يختلف عمر التلمساني المرشد الثالث للإخوان عن كافة المرشدين.. السابقين.. واللاحقين عليه في أمور كثيرة سوف تتضح معالمها تباعًا.. ولعل المتابعين يكتشفون أن أول ذكر ل'عمر التلمساني' في إطار انتمائه الإخواني كان في عام 1934.. حيث كان العضو رقم 89 في المؤتمر الثالث للإخوان ممثلاً لشعبته 'نوي' بمديرية القليوبية وقتها.. ولم يكن من نجوم المؤتمر بالطبع.. فلم يكن قد مضي علي التحاقه بالإخوان سوي عام واحد.. وتركز نشاطه داخل المؤتمر في عمل شبه 'إداري قانوني' كعضو في اللجنة التي رأسها الشيخ حامد عسكرية والتي أنيط بها تعديل لائحة الزكاة التي وضعها مكتب الإرشاد. وقد ولد الأستاذ عمر عبد الفتاح التلمساني في 4 نوفمبر عام 1904 في حارة حوش قدم قسم الدرب الأحمر بالقاهرة حيث عاش ومات الشيخ إمام عيسي الملحن والمغني الثوري الشهير وعمر التلمساني ليس من أصول مصرية.. فجده لأبيه من بلدة تلمسان بالجزائر.. جاء إلي القاهرة واشتغل بالتجارة وأصبح من كبار الأثرياء.. فوق أنه كان سلفيًا، وهابي النزعة كما وصفه عمر وقد تولي طبع العديد من كتب محمد بن عبد الوهاب علي نفقته. تقول المصادر المتاحة إن جده ووالده كليهما كان يعمل في تجارة الأقمشة والأحجار الكريمة، وتنتشر تجارتهما هذه بين القاهرةوجدة وسنغافورة وسواكن والخرطوم.. ولسبب غير معلوم قاما بتصفية عملهما ذاك ليتوجها إلي الزراعة، حيث قاما بشراء مساحات واسعة من الأراضي في قرية 'نوي' مركز شبين القناطر بالقليوبية ومساحات أخري في قرية 'المجازر' بمركز منيا القمح بمديرية الشرقية. تقول سيرته الذاتية إنه نشأ محاطًا بالنعمة والروح الديني.. إذ كانت الأسرة بكامل أفرادها قائمة بحقوق الله صلاة وصيامًا وحجًا.. وقد سمع الطفل 'عمر' باسم 'ابن تيمية' و'ابن قيم الجوزيه' عبر حوارات جده مع زواره.. وقد تلقي عمر دراسته الابتدائية في مدارس الجمعية الخيرية.. فلما توفي الجد انتقلت الأسرة إلي القاهرة فالتحق بالمدرسة الإلهامية الثانوية بالحلمية.. ومنها إلي كلية الحقوق.. وبعد التخرج والتدريب علي أعمال المحاماة اتخذ له مكتبًا في بندر شبين القناطر وأصبح من أشهر المحامين هناك.. وقد حرص كتاب سيرته علي التأكيد أن عمله بالمحاماةلم يشغله عن تثقيف نفسه بالعلوم الإسلامية.. فكانت كتب الفقه والتفسير والحديث والسيرة النبوية لا تفارقه إلي جانب محفوظه من القرآن والسنة.. وهو الذي استظهر كتاب الله.. ومازال يتعهده باستمرار خيفة تفلته من الذاكرة.. وقد تزوج التلمساني في سن الثامنة عشرة.. ولم يزل طالبًا في الثانوية العامة.. ورزق من زوجته بأربعة أبناء: عابد وعبد الفتاح.. وبنتين. والذي لا يعرفه الكثيرون أن عمر التلمساني تربي في كنف حزب الوفد وفي ذلك يقول: 'عاصرت الوفد وقيامه، وثورة 1919، وكانت بحقنابعة من مشاعر الشعب كله، وكان المنتظر أن تأتي بأبرك الثمرات لمصر خاصة وللعالم الإسلامي عامة لولا المؤامرات الشخصية، والانفعالات الزعامية والألاعيب السياسية التي مزقت الشعب المصري فرقًا وأحزابًا واتجاهات.. واطاحت بكل ما أمّل فيه المصريون.. وقد نالني من ذلك بعض الرشاش خلال تعصبي الوفدي وأنا في مطلع الشباب'. تقول تقارير الأمن التي نشرت في مذكرات قادة الأمن.. إن عمر التلمساني بدأ حياته محاميًا في شبين القناطر.. واشتهر عنه أنه من رواد الصالات الليلية، والسهرات الحمراء ككل أبناء الأثرياء وقتها وكان بارعًا في الرقص الأجنبي لدرجة الاحتراف.. وقد استمر يمارس حياته محاطًا بالنعمة التي ورثها.. حتي التقاه الشيخ حسن البنا في منزله.. وكان يسكن في حارة عبد الله بك في شارع اليكنية في حي الخيامية.. وبايعه.. وأصبح من الإخوان عام 1933.. وكان أول محام يعمل بتوكيل من الجماعة للدفاع عن أعضائها أمام المحاكم.. وهكذا أصبح من الإخوان وعمره 29 عامًا، ثم دخل السجن لأول مرة عام 1948 وعمره 44 سنة، ثم عاد إليه عام 1954 وعمره '50 عامًا'، ولمدة 17 سنة ليفرج عنه آخر يونيو 1971 وكان في السابعة والستين من عمره.. وكان آخر عهده بالسجن عام 1981 وعمره 77 عامًا عندما قبض عليه السادات مع 1536 معتقلاً من مفكرين وكتاب وسياسيين وإسلاميين وأقباط وأساقفة وغيرهم.. وقد توفي بعدها بخمس سنوات وبالتحديد يوم الأربعاء 22 مايو 1986 وشيع جثمانه في موكب حشد له الإخوان.. إظهارًا للقوة. وكثيرًا ما يتحدث عمر التلمساني عن نفسه.. فيقول إن من أجل نعم الله عليه كونه لا يحمل حقدًا ولا كراهية لإنسان أيًا كان مذهبه.. بل من عادته أن يترك ما يصيبه لله يتولي الفصل فيه بحكمته وعدله.. ويقول عن نفسه: وأنا أمرؤ طبعت علي الحياء حتي لأتساهل في كثير من حقوقي، إلا أن ما أحمد الله عليه ولا حصر لفضله منحه إياي نعمة التجرد من الخوف.. فما خفت أحدًا في حياتي إلا الله.. ولم يمنعني شيء من الجهر بكلمة الحق التي أؤمن بها، مهما ثقل وقعها علي الآخرين.. ومهما لقيت في سبيلها من العنف.. أقولها هادئة رصينة مهذبة لا تؤذي الاسماع ولا تخدش المشاعر، وأتجنب كل عبارة أحس أنها لا ترضي محدثي أو مجادلي.. فأجد من الراحة النفسية في هذا الأسلوب ما لا أجده في سواه.. وان لم يكسبني الكثير من الأصدقاء.. فإني قد وقيت به شر الكثير من الأعداء.. هذا إلا ما نالني ورميت به منذ انتسابي لجماعة الإخوان.. قد أصبح لي درعًا واقيًا من الغضب والكراهية.. تنهال عليه النصال فيكسر بعضها بعضًا. هكذا تحدث الأستاذ عمر التلمساني عن نفسه.. فماذا قال عنه الآخرون؟.. قال جابر رزق المتحدث الرسمي باسم الإخوان وقتها إن التلمساني فرض الوجود الفعلي للإخوان علي الواقع المصري والعربي والعالمي.. فعلي مدي عقدي السبعينيات والثمانينيات كانت كلمات التلمساني وتصريحاته وكتاباته تبرز في وسائل الإعلام محليًا وعربيًا وعالميًا.. وفي عام 1980 أعتبر صاحب أكبر عدد من الأحاديث الصحفية والتليفزيونية علي مستوي العالم. وقالت عنه زينب الغزالي: هو رجل عف اللسان مع من أساء.. حيي كالعذراء البتول.. أب لكل أتباعه ومريديه. وقال صالح أبو رفيق عضو مكتب الإرشاد ومن الرعيل الأول: كان سمحًا يذوب رقة وحياء.. متواضعًا في عزة المؤمن، وكبرياء الواثق.. دون صلف أو تكبر. وقال عبد البديع صقر القيادي الإخواني الأشهر: كان عمر التلمساني رجلاً جميل الخلقة، متكامل الهيئة.. تام الأناقة. وعند رحيله كتب عنه شيخ المجاهدين فتحي رضوان.. والكاتب الكبير أحمد بهاء الدين.. أما مصطفي أمين فكتب عنه: كان يعتقد أن العنف يضر ولا ينفع.. يسيء للفكرة ولا يخدمها.. وكتب إبراهيم سعدة: كان عمر التلمساني صمام الأمان لجماعة.. وشعب.. ووطن. أما اللواء فؤاد علام مسئول أمن الدولة فقال عنه: هادئ الطبع.. خبيث.. وسياسي متمرس.. ضحك علي الجميع، ونفذ أخطر عملية في تاريخ الإخوان.. بالتسلل إلي النقابات المهنية والأحزاب والمؤسسات الاقتصادية، وأجهزة الدولة واختراقها والسيطرة عليها.. ومازلنا مع مرشد الإخوان الثالث.. عمر التلمساني.