكلي لحوم البشر. ولا غرابة، فلقد تعاملت أمريكا وبريطانيا وفرنسا مع سوريا وكأنها محمية تابعة لهم. ومن ثم راحوا يرسمون السيناريو الكامل لإقحام أنفسهم في الشأن الداخلي لها والاجتراء علي خرق سيادتها لفرض ما يرتئونه من حلول بالقوة الجبرية. ظنوا أن بإمكانهم سحب الشرعية من الرئيس السوري ومنحها للإرهابيين المرتزقة الذين جاءوا بهم من أقاصي الأرض لتدمير الدولة من خلال عمليات القتل والإبادة الجماعية التي قاموا بها ضد الشعب السوري.!!نسي الغرب أو تناسي المبدأ الذي يقول بأنه لا يحق لأحد في العالم منح أو منع الشرعية عن الرئيس إلا الشعب هو المتكفل بذلك. نسي الغرب أن تغييبه لأي أفق سياسي منذ البداية ودعمه للإرهابيين هو الذي أدي إلي انتشار جماعات التكفير والتطرف وهي الجماعات التي هددت مستقبل سوريا والسلم الإقليمي بجملته. لقد بدا المؤتمر منذ البداية عبثيا بامتياز في ظل عدم الوضوح بالنسبة لآليات التفاوض لا سيما أن الوفود التي جاءت وشاركت فيه جاءت بدون هدف واضح انتظارًا لما تقرره أمريكا ومن والاها سواء علي صعيد الدول الأوروبية أو تركيا ومن تضافر معها من الدول العربية، فهل غاب عنهم أن الحكومة السورية لم تأت إلي المؤتمر لتسليم السلطة وإنما جاءت من أجل إيضاح الصورة للعالم من أن الارهاب هو الذي يقض مضاجع السوريين وأن الأساس الواجب الركون إليه في اجتماع 'جنيف 2' يجب أن يكون حول وقف الارهاب وعودة الأمن؟ وهل غاب عن الغرب ومن شايعه بأن المعارضة ليست متماسكة فهي مشتتة ومشرذمة ومنهكة داخليا، وأن ترتيب البيت الداخلي لها قضية مهمة للغاية لا سيما بعد أن فشلت الجهود لتوحيدها؟ ورغم ذلك شرع الغرب ومن والاه في محاولة تمرير مطلب المعارضة الهادف إلي تشكيل هيئة حكم انتقالي وسحب الشرعية من الدولة السورية. وغاب عنهم أن الشعب هو الذي يتخذ هذا القرار وليس الخارج وليس معارضة عميلة محسوبة علي الخارج. ولو أن الغرب أراد عن حق نهاية فورية للنزاع في سوريا لسعي إلي تحقيق ذلك بوقف الارهاب الذي سلطه علي الدولة من أجل تدميرها. وهنا يظهر التباين الكبير بين موقف الغرب المحرض ضد الدولة السورية وبين موقف روسيا المتشبث بالمعايير والقيم الدولية ومن ثم رأينا 'لافروف' وزير خارجيتها يؤكد في خطابه أمام المؤتمر علي المسؤولية التاريخية، وعلي أن الهدف الرئيسي هو احترام سيادة سوريا وإنهاء المعاناة وعدم فرض الحلول بالقوة. كان يتعين علي الدول العربية وهي تتعامل مع قضية تخص دولة شقيقة أن تدرك هي الأخري أنها بصدد مسؤولية تاريخية لانقاذ سوريا من الحرب الكونية التي تم تسليطها عليها وهو ماكان يتطلب إنهاء التدخلات الخارجية وتدفق السلاح ووقف دعم المرتزقة الارهابيين ووقف مدهم بالسلاح والمال والتدريب والاعلام المحرض مع التمسك بمبدأ عدم فرض الشرعية من الخارج. وصدق' وليد المعلم' وزير خارجية سوريا عندما وجه الكلام مباشرة إلي 'جون كيري' قائلا: 'لا أحد في العالم ياسيد كيري له الحق بإضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون في سوريا إلا السوريون أنفسهم'.