ليس بيننا وبين الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء غير الاحترام المتبادل، ومصلحة الوطن، ومصر، التي تعلو لدينا عن كل الأشخاص، والمقامات.. مهما علت. وقد برهنت أحداث الأشهر المنقضية بعد ثورة الثلاثين من يونية، أن حكومة الدكتور حازم الببلاوي، وباستثناءات بسيطة في بعض المواقع الوزارية، قد فشلت فشلا ذريعا في حل مشكلات الوطن، وانتشاله من عثراته. إن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الدكتور حازم الببلاوي، أنه تعامل مع الأوضاع المصرية بعد الثورة الأخيرة، وبرغم كل ما حدث من تطورات أمنية وسياسية واقتصادية، وكأنه يتعامل مع مصر ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير للعام 2011.. فقد ترك الرجل 'الحبل علي الغارب'.. لتبحر مراكب الوطن في أي اتجاه، دون خطة حاسمة، أو رؤية محددة.. بل تعامل مع العواصف الساخنة التي هبت علي أحشاء الوطن 'بقلب بارد'.. وترك الأمور تسير، وكأن البلاد قد فقدت القدرة علي الإدارة الحازمة لمجريات الأوضاع في مصر. ولعل نظرة فاحصة لأحوال المجتمع المصري منذ تقلد الدكتور الببلاوي منصبه، تعطي انطباعا سلبيا عن أحوال الناس ومعيشتهم التي ظلت تدور في فلك المعاناة الاقتصادية والاجتماعية ذاتها، والتي شكلت في السابق المرتكز الأساسي الذي انطلقت من فوق قاعدته ثورة يناير 2011.. وعلي الرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية، والارتفاع الهائل في الأسعار، وتزايد آلام المواطنين، ومضاعفة طوابير البطالة جراء الأحوال المتردية في الوطن منذ ما بعد ثورة يناير، فإن الدكتور حازم الببلاوي تعامل مع الأوضاع وفقا للمثل الذي يقول: 'ودن من طين.. وودن من عجين'.. وكأنه قد حكم علي الغالبية العظمي من المصريين أن يستمروا في معاناتهم، دون أن يجدوا من يأخذ بأيديهم، أو ينتشلهم من الواقع المزري الذي يحصدون تبعاته المؤلمة. وليت الأمور توقفت عند هذا الحد، بل أدركت غالبية المصريين، أن الحكومة المصرية برئاسة الببلاوي تفتقد القدرة علي الحسم، ووضع حد لحالة التسيب، والانفلات الأمني التي تشهدها البلاد، إذ يتساءل ملايين المصريين عن المغزي من وراء إعلان حالة الطوارئ في البلاد، بينما المظاهرات وأعمال العنف وإرهاب الأبرياء تعم جنبات الوطن، دون رادع حاسم، يعيد الانضباط إلي الشارع المصري، الذي وقع ضحية إهمال حكومي، ولا مبالاة باتت واضحة للعيان، وأعمال إجرامية وإرهابية ترتكبها الجماعة المحظورة وعناصرها في وضح النهار، ذلك علي الرغم من المجهودات الفائقة، والتضحيات الجسام التي يقدمها رجال الأمن والجيش وهم بصدد مواجهة تلك الكيانات الإرهابية التي تكاثرت بعد سقوط محمد مرسي من سدة الحكم. والعجز الحكومي بات واضحا كذلك في هذا السقوط الإعلامي علي المستوي الرسمي، والذي كشف عن ضحالة إعلامية في مواجهة إعلام الأكاذيب الذي تقوده قناة الجزيرة العميلة، ومجموعة القنوات التابعة للجماعة المحظورة.. فعلي مدي شهور ما بعد ثورة الثلاثين من يونية تكشفت ضآلة الإعلام المصري الرسمي، وعدم قدرته علي التعبير عن مطالب المصريين في مرحلة ما بعد الثورة، وتعرية العصابات الإرهابية، وكشف جرائمها في حق الوطن، بل ترك للإعلام المضلل أن يعيث في الأرض فسادا، ويرتكب أبشع جرائم التزييف والتزوير للحقائق المؤكدة علي أرض الواقع، دون أن يجد في المقابل إعلاما ناضجا، قادرًا علي دحض الأكاذيب، والشواهد علي ذلك كثيرة، ومتعددة، خاصة بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، حيث تضاعفت مساحات الكذب والبهتان في الإعلام العميل والموجه، وبعد ارتكاز هذا الإعلام علي مجموعات من الأفاقين، والنصابين من محترفي الدجل، و مروجي الشائعات والأكاذيب. هذا السقوط لحكومة الدكتور حازم الببلاوي، يتطلب من الرجل، واحتراما لتاريخه الذي نقدره، أن يغادر منصبه طوعا، وألا يفعل كما فعل سلفه هشام قنديل، الذي رفض الاستماع لنداءات الشارع، ومطالب الجماهير، مما تسبب في زيادة براكين ورواسب الغضب التي أطاحت في نهاية المطاف بممثل جماعة الإخوان في الحكم.. وإذا لم يفعلها الببلاوي، ويرحل طوعا، فعلي من بيدهم الحل والعقد في هذا الوطن أن يتدخلوا ويرغموه علي الانسحاب من المشهد السياسي وترك المنصب لمن يجيد قيادة الحكومة بشكل فعلي وثوري وحاسم في تلك المرحلة الدقيقة في تاريخ مصر.