عندما ودع اللواء نبيل فراج أسرته كان يعلم أنه قد لا يعود لكنه كان يقول إن مصر أغلي من الجميع أدي الصلاة ورحل طاهرًا لكن القتلة أرادوا إفساد فرحة تحرير 'كرداسة' قناة الجزيرة 'الملعونة' حتي في لحظات الموت 'تبثّ الأكاذيب وتردد الشائعات'!! جنازة الشهيد كانت تأكيدا علي أن الشعب والجيش والشرطة يد قوية ستدحر المؤامرة وتحقق الانتصار كانت التعليمات قد صدرت منذ الأمس، أدرك اللواء نبيل فراج مساعد مدير أمن الجيزة، أن اللحظة قد حانت، كان سعيدًا لأنه ينتظر لحظة المواجهة وتحرير 'كرداسة' من يد الإرهاب. طيلة خمسة وثلاثين يوما مضت، كان ينتظر علي أحرّ من الجمر، هنا في هذه المنطقة سقط زملاؤه شهداء، لقد رأي جثثهم بأم عينيه، أرواحهم تصرخ في السماء، يسترجع شريط الذكريات مع البعض منهم، أحد عشر شهيدًا، سقطوا في الرابع عشر من أغسطس بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة!! كانت سعادته غامرة، أخيرا سوف يحرر قطعة غالية من الوطن، ظلت رهينة هي وأهلها في يد هؤلاء القتلة الذين أزهقوا الأرواح، ومثّلوا بالجثث، وانتهكوا المحرمات، وأذلوا المواطنين الأبرياء.. !! مساء الأربعاء 18 سبتمبر.. كان اللواء نبيل يلقي النظرة الأخيرة علي الزوجة والأولاد، طلب من أكبر الأبناء عمر أن يأتي بأخويه زياد وأحمد ليصلوا ركعتين لله جماعة، كان الأب يؤم الأولاد والزوجة من خلفه، كان يقرأ القرآن وكأنه يوصي أبناءه وزوجته، كان صوته ملائكيا، كأنه يعرف قدره.. احتضن الزوجة والأبناء، كان حضنه غريبا هذه المرة، لقد ضمهم إلي صدره لفترة طويلة، شدوا حيلكم يا ولاد، أنا فخور بكم، خلفت رجاله وحوش، ياكلوا الزلط.. خلوا بالكم من أمكم.. !! كانت كلماته بدلالاتها كأنها قصيدة 'الوداع الأخير' الأولاد تعودوا من والدهم علي هذه الكلمات، أدركوا أنه في مهمة لا يريد أن يفصح عنها، لكنه حتما سيعود، لم تكن تلك هي المهمة الأولي ولن تكون الأخيرة.. كانوا يعرفون أن والدهم ليس ملكا لهم، لقد وهب نفسه وروحه للوطن، كان الرجل يزرع فيهم دوما روح الحب والانتماء، نظرت الزوجة إلي وجهه كان يتحاشي أن ينظر إلي عينيها، إنه لا يريد أن يفصح عن حجم المخاطر التي تحيق بمهمته هذه المرة. قبيل أن يغلق باب شقته من خلفه مودعا، نظر إلي الأولاد نظرة أخيرة، كانوا يودعونه كعادتهم، أمسك برؤوسهم الواحد تلو الآخر، ضمهم إلي صدره، وقبلهم قبلة الوداع. مضي مسرعًا كأنه في لهفة إلي الشهادة، كانت سيارة الشرطة تنتظره أمام باب منزله، توجه إلي حيث يحتشد الرجال.. كانت صور أبنائه الثلاثة عمر '17 عاما' وزياد '9 سنوات' وأحمد '5 سنوات' لا تريد أن تفارقه، ثقته في الزوجة كبيرة، لقد ظلت طيلة تسعة عشر عاما ترعي البيت، تتدبر الأحوال، ثم تتولي تربية الأبناء وتسهر علي أحوالهم، قطعا أنا أتركهم في يد أمينة.. !! كان شعوره بالموت طاغيًا، لقد أسرّ بكلمات قصيرة إلي الزوجة، قال لها: سوف نذهب لتحرير كرداسة اليوم، ولكن أرجوك ألا تخبري الأولاد، كل شيء سيمضي طبيعيا وسأعود إليكم سالمًا غانمًا إن شاء الله.. في هذا المساء، كانت الوصية لأكبر الأبناء 'عمر' خلي بالك من دراستك ومن اخواتك ياعمر، لا تنسي أنت الكبير، وأنا باعتبرك راجل البيت في غيابي. في الطريق إلي كرداسة، عاد اللواء نبيل بالذاكرة إلي سوهاج، حيث الأسرة والأهل، حيث الشجاعة والمروءة، حيث الأصالة والانتماء، هنا وفي هذه الأرض الطيبة نشأ نبيل فراج، حقق حلم الأسرة وأصبح ضابطًا، كانت عائلته تفخر به، وكان أهل بلدته يرون فيه فارسًا شجاعًا نبيلا.. تاريخ طويل، قضاه في الشرطة، هنا في مدرسة الانتماء والوطنية، كان يزرع دوما في عقل أبنائه قيمة 'الوطن' ومعني الانتماء.. وكان يعدهم جميعا ليكونوا ضباطا يحملون الأمانة من بعده. كان شريط الذكريات لا يريد أن يتوقف، كأنه يستعيد الماضي، يأخذ منه العبرة، يندفع مسرعًا ضمن التشكيلات التي مضت وسط الحقول والمزارع إلي 'كرداسة'. إنه يعرف جيدا ماذا سيفعل، يدرك مهمته، ويعرف أن اللحظة قد جاءت إليه، لم يكن يهدف إلي الانتقام، لم يكن يسعي إلي القتل، كانت التعليمات حرروا المنطقة، أنقذوا الناس الطيبين، واقبضوا علي القتلة والمجرمين، لا تطلقوا الرصاص عليهم، القانون هو السيد. .. تحركت جحافل الجيش والشرطة تم توزيع المهمات، ومع بدء العملية، كان اللواء نبيل أول من قفز إلي الأرض، قال لرجاله وكأنه علي موعد مع القدر 'ياللا يارجاله.. انووا الشهادة.. تقدم الجنود، كان ممسكا بسلاح في يده وجهاز لاسلكي في اليد الأخري.. كان بإمكانه أن يجلس في الخلف، أو يبقي في المدرعة، يصدر الأوامر والتعليمات، لكنه أبي إلا أن يكون في مقدمة الصفوف، فجأة انهمرت طلقات نارية من مكان قريب، يبدو أنها من مبني مرتفع قليلاً عن الأرض وبمسافة لا تقل من 10 20 مترا، فقد كانت المباني تحيط بمنطقة وجود القوات.. انهمرت الرصاصات الواحدة تلو الأخري، سقط اللواء مضرجًا في دمائه، تقدم إليه سائقه والزميل تامر مجدي الإعلامي بقناة المحور والذي أظهر موقفا شجاعا نبيلا، مضي نحوه بعض الضباط والجنود سريعًا، حملوه إلي مدرعة كانت تقف بالقرب منه، ثم إلي مستشفي الهرم حيث فاضت روحه.. كانت آخر كلمات رددها: 'أولادي حيوحشوني، نفسي أشوفهم قبل ما أموت'، لكن القدر لم يمهله الانتظار ففاضت روحه وهو يردد أسماء أبنائه الواحد تلو الآخر.. كانت الزوجة والأبناء يتابعون ما يجري في كرداسة علي الهواء، كان قلب الزوجة منقبضًا، كانت قلقة وهي تتابع الأحداث، وفجأة فوجئت بسقوط الزوج شهيدا، صرخت، أطلق عمر صرخة هستيرية 'أبويا، إنه أبويا'، أمسكت الزوجة بالهاتف، هاتفه النقال لا يرد، تحاول الاستفسار من زملائه، تنهمر الدموع، ينطق الدعاء 'استرها يارب' يهيمون علي وجوههم إلي خارج المنزل، إلي حيث يرقد الجثمان الطاهر في مستشفي الهرم. انتشر الخبر في أرجاء الوطن، انهمرت دموع المصريين، حزنوا كثيرا علي استشهاد هذا البطل الشجاع، اغتال الارهابيون فرحة المواطنين ببسط الأمن والجيش لسيادته علي المنطقة بأسرها بعد ساعات محدودة من الاقتحام، غير أن ذلك لم ينل من عزيمة زملائه الذين مضوا نحو تحرير المنطقة بأسرها.. كان الإرهابيون الذين فرضوا سطوتهم علي أهالي 'كرداسة' قد تمكنوا من الهرب، تم القبض علي العشرات الذين أشارت إليهم التحريات والمعلومات من بينهم بعض الذين شاركوا في مذبحة كرداسة وإحراق قسم الشرطة وبعض المنشآت.. راحت قناة الجزيرة 'الملعونة' تردد الأكاذيب، وتقول: إنه قتل بيد زملائه من مسافة قريبة، اجتزأت كلمات لمسئول بالطب الشرعي عن سياقها وراحت تتحدث بشماتة حتي في الموت، قاتل الله 'الجزيرة' وأسيادها في قطر وواشنطن وتل أبيب!! بعد تشريع الجثمان جاء تقرير الطب الشرعي ليفضح هؤلاء الكذابين، جاءت الكلمات حاسمة قاطعة علي لسان د.هشام عبد الحميد المتحدث الرسمي لمصلحة الطب الشرعي 'أن تشريح جثمان الشهيد أفاد أنه قتل بطلق ناري من سلاح طبنجة عيار 9 مللي من مسافة اطلاق تجاوزت الحد الأدني للإطلاق وهي مسافة متوسطة تقدر ب 10 20 مترًا ومن مستوي أفقي، وأن الطلق الناري أصاب العضد الأيمن من الخارج للداخل، واخترق جدار الصدر وأحدث تهتكا بالرئة اليمني والبطين الأيمن والبطين الأيسر للقلب، ثم أحدث تهتكا بالرئة اليسري ونزيفا بالتجويف الصدري، ثم خرج من التجويف الصدري ليستقر بيسار الصدر داخل العضلات. ونفي الدكتور هشام عبد الحميد ما رددته جماعة الإخوان من أكاذيب وقال إن ما رددوه من أن استشهاد اللواء نبيل فراج قد جاء برصاص الشرطة عار تماما من الصحة، وإن ما صرح به عبرا لفضائيات هو أن مسافة الإطلاق تجاوزت الحد الأدني للإطلاق، والحد الأدني المعروف لدي الأطباء الشرعيين والنيابة العامة هو من 10 20 مترا وأن الإخوان أغفلوا كلمة تجاوزت وأخذوا بقية التصريح وهو الحد الأدني للإطلاق.. نعم لقد تعودوا الكذب، أرادوا تصوير الأمر علي غير صحيحه، ولكن أكاذيبهم وأكاذيب 'الجزيرة' ليست شيئًا جديدًا، إنهم يحقدون علي مصر ويتمنون لها الخراب والضياع، ولكن الله أكبر من كل هؤلاء القتلة.. عادت كرداسة إلي حضن الوطن أرادوها معزولة وتحت سيطرتهم، ظنوا أن أسلحتهم ومتاريسهم ستمثل تهديدا للأمن، فيتراجع عن الاقتحام، لكنهم كما في رابعة والنهنضة ودلجا، كانوا أهون من عش العنكبوت، هربوا، خوفا من قوة الرجال، وكانت سعادة الناس بالجيش والشرطة غامرة، هل تأملتم هذه السيدة التي راحت تدوس بحذائها علي صورة محمد مرسي وتلعن الإرهابيين الذين عذبوا ابنها وأحالوا حياة القرية إلي جحيم؟، هل سمعتم كلمات المواطنين الشرفاء من أهل القرية، كانوا يرغمونهم علي التظاهر، عاش الناس علي مدي 35 يوما لحظات الخوف والموت والدمار، كانوا ينتظرون اللحظة التي تحققت علي يد هؤلاء الأبطال وكانت دماء اللواء نبيل فراج ثمنا لهذا الانتصار.. وفي يوم الجمعة كانت مصر كلها تودع الشهيد، تقدم رئيس الوزراء والفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية والفريق صدقي صبحي رئيس الأركان والعديد من الوزراء وكبار المسئولين.. .. كان المشهد مهيبًا، أسرته، زملاؤه، أهله الذين جاءوا من سوهاج، نساء كرداسة وشبابها، وجمهور غفير من المواطنين البسطاء الذين هتفوا: الشعب والجيش والشرطة إيد واحدة.. كانت أصواتهم مدوية، عالية، صادقة.. تم وضع جثمان الشهيد علي عربة إطفاء ملفوفا بعلم مصر، عزفت فرقة الموسيقي 'العسكرية' لحنها الجنائزي، تقدم آلاف المشاركين يزفون الشهيد إلي مثواه الأخير في الجنة.. كانت دموع نجله عمر وانحناءته علي جثمان والده أثناء الصلاة قد أدمت قلوب المصريين.. كان الكل يتابع الجنازة بحسرة، هكذا هم المصريون، الجسد واحد، والهمّ واحد، والمشاعر مشتركة. وأمام قبر الجندي المجهول كانت الأسرة تتلقي العزاء، لم تكن الأسرة هي فقط الزوجة والأبناء الثلاثة، بل كانت مصر كلها حاضرة في المشهد تتلقي العزاء.. كان ضباط وأفراد الجيش والشرطة مرفوعي الرأس والهامة، لم يحزنهم كثيرا سقوط شهيد جديد من بين صفوفهم، إنهم فرحوا بالشهادة دفاعًا عن الوطن وعن الناس وعن التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل.. لقد ظلموا كثيرا في فترات سابقة، وتحديدًا منذ الثامن والعشرين من يناير 2011، كان الإخوان وراء كل المصائب، كانوا وراء حرق الأقسام وإطلاق المجرمين من السجون، أرادوها فوضي، والفوضي لن تتحقق إلا بإسقاط جهاز الشرطة ومن بعده محاولة النيل من جيش مصر العظيم.. شنوا ومعم 'الإعلام الرخيص' حملة ضد رجال الشرطة ومن بعدهم الجيش، جاء وقت كان رجل الشرطة فيه مستهدفا من المواطنين العاديين، وكانت الأسر والأبناء في موقف الدفاع دومًا، شيطنوا الشرطة ورجالها وصوروهم في صورة القتلة الذين كانت مهمتهم الوحيدة إذلال الشعب وتعذيبه، نسوا دور الشرطة وشهداءها علي مدي عقود طويلة من الزمن.. صوروا البلطجية علي أنهم شهداء يستحقون التكريم بينما رجال الشرطة الذين دافعوا وتمسكوا بمواقعهم كانوا هم الشياطين، أصبح رجال الشرطة هم الهدف، وهم وراء كل مصيبة تحدث، حتي لو كانت كل الأدلة تؤكد أنهم كانوا ضحايا وكانوا أبرياء.. نسي بعض الناس ميليشيات الإخوان ودورها وتحريضها، غيب البعض عقولهم وراحوا يستمعون إلي وقائع مبتورة يرددها إعلاميون لهم أغراضهم وأجنداتهم.. في فترة سابقة حاولوا تقسيم المجتمع، وتفجير الشرطة من الداخل، سعوا إلي تشكيل ميليشيات موازية، هدفها السيطرة والهيمنة وإذلال المواطنين، لتحل محل شرطة الدولة التي لم يكن لها ولاء سوي لمصر ولشعبها العظيم. ابتدعوا شعار 'يسقط حكم العسكر' ورددته من ورائهم بعض القوي المشبوهة التي لا هدف لها سوي تنفيذ أجندة الأمريكان في اسقاط مصر وتقسيمها لحساب إسرائيل.. تناسي رجال الجيش والشرطة كل الاساءات والاهانات، كان لديهم هدف أكبر وهو حماية الوطن واسقاط المخطط ولو كان الثمن أرواحهم.. لم يتخلوا عن رسالتهم حتي في أحلك الظروف، اقسموا علي حماية العهد والوطن، قرروا المواجهة والتحدي وحماية الوطن من الإرهاب والبلطجة.. في شهور قليلة دفعوا مئات الشهداء وآلاف الجرحي، شباب في عمر الزهور سقطوا، سالت دماؤهم في الشوارع والميادين وهم يهتفون لمصر ويقدمون أرواحهم رخيصة علي أعتابها.. من منكم يحب مصر أكثر من هؤلاء؟ من منكم مستعد أن يضحي مثل هؤلاء، كلنا من المؤكد، فمصر غالية علي الجميع، لكن الفارق بيننا وبين هؤلاء، إنهم علي موعد دائم مع الموت، يخرجون من بيوتهم يتركون أولادهم، ثم يعودون إليهم جثثا ملفوفة بعلم مصر تحمل علي الأعناق إلي مثواها الأخير. هذا شعب عظيم، يحب الوطن، يضحي من أجله بكل غالٍ ورخيص، انظر إلي عشرات الألوف الذين يزحفون إلي كلية الشرطة والكليات العسكرية الأخري رغم كل المخاطر وكل المحاذير، إنه الواجب، إنه الفداء العظيم، إنه الشرف الذي تفخر به الأسرة ويعتز به الأبناء. رحل اللواء نبيل فرج لينضم إلي سلسلة شهداء الشرطة الأبرار، رحل في وقت نواجه فيه المؤامرة بكل أبعادها من الداخل والخارج، حيث الإرهاب الذي يستهدف الشعب والدولة علي السواء، وحيث المؤامرة التي تريد تحقيق الحلم الصهيوني علي الأرض المصرية.. لقد كان حضور الفريق أول السيسي للعزاء جنبا إلي جنب مع اللواء محمد إبراهيم أمرا لا يخلو من دلالة، كلنا علي قلب رجل واحد، سندافع عن مصر بدمائنا، لن نتركها فريسة للإرهاب وللمتآمرين.. لقد نجح السيسي في إسقاط مخطط أمريكا وأدواته في الداخل وحتما ستنجح الشرطة في دحر فلول الإرهاب التي تستهدف تخريب الوطن وقتل الأبرياء لاعادة مصر إلي حظيرة الطاعة الأمريكية الصهيونية.. إنها معركة مصر كلها.. إقرءوا التاريخ، وساعتها ستدركون أن مصر ستنتصر، حتما ستنتصر.