'ست خاينة.. جوزها رجع من الشغل قبل ميعاده، فسألته: إنت إيه اللي رجعك دلوقتي؟!.. وقبل أن يجيبها، خرج راجل غريب من أوضة النوم!!، فسألها جوزها: مين ده؟.. ردت عليه غاضبة: ما تغيرش الموضوع، إيه اللي رجعك بدري؟!!'. حقيقة.. ما يجري هذه الأيام علي خلفية التسريبات الأخيرة، يذكرني بهذه النكتة الشهيرة!!.. فبمجرد إذاعة المكالمات التليفونية المنسوبة لعدد من النشطاء السياسيين، 'أحمد ماهر وأسماء محفوظ ومصطفي النجار وابن القرضاوي، وغيرهم'، بدأت حرب التصريحات والبيانات تتصاعد، وراح الناشطون المتهمون بالحصول علي تمويل أجنبي، أو من طالتهم التسريبات، يتحدثون علي طريقة السيدة 'الفاضلة!!' بطلة النكتة، دون أن يقدموا إجابات شافية عن حقيقة ما دار في هذه المكالمات. فهذا الناشط السياسي يُصدر بيانًا ناريًا يتساءل فيه: 'من أين جاء عبد الرحيم علي بهذه التسريبات، بعد نفي وزارتي الداخلية والاتصالات علاقتهما بها؟!!'.. وهذه الناشطة تصرخ للصحف مندهشة: 'التسريبات.. خرق للقانون وانتهاك للحقوق والحريات'. وآخر يطرح السؤال 'الصعب!': 'ما هو الغرض من إذاعة المكالمات؟.. ولماذا الآن؟'. وآخر يقول: 'عبد الرحيم علي، عميل أمن دولة ومتواطئ مع الفلول'. ورغم خطورة التسريبات التي كشف عنها الزميل 'عبد الرحيم علي'، في برنامج 'الصندوق الأسود' الذي يقدمه علي قناة 'القاهرة والناس'، لم تزعجني سوي قضية تلقي بعض نشطاء 6 أبريل وغيرهم من السياسيين تمويلات من دول أجنبية. بالطبع ما كشفت عنه المكالمات، أمور كثيرة وخطيرة، من عينة: تعدد العلاقات النسائية 'كما هو الحال مع ابن القرضاوي'، أو سرقة محتويات مقار أمن الدولة الثمينة وسرقة الملفات لمساومة أصحابها 'كما هو الحال مع أحد الناشطين ويدعي سوكة'، أو فبركة بعض المستندات 'كما هو الحال مع مصطفي النجار'.. لكنها في تقديري، اتهامات يمكن التجاوز عنها، فمسألة علاقات النشطاء النسائية المشبوهة، أو السرقة أو غياب الضمير، أمور شخصية تخص أصحابها، وحسابها بين العبد وربه. أما قضية تلقي الأموال من أمريكا وغيرها، فستبقي في الضمير الوطني خيانة لا تُغتفر، مهما يحاول البعض تجميلها، أو تبريرها ببعض العبارات الجذابة مثل: 'نشر الديمقراطية' أو 'تأهيل المجتمع المدني'، أو 'دعم المرأة وحقوق الإنسان'، وغيرها. فالحركة الوطنية المصرية لها ثوابت وأفكار حاكمة تُعلي من قيم السيادة الوطنية، وترفض الاستقواء بالغرب، أو الحصول علي الأموال من الخارج تحت أي مسميات، وقد استقرت هذه القواعد في الضمير الوطني عبر عقود من النضال ضد الاحتلال المباشر قبل ثورة يوليو وغير المباشر الذي تعانيه مصر بعد كامب ديفيد، واسألوا أنفسكم: لماذا كان يحرق المصريون العلم الأمريكي وصور أوباما في ثورتي يناير ويونية؟.. ولماذا كانوا يرفعون صور عبد الناصر.. ولماذا وضعوا صور الفريق أول السيسي إلي جوار الزعيم الخالد؟. لقد عرف المصريون جيدًا أن عدوهم في 'واشنطن' وأن نشر الديمقراطية في الوطن العربي لا يمكن أن يكون من بين الأهداف الأمريكية أو الغربية، فالديمقراطية تخلق أنظمة حاكمة مستقلة، تنحاز لشعوبها وتعمل وفق مصالح بلادها، وهو ما يضر بالطبع بالمصالح الأمريكيةوالغربية والصهيونية في المنطقة. أما الكلمات الرنانة التي صدَّعوا بها رءوسنا، فكلمات حق يراد بها باطل، صاغتها إدارات الدول المانحة لتبرر للنشطاء السياسيين من ضعاف النفوس، التعاون معها.. كما كان يقنع الكيان الصهيوني من يتعاون معه أو 'من يبيع وطنه' من المصريين، بأن 'إسرائيل' تستخدم المعلومات التي تحصل عليها منهم حتي لا تندلع حرب شاملة في المنطقة العربية، ينتج عنها خراب ودمار ومزيد من الضحايا. الغريب أن العديد من النشطاء حتي ممن لم تطلهم التسريبات علقوا علي المكالمات متجاهلين مسألة التمويل الخارجي، فعلي طريقة 'بُص العصفورة' راحت بعض القوي السياسية تلف وتدور حول الموضوع دون مناقشته.. ويبدو أن الكثيرين 'في الهوا سوا'!!. كما تباري آخرون في الدفاع عن ثورة يناير قائلين: 'رجال نظام مبارك يريدون تشويه ثورة 25 يناير ورموزها!!.. إنهم يسعون لعودة الفساد والاستبداد وتكميم الأفواه!!'.. وكأن عملاء الغرب ممن يأكلون علي موائد السفارات الأجنبية هم من قاموا بالثورة!!. ويبدو أن صدمة التسريبات جعلت 'المناضلين مدفوعي الأجر' ينسون أن الشعب المصري العظيم الذي لم تخدعه العبارات البراقة عن الدين والشريعة الإسلامية، لن تخدعه الكلمات الرنانة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. يا أرباب السفارات والمكاتب الأجنبية.. إن المصريين الذين أحبطوا في ساعات ما دبرته أقوي أجهزة المخابرات في سنوات لتقسيم الوطن العربي وفق 'سايكس بيكو' عرقية ومذهبية، قادرون علي معرفة الفرق بين الشعب القطري وحكام قطر، وبين الشعب الفلسطيني وحماس، وبين ثوار يناير من العمال والفلاحين والبسطاء، وبين النشطاء مدفوعي الأجر الذين يناضلون أو بالأحري يتنطعون علي أبواب السفارات ليشتروا بثورة شعبهم ثمنًا قليلا. المصريون الذين تدفقوا إلي الشوارع بالملايين في ثورة 25 يناير، ومن بعدها في 30 يونية و3 و26 يوليو ليدهسوا تحت أقدامهم نظام مبارك ونظام الإخوان، ويُخرجوا لسانهم لسيدكم في البيت الأبيض، يفهمون جيدًا أن معركتهم الحقيقية مع أمريكا والرأسمالية العالمية.. وأن ثأرهم مع من يدفع لكم ويستضيفكم ويدربكم وينفق عليكم. لقد باتت ألاعيبكم مكشوفة، وتفاصيل علاقاتكم بالولايات المتحدةالأمريكية والغرب أصبحت تزكم الأنوف، ولم يعد ينطلي علي أحد حكاية 'تشويه ثورة 25 يناير'، ولن يقبل الشعب المصري بعد ذلك أن تتحدثوا باسمه أو باسم الثورة، وأنتم من تاجرتم بها وبدماء وتضحيات الفقراء ممن لا يزالون يدفعون ثمنها حتي الآن من قوت يومهم وأمنهم، أملا في وطن حر لا يأتمر بأوامر أسيادكم في واشنطن. حقيقتكم يعرفها الناس قبل تسريبات عبد الرحيم علي بكثير، هل نسيتم ما نشره موقع 'ويكيلكس' قبل عام من الآن؟!!.. إذا كنتم قد نسيتم، فالمصريون لن ينسوا البرقيات الدبلوماسية والوثائق السرية التي سربها الموقع الشهير وكشف من خلالها قيام السفارة الأمريكية بتمويلكم سرًا وعلانية خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك وبعدها، ومنكم من كان يتردد علي السفارة بشكل دائم يقدم المعلومات والنصائح ويقبض الثمن!!. لن ينسي المصريون أن ثرواتكم تضخمت في عهد مبارك وبسببه وتحت رعايته وبتصريح منه ومن حكوماته، ولم يعد خافيًا علي أحد أن خلافاتكم مع المخلوع لم تكن سوي خلاف علي 'السبوبة'، عندما حاولتم اللعب من وراء ظهره، وقدمتم أنفسكم للولايات المتحدة بوصفكم البديل المناسب لنظامه. فزاعة 'عودة نظام مبارك وفلول الحزب الوطني' لم تعد تخيف أحدًا، بل يضحك البسطاء عندما يسمعونكم ترددونها، فالمصريون الذين تخلصوا من مبارك ورجاله في عدة أيام، عادوا وأطاحوا بنظام حكم الإخوان في ساعات.. لم ترهبهم دولة مبارك ورجال أمنه، أو ميليشيات الجماعة وعصاباتها المسلحة، ولن يسمحوا بنظام استبدادي جديد، وسيخلعون أي حاكم يدور في فلك الاستراتيجية الأمريكية. كان 'الأمير' نفع نفسه!! أبلغ تعليق سمعته عن البيان الأخير الصادر عن وزارة الخارجية القطرية، والذي تحمل فيه الحكومة المصرية المسئولية عن تزايد ما أسمته قطر بضحايا المظاهرات السلمية، قاله عم عبد اللاه القهوجي، فقد وجدته يردد المثل الشعبي الدارج 'كان '.. ' نفع نفسه'!!. نعم للدستور.. لا للفوضي أعجب ممن يحرضون المصريين علي التصويت ب'لا' في الاستفتاء علي مسودة الدستور الجديد عبد المنعم أبوالفتوح أو من هم علي شاكلته من 6 أبريل ليس فقط لأن المسودة الجديدة تقدم أفضل النصوص الدستورية التي عرفتها مصر منذ أن عرفت الدساتير، لكن أيضًا لأن عدم إقرار الدستور يعني الدخول في نفق مظلم لا يعرف أحد مداه. فعلي أي شيء يراهن أبوالفتوح وصبيان الإخوان؟!!.. هل يريدون أن يعودوا بنا إلي دستور 2012 أو دستور 1971.. أم يريدون جرنا إلي الفوضي الخلاقة علي رأي السيدة الفاضلة كوندوليزا رايس؟!!. لقد عاني الشعب المصري طويلا علي مدي السنوات الثلاث الماضية بحثًا عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والاستقرار، وعندما بات تحقيق الحلم قاب قوسين أو أدني، يخرج علينا أبوالفتوح وأمثاله من خلايا الإخوان النائمة، ليحرِّضوا الناس علي رفض الدستور. لقد قلتها من قبل وأكررها: 'بضاعتكم فاسدة يعف عليها الذباب'، لم يعد يصدقكم أحد، أصبحتم مفضوحين، سقطت عنكم ورقة التوت، والمواطن البسيط في أصغر قرية مصرية يعرف قبل غيره، أن إقرار الدستور يقطع الطريق علي مخططات الأمريكان، وعملائهم في قطر وتركيا وأذنابهم في مصر، ويطيح بآخر آمال الجماعة في جر البلاد إلي الفوضي، ويضع المسمار الأخير في نعش التنظيم الإرهابي.. ولذلك سيخرج المصريون ويقولون: نعم للدستور.