في مفاجأة لا يتوقعها الأبرياء والبسطاء، أعلنت السلطات الأمريكية أمس الأول عن اكتشاف شبكة تجسس روسية تعمل داخل الأراضي الأمريكية، وتنحصر مهمتها في تجنيد مصادر المعلومات في مختلف أنشطة الحياة الأمريكية، بما في ذلك أنشطة البيت الأبيض، والبنتاجون، ووكالة المخابرات المركزية الCIA ، ثم ارسال هذه الحصيلة إلي موسكو عن طريق أجهزة اتصال حديثة من نتاج القرن الحادي والعشرين، وعصر تكنولوجيا الفضاء!! وفي ذلك لا ينبغي أبدا ان نندهش أو نستغرب، فهذا هو حال الدنيا منذ بدء الخليقة وإلي يوم الدين سواء كانت هناك حرب أو سلم، بل حتي اذا كانت هناك صداقة وطيدة أو أحلاف رسمية معلنة.. سواء كان هذا أو ذاك، فالأمر لا يختلف، والكل يسعي للحصول علي معلومات عن الآخر.. مهما كان هذا الآخر! ومن يعرف قدرا متواضعا عن وسائل وأجهزة التجسس وجمع المعلومات، وهي الأجهزة التي تزدحم بها الكرة الأرضية والفضاء الخارجي لهذه الكرة الغريبة والعجيبة من يعرف هذا القدر المتواضع من المعلومات سيدرك فورا ضحالة وتفاهة مثل هذه الأنشطة التي أعلنت عنها واشنطن أمس الأول، أما الخطير، وما يشكل تهديدا حقيقيا للشعوب والمجتمعات فهو عمليات تخريب المجتمع من الداخل وتقويض أركانه، وفي هذا السياق كان أخطر عميل في تاريخ الجاسوسية. هو هذا المسئول الروسي ولا تسعفني الذاكرة لمعرفة اسمه الذي تم الكشف عنه في أواخر الثمانينيات أو بداية التسعينيات، وبالتحقيق معه بواسطة المخابرات الروسية كان اعترافه المذهل هو ان كل نشاطه كان ينحصر في تسكين وتمكين الرجل غير المناسب في المكان المناسب، والذي هو آخر من يستحقه! بمثل هذا العمل وتلك الخطوة يستطيع أي خائن، وأي عميل، وأي مسئول ضعيف أن يحبط مجتمعا بأكمله، وأن ينزع من وجدانه أي أمل وأي تطلعات، وأن يدفع به دفعا إلي قاع اليأس والانكسار والاحباط.. وفي ذلك، وفي أجزاء كثيرة من العالم لا يحتاج الأمر إلي جاسوس أو عميل أجنبي، لأن هناك كثيرين من بيننا يرتكبون هذه الجريمة.. مجانا ودون انتظار لأجر أو ثواب، اللهم إلا ارضاء لنفوسهم المريضة والضعيفة!