عفواً نصير الشرعية، دعوتني إلي وقفة نزيهة مع النفس أراجع فيها موقفي المؤسف من انقلاب 30 يونيو الغاشم علي السلطة الشرعية المنتخَبة للبلاد.وبتعنُت الجلاد أبَيت عليَّ إلا أن أعترف بخيانتي لمبادئ ثورة يناير المجيدة يوم تواطئتُ بعقلٍ ساذج في مخطط هدم دولة الإخوان المدنية المناضلة. فتلك الجماعة التقية الفطنة قد طال انتظارها لكي ترسم لنا ملامح دولة النهضة والخلافة الإسلامية الرشيدة بعد عقود من الكفر والفساد والضلال. وها أنت تلاحقني بحملة شرسة علي ضميري الثوري والإنساني المتدين بطبعه، فتتوعدني بعودة الفاشية العسكرية وممارسات أمن الدولة مستخدماً شعاراتك الثورية الملتهبة ومعدداً علي 'ضحايا الجزيرة' بالآلاف في رابعة والنهضة لتوخز ضميري بحرمة الدم. فكم من شهداءٍ للشرعية والإسلام سقطوا تحت لواء الجهاد حين خرجتُ علي خليفة المؤمنين مرسي وأعلنتُ دعمي لجرائم الإنقلابيين النكراء ضد المعتصمين العزل. وكم من لعنات ستتطالني جزاء كفري بحلم المشروع اﻹسلامي الكبير الذي أنهار للأبد في بلدنا العلماني علي يد أمثالي. هكذا تراني في خضم هجمتك التعسفية عليَّ، والتي ربما أنستك أن تقف أمام مرآة ضميرك أنت مرة واحدة متأملاً ذلك القدر من الغل والحقد والعداء الذي بت تناصبه لكل من هو 'ضد الإخوان'. ذلك الغضب الجامح الذي ارتسم علي قسمات وجهك وفي شعور عدائي تشهره في وجوهنا حيثما تواجدتَ. في خضم تلك الحرب الضروس التي تحمل فيها لواء الدين والشرعية، نسيتَ أن تجابه ضميرك الوطني بلحظة صدق تعترف فيها أن الوضع برمته أدني كثيراً من أن نتناحر من أجله، مدركاً ضآلة ذلك الكرسي الذي تستميت لاسترداده أمام صالح وطن وإرادة شعب وقطرة من دماء أبنائه. أيااا أخي، لعلك نسيت كم كان هزيلاً فكر وأداء الجماعة التي تناصرها اليوم أمام المشروع الوطني الذي ناضلنا من أجله في ثورة عظيمة جمعتنا يوماً. لعلك نسيت حديثها عن زخرف الدنيا وابتلاء السلطة ودهاء السياسة الذي لا يتصالح مع قلب عبد مؤمن.. أو ربما هي 'متلازمة الإخوان' التي قادتك حيناً إلي حالة من الإنكار التام لجرائم الجماعة وحيناً آخر إلي رغبة انتقامية بررت بها مشاهد القتل والتعذيب والتهجير والحرق والترويع والتفجير التي يرتكبها أنصارها، فأغفلت معها أن تُراجع معاني الخسة في الأعمال الإرهابية التي بِتَ تباركها بحجة الشرعية، أمام عظمة الجهاد الحقيقي في الإسلام. تساءلتُ كثيراً أي قيم وطنية ودينية تلك التي تدفع بك إلي أن تطل عليَّ يومياً لتعايرني بسعادة مزيجها التشفي باستشهاد ضباط ومجندين في سيناء، أو بالتطاول علي رموز الأزهر أو ببوادر عودة بعض من أزمات مرسي، التي كانت قد انفرجت، عليال ساحة من جديد.فوضي هنا وعنف هناك، حرائق في أصول دولة، وتفجيرات متفرقة تستهدف ضرب اﻷمن القومي في مقتل، وأنباء عن تصعيد اقتصادي وعسكري دولي محتمل ضد مصر.. باتت جميعها أحداث تشعرك بنشوة الانتصار علي حكومة وجيش وشعب الانقلاب لتنسي معها أن ما نتحدث عنه هنا يبقي في النهاية هو الوطن، وأن من تستقوي به اليوم مستجدياً نصرته كان لتوه عدوك اللدود بالأمس. عفواً نصير الشرعية، فقبل أن تبادرني بسلاح الشرعية والشريعة لتحاسبني علي عقل مغيب وضمير وطني باهت، عليك أولاً أن تتفهم الفرق بيني وبينك. فرفضي لرئيسك الشرعي المنتخَب ويأسي من مآل بلادي في عهده لم يمنعني يوماً أن أقف أمام عثراتها ومرارتها آسفاً. وإذ بأسفك أنت علي الجماعة وفوييا تحملها تجاه ما أسميته 'عسكر' يدفعانك اليوم لأن تقف أمام عثراتها منتشياً شامتاً. في عهد رئيسك الذي لم أنتخبه يوماً، أبَت علي مبادئي الثورية إلا أن أرضخ لإرادة الغالبية وألزمتني وطنيتي بإخلاصٍ في عملي والتزامٍ في سلوكي أنشد به غداً أفضل رغم تشككي في حصاده. وها أنت اليوم تأبي علي الجميع أن يحقق هذا الغد في غير عهد الجماعة، فتنهال علينا بحملات إخوانية متوالية للعصيان المدني وافتعال الفوضي والأزمات علها تسهم في إرباك مشهد مصر ما بعد الإخوان. في عهد الجماعة علي سواده، أبت عليَّ أخوتك إلا أن أجادلك بسلاح المعارضة النظيفة من منصة النقد اللاذع ربما، ولكنها أبداً لم تكن كتلك المنصة الدينية المتعصبة التي تربَع عليها شيوخ الشرعية خاصتك ليلقوا بسهام التكفير والتخوين والعمالة علي من يخالفهم الرأي ويقذفوا بألسنة الفوضي والترويع والانقسام حيثما ذهب أنصارهم. شريك الوطن، قبل تناصبني كل هذا العداء، ليتك تقرأ جيداً في حضارة مصر الوسطية التي سطر التلاحم الشعبي والتعددية الفكرية أنقي صفحاتها وارتوي ترابها علي مر التاريخ بدماء خير أجناد تباركون قتلهم غدراً وتطلقون عليهم عسكراً. ليتك تبحث في تاريخ الأمم الحرة لتدرك أن الشرعية لا تعني وضع اليد ولا تحصنها تجارة رخيصة بفقر العباد وجهلهم بالدين، وأن العقيدة السياسية الرشيدة أبداً لا تهدم وطناً ولا تبيح شماتة في عثراته وتمزيقاً لنسيجه. ليتك تقرأ في الحضارات الإنسانية الملهمة لتعلم أن الغل والحقد والتكفير والتشهير والتدليس والانتقام والثورة المستمرة لا يمكن أن يتخَذوا منهجاً لبناء دولة. ليتك تقرأ في صحيح الدين وسير الخلفاء لتدرك أن مشروع الدولة المدنية في الإسلام أبداً لا يحِل كذباً ولا يبارك فشلاً ولا عنفاً ولا تحايلاً باسم الدين علي إرادة شعب ومصير وطن.. فقط عليك أن تقرأ التاريخ لتعي لماذا لُفِظت الجماعة في مصر عبر العصور. أو ربما تستلهم رداً بليغاً من حكمة الحياة.. ' أرادوا كل شئ.. فخسروا كل شيء'..