قامت ماجدة مصطفي، الأستاذ المساعد بقسم الهندسة الإنشائية والمعمارية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، بوضع بعض الخطوط الإرشادية الرائدة في مجال تصميم المباني الخاصة بالأطفال المصابين بالتوحد, the Autism ASPECTSSTM Design Index، والذي يوضح سبعة معايير معمارية لتصميم المباني الخاصة بمرضي التوحد تمكنهم من التركيز بصورة أفضل والعمل في نفس الوقت علي تحسين ملكاتهم الطبيعية، يوجد واحداً من بين كل ثمانية وثمانين طفل مصاباً بمرض التوحد، وذلك طبقا لما أصدره مركز التحكم والوقاية من مرض التوحد.وفي 2002 عندما تقدمت الجهات المختصة بطلب إلي الدكتورة ماجدة مصطفي لتصميم أول مبني تعليمي خاص بالأطفال المصابين بمرض التوحد، أصيبت بالدهشة لعدم وجود أية ارشادات معمارية خاصة بتصميم المباني الخاصة بمرضي التوحد. تقول مصطفي، 'لقد ظننت بسذاجة أنني عندما ألجأ إلي المراجع المعمارية المعروفة سأجد بسهولة قسماً خاصاً بمرضي التوحد وكيفية تصميم المباني المناسبة لاحتياجاتهم، كما هو الحال في حالات الإعاقة الجسدية أو الإعاقة السمعية أو البصرية، إلا إني لم أجد شيئاً من ذلك.' عندئذ بدأت طالبة الدكتوراه بسرعة في وضع التوجيهات المعمارية الخاصة بها والتقت بعدد كبير من مرضي التوحد، بالإضافة إلي بعض من آباء الأطفال المصابين بالتوحد ومدرسيهم، وبعدها وضعت الدليل الخاص بتصميم المباني الخاصة بمرضي التوحد the Autism ASPECTSSTM Design Index. ولقد بدأ تطبيق تلك المعايير الرائدة عند تصميم بعض المدارس مثل المدرسة المتقدمة لتطوير المهارات الخاصة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالقطامية، القاهرة، وبدأت بعض الشركات حالياً في كل من الهند وكندا في تطبيق تلك المعايير المعمارية الخاصة بمصطفي عند تصميم المباني التعليمية لمرضي التوحد. لقد كان علي مصطفي أن تعمل جاهدة لفهم المشاعر والمواهب والاحتياجات الخاصة بأطفال التوحد، وذلك قبل البدء في وضع تلك التوجيهات المعمارية. وقالت مصطفي: 'تخيل أن كل صوت تسمعه، وكل لون تراه، وكل نسيج تلمسه، وكل رائحة تشمها، وكل التفاصيل التي تراها تتضاعف وتتضخم، ثم تخيل صعوبة أن تركز في تعلم أي شيء في مثل هذه البيئة.' أخذت مصطفي كل ذلك في الاعتبار عند وضعها التصميم المعماري الخاص بمرضي التوحد.وقالت: 'عندما تبدأ في وضع تصميم مدرسة من المدارس الخاصة بأطفال التوحد، يكون المعيار الرئيسي هو تقليل مساحة البيئة الحسية والتحكم فيها علي قدر الإمكان. فأنت تحتاج إلي رفع كل هذا الضغط الحسي والتخفيف من وجود أي أغراض غير ضرورية.' تتمثل أحد المعايير الخاصة ببرنامج التصميم الخاص بمرضي التوحد في إدخال بعض التحسينات والتعديلات علي نظام الصوتيات لأن الأطفال المصابين بالتوحد يكون لديهم حساسية شديدة للأصوات. وأوضحت مصطفي، 'عندما ندخل مثلاً إلي الحجرة، قد نسمع طنين كمبيوتر أو همهمة صادرة من أحد أجهزة التكييف، إلا إننا نستطيع بسرعة التوائم مع الصوت الصادر والبدء في التركيز علي الشيء المراد تعلمه. فالشخص المصاب بالتوحد لا يستطيع بمفرده تجاهل تلك الأصوات. فطنين الكمبيوتر وهمهمة التكييف تبقي معهم، وكل تلك الضوضاء تتداخل مع أيٍ من المهارات التي يتعلمونها.' تقترح مصطفي تصميم مساحة تعليمية يكون الاعتماد فيها علي تقليل الأصوات الخلفية والترددات بقدر الإمكان بالإضافة إلي تحسين جودة الصوت، مما يمكن أطفال التوحد من التركيز أثناء الفصل الدراسي. وتزداد بذلك لحظات الصفاء الذهني والتركيز لدي مرضي التوحد أثناء اليوم الدراسي. لا تركز التوجيهات المعمارية الخاصة بمصطفي علي ضرورة التحكم في المنبهات الحسية فحسب، بل أيضاً ترشد إلي ضرورة التعامل بسلاسة مع سلسلة التصرفات النمطية الخاصة بمرضي التوحد وصولاً إلي توفير بيئة تعليمية توفر الراحة لمرضي التوحد.وقالت مصطفي، 'تركز التوجيهات علي الأشياء أو الصفات التي يراها الناس كأعراض سلبية لمرضي التوحد أو ينظرون إليها باعتبارها من ضمن الصعوبات الخاصة بمرضي التوحد.' يتصف الأشخاص المصابين بالتوحد مثلاً بتكرار الحركات بصورة نمطية، وهو ما يمثل أحد الطرق التي يتوائمون بها مع المحيط الخارجي. وأوضحت مصطفي، 'عندما تتخيل نفسك تعيش في عالم يتضاعف فيه كل إحساس وفي نفس الوقت يكون من الصعب عليك فهم هذا الإحساس، فإنه يكون من المستحيل عليك التنبؤ بأي شيء في هذا العالم. لذلك نجد مرضي التوحد من الأطفال يلجأون دائماً إلي النمطية والتكرار في الحركات، وبهذا يكونون علي دراية بالخطوة القادمة. فهم يلبسون نفس الملابس كل يوم ويتبعون نفس الطريق باستمرار.' تعمدت مصطفي في تصميم المدارس الخاصة بمرضي التوحد أن يركز التصميم علي حبهم للروتين بدلاً من إجبارهم علي تغيير الروتين والنمط الذي اعتادوا عليه عند قدومهم للمدرسة. وأوضحت مصطفي: 'يقترح الدليل تصميم مدرسة تتعاقب فيها الأنشطة بسلاسة وذلك علي حسب الجدول الخاص بهم، لذا فإنه من لحظة مغادرتهم لأتوبيس المدرسة، إلي وقت الفسحة الخاص بهم، إلي وقت تناولهم الغذاء، لن يكون هناك أي خرق للروتين.' يظهر تأثير تلك المفاهيم المعمارية الجديدة في التصميم بوضوح للعيان. وأوضحت مصطفي: 'نجد أن التوجيهات المتبعة في التصميم الجديد تزيد من مساحة التركيز لدي الأطفال المصابين بالتوحد، وتهذب من تصرفاتهم، بالإضافة إلي تقليل الوقت اللازم لرد الفعل. فالأطفال المصابون بالتوحد يحتاجون إلي وقت طويل قبل الاستجابة لأية تعليمات.' سلمت مصطفي أيضاً أنه لا يجب النظر إلي تلك التصميمات باعتبارها من القوانين الصارمة التي لا يمكن تجاوزها عند تصميم المباني الخاصة بمرضي التوحد، لأن أطفال التوحد عليهم إن آجلاً أم عاجلاً مواجهة العالم الخارجي بحقيقته. وأوضحت مصطفي: 'إذا قمنا بتطبيق نظرية ASPECTSS بكل حذافيرها وبشكل شامل علي كل مكان خاص بأطفال التوحد، نكون بذلك قد ساهمنا في خلق بيئة شبيهة ببيئة الصوبة الزراعية. فالنبات يترعرع في الصوبة الزراعية وينمو، ولكن بمجرد خلعه من الصوبة فإنه يذبل ويموت. ونفس الشيء يحدث إذا طبقنا تلك المبادئ بحذافيرها علي كل مبني خاص بمرضي التوحد.وليس هذا في الحقيقة ما أقترحه، إنما أقول أنه يجب تطبيق عناصر بعينها إلي درجة معينة. فإذا أعطيت الأطفال الفرصة الكافية لتحسين مهاراتهم، تستطيع بذلك التخلص من الدعامات التي يرتكزون عليها بصورة تدريجية. ويتمكن الأطفال بذلك من تطوير مهاراتهم ثم الانتقال إلي المرحلة التالية، إلي أن يستطيعوا الخروج إلي البيئة الطبيعية المحيطة بهم.' تأمل مصطفي أن تتمكن مستقبلاً من دراسة الآثار طويلة المدي لتلك التوجيهات. وقالت: 'أريد أن أري مدي استيعاب الأطفال المصابين بمرضي التوحد للمهارات التي اكتسبوها في المباني المصممة خصيصاً لهم، وكيفية تطبيقهم لتلك المهارات عند احتكاكهم بالعالم الخارجي. فالغرض الأساسي من كل ذلك يتمثل في إكساب مرضي التوحد مهارة الاعتماد علي النفس.'