»انتهينا من تنمية الحجر ونحن بصدد تنمية البشر« هكذا أنهي اللواء الدكتور سمير فرج لقاءه معي هذه المرة في الأقصر الأربعاء: توالت أسفاري لأهداف ومواقع مختلفة من العالم جمع بينها أهمية القيمة .. قيمة الفكر والتخطيط، ثم قوة الأداء في التنفيذ. بدأت هذه الرحلة في أمريكا في مدينة new Haven حيث جامعة yale علي مسافة ساعتين من نيويورك وانتهت في اقصي الجنوب حيث مدينة الاقصر عروس الحضارة المصرية مارا بالاسكندرية. في جامعة yale دعينا إلي ورشة عمل عن العلاقات الاسلامية الامريكية والذي جاء بعد عام من خطاب الرئيس »أوباما« في القاهرة. في مدينة »new Haven« الجميلة التي تتبع ولاية Connecticut الأمريكية التي استقبلت المهاجرين الانجليز الاوائل والتي ولدت علي ارضها اعلي مستوي لجامعة امريكية وهي جامعة yale التي خرجت علماء وقادة سياسيين من بينهم الرئيس الامريكي الاسبق Bill Clinton وحرمه وزيرة الخارجية الحالية للولايات المتحدة Hilary Clinton حيث تعارفا اثناء دراستهما للقانون في هذه الجامعة، ومن المعروف ان اعلي كلية في هذه الجامعة هي كلية الحقوق، واذا صح ان هناك جامعة Harvard في الاقتصاد وإدارة الاعمال إلا انه بلا منازع ان جامعة yale هي اعلي مستوي لدراسات القانون، البيوت في هذه المدينة تتميز ب » شياكة« البيوت الانجليزية والخضرة التي تحيط بالمكان ويتميز أهلها بالهدوء واللطف والجمال، وليس لديهم التعجل والعنف مثل اهل New york. وعودة إلي ورشة العمل لاقول ان لقاء جامعة yale كان فيه كرم الضيافة لعميد كلية اللاهوت بالجامعة البروفيسور Harold W.Attridge وفي كلمة الترحيب التي القاها حيث قال : »نرحب بكم جميعا ويسعدني ان نتعاون معا لمناقشة وطرح الافكار لاقامة جسور بين العالم الاسلامي والولايات المتحدة، ونتطلع جميعا لمشاركتكم البناءة لإقامة هذا الصرح الشامخ من التعاون الفعال«. وكان التميز ايضا في الشراكة مع مكتبة الاسكندرية التي ساهمت فكرا وتخطيطا وتنفيذا لورشة العمل. الخميس: وكانت كلمة د. إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة بمثابة ميثاق عن منهج العمل لبناء الجسور بين الشعوب والامم، وتحول الحاضرون إلي طلبة يستمعون إلي »عبقري مصري« يقدم بمنهج علمي الواقع والأمل بتواضع جم، وقد يغضب مني الصديق اسماعيل سراج الدين وانا اقول بصراحتي التي تصدم احيانا: »اشكر الله انه لم ينجح في انتخابات اليونسكو ليكون رئيسا له، فمصر اولي به ومكتبة الإسكندرية تحولت بمعجزة وبفضل دعم مستمر من سيدة مصر الاولي إلي يونسكو مواز لليونسكو للعلم والمعرفة«. لقطة انسانية اخري شدت انتباهي اثناء ورشة العمل وانا اتابع المداخلات النادرة جدا للدكتور محسن يوسف- مستشار د. اسماعيل سراج الدين وذراعه اليمني- وهو يذكر ثلاث مرات جهد معاونيه، واعضاء السكرتارية ليأخذ كل ذي حق حقه من التقدير والتشجيع ليستمروا في العطاء. بقيت الاخت والصديقة السفيرة عالية المستوي السيدة »سلامة شاكر« التي مازالت سفيرة استثنائية لنقل ثقافة وحضارة مصر إلي المجتمع الصغير الذي تعمل فيه وهو جامعة yale قبل المجتمع الامريكي الكبير لانها اعطت »القدوة والنموذج« بعلمها وادبها الجم وجديتها، ونحن الآن علي موعد علي ارض الاسكندرية بمكتبتها المتفردة في يونيو القادم، من اجل ورشة عمل ثانية لبناء جسور الثقة واستمرار الحوار حول الاسلام وأمريكا. الجمعة: ولن ابالغ في تواضعي فاهمل العبارة التي ختمت بها مداخلتي عن »استخدام واستغلال الاديان« وانا اتوجه إلي الجانب الامريكي قائلا: »لقد سمعت خطاب اوباما من خلال الفيديو كونفرانس لمؤتمر الدوحة عن نفس موضوع الإسلام وأمريكا وهو يطلب من المسلمين »الصبر...«، واقول للرئيس الامريكي: »أن مصر بعشرة آلاف عام من الصبر تستطيع ان تستجيب لرغبته، ولكني اضيف له ان الثقافة المصرية والعربية لديها مقولة تاريخية لاننساها.. »للصبر حدود..!«. وكان من الطبيعي ان أهتم بالبعد التاريخي للعلاقات المصرية الامريكية فقلت: »قليل منا يعلم ان الخديو اسماعيل في 0781 اختار الجنرال »شارل ستون« كرئيس لأركان حربه، وبعدها جاء 05 ضابطا ممن اشتركوا في الحرب الاهلية لتحرير امريكا وخدموا في مصر كجنود ودبلوماسيين وجغرافيين، وان امريكا كانت اول دولة في 2291 هنأت وساندت استقلال مصر عن بريطانيا«. وأثناء فعاليات ورشة العمل سمحت لنفسي ان اشير إلي اهمية الموسيقي والسينما في دعم التبادل الثقافي بين مصر وامريكا بالتحديد، واشارت اليه الزميلة »مها عبد الفتاح« كيف ان السينما الامريكية في العقود الماضية كانت من اهم العناصر التي ساعدت الرأي العام المصري علي اكتشاف الشخصية الامريكية والانجذاب نحوها. واشرت انا شخصيا بمصارحة لاتعرف التردد إلي اهمية الاوركسترا الفلسطيني الاسرائيلي بقيادة Daniel Barenboim والذي اصبح الآن مرحبا به في كل بقعة تريد ان تلتقي الآذان والارواح حول رقي الفن والموسيقي. وكانت كلمة الاستاذ الدكتور »إبراهيم أبو العيش« محل تقدير المشاركين في ورشة العمل، وكانت لها ابعاد انسانية حول الموضوع الذي اولاه اهتمامه طوال حياته وهو البيئة. السبت: وفي رحلة العودة إلي الوطن توقفت في الاسكندرية حيث ندوة عن الإصلاح العربي ولفت نظري كلمة جريئة للدكتور اسماعيل سراج الدين وهو يتصدي لخطر ادخال الدين في كل شيء مع خطر الاظلام الذي يهدد الاستنارة وصفق الحاضرون وقوفا لمدة طويلة. واكملت رحلتي في اتجاه الجنوب لاصل إلي الاقصر حيث نموذج آخر للقيمة ولأداء. الاقصر مرة ثانية وثالثة الأحد: لدي شعور- انه لو قدر إلي أن استمر في الكتابة في إعلامنا- أني لن أمل وأنا أتكلم عن التجربة المعجزة في مدينة الاقصر التي احتفل العالم كله بوضعها علي قائمة العواصم العالمية المتميزة، وفي كل زيارة لي كنت اكتشف جديدا واكتشف ايادي بيضاء لسيدة مصر الاولي وللدكتور اللواء سمير فرج. في هذه الزيارة اكتشفت المدينة الشبابية الدولية بالاقصر مع فخامة المبني واتساع المكان الذي يمكن ان يضم من 007 إلي 0021 طالب يحج اليه الطلاب من مدارس اقاليم مصر تحت شعار »اعرف بلدك«، فيأتي طلبة الثانوية والجامعات يرون بأعينهم ويكتشفون عظمة مصر وتفاصيل عن آثارها من الكرنك إلي وادي الملوك حتي تتحقق علي الاقل المساواة بين ما يعرفه شبابنا وما يعرفه الاجانب عن تاريخنا، وسعدت وانا اري مسرحا يتسع إلي 055 فردا سبق للرئيس حسني مبارك ان التقي فيه مع شباب مصر وكذلك سيدة مصر الاولي مع القيادات النسائية بجنوب مصر وهي تشجعهم وتؤيدهم في ان يأخذوا مكانهم وحقوقهم علي ارض الواقع، وجاء ايضا السيد جمال مبارك ليقيم حوارا متميزا مع الشباب ويرد علي اسئلتهم الراغبة في اكتشاف معالم حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الإثنين: وقابلت في مدينة الاقصر خبيرة في الشئون العقارية الاستاذة لمياء الهضيبي التي سمعت عرضا من اللواء سمير فرج في لقاء مع »الانرويل« وانبهرت واكتشفت في نفس الوقت انها لم تزر الاقصر في حياتها، فتوجهت إلي الاقصر في تردد تكتشف من ناحية عظمة الماضي والتاريخ في برنامج الصوت والضوء، ثم تمارس مهنتها في اقتصاديات الثروة العقارية، وكان لها آراء وضعتها امام محافظ الاقصر عن كيفية استفادة الدولة او بمعني اصح الحكم المحلي من ارتفاع القيمة العقارية بعد ثورة الاصلاح التي نالت كل ركن في هذه المدينة فاعطتها اصالة وجمالا ونظافة. الثلاثاء: اكتشاف آخر اسعدني علي ارض الاقصر من خلال هذا الجهد الدءوب الذي لا يعرف التوقف ولا العقبات من جانب سيدة مصر الاولي السيدة سوزان مبارك فتنشئ 701 مدارس بمدينة الاقصر من خلال جمعية مصر الجديدة. حينما اتكلم اكثر من ثلاث مرات علي صفحات جريدة الاخبار في هذا المكان عن الاقصر فمن الممكن ان يقال انه تحيز للواء سمير فرج واقول بلا تردد: »لم اخف يوما في حياتي من ان انحاز إلي القيمة وقوة الاداء، وللذين يضيفون في موقع عملهم كل يوم شيئا جديدا«. ولن يمر وقت طويل حتي يكتشف اهل »إسنا« و »أرمنت«- المدينتين اللتين انضمتا حديثا إلي محافظة الاقصر- ومعهم شعب مصر ان عدوي النجاح والتميز ستنتقل من الاقصر إلي كافة ارجاء المحافظة الجديدة، واسمح لنفسي ان اذيع سرا من الممكن ان نسميه علي سبيل الدعابة »سر دولة« وهو ان سيدة مصر الاولي لا تؤيد ولا تساند الا من لهم القدرة علي التميز في الفكر والتخطيط والتنفيذ لان اولوياتها هي مصر قبل كل شيء. درويش رجل المهام الصعبة الأربعاء: يقولون ان الوزير درويش من المقربين إلي رئيس الوزراء نظيف وسبق ان عمل معه في مكتبه وهو وزير اتصالات ولكن ذلك لم يمنع ان يختار له وزارة التنمية الادارية وهو تكليف بأحد اصعب المهام التي توكل إلي مسئول في مصر، فتخيلوا ان الوزير مسئول عن إرضاء ما يزيد علي 5 ملايين موظف بالجهاز الإداري للدولة وتحقيق ثلاث معادلات بالغة التعقيد: الاولي: ما معيار التفرقة بين الموظف الذي لديه قدرة وفاعلية والآخر الذي يقرأ الصحف عدة مرات وهو يحتسي القهوة والشاي حتي يحين وقت الانصراف او ما يسمي إدارياً »انتهاء الدوام«؟ المعادلة الثانية: كيف يمكن ان ندخل دما جديدا في جسد الادارة المصرية يكون ذا مهارات عالية وان نعطيه المرتب الكافي دون اثارة احقاد كثير من القدامي غير الفاعلين؟ والثالثة: كيف يمكن مواجهة الاصلاح الوظيفي ومحاربة الفساد دون ان يكون التمسك بالشعبية السهلة هو الهدف؟ ومع ذلك فأنا متفائل بقدرة هذا الوزير علي مواجهة كل هذه المشاكل، لان لديه القدرة علي التخيل وكذلك القدرة »المؤدبة« علي المواجهة، واسمح لنفسي ان ابدي رأيا شخصيا اوجهه إلي الاخ والصديق د. فتحي سرور رئيس البرلمان الذي كان منذ شبابه متقدما علي سنه والعزيز »عبقري الإعلام« صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري لاقول لهما: »ليت قانون الوظيفة العامة يكون له مكان في الدورة الحالية للبرلمان، لان تأجيل المشاكل الصعبة ليس حلا لها، وثقتي كبيرة في ان ممثل القيادة السياسية يستطيع بجدية وأمانة ان ينجح في انتخابات الرئاسة القادمة« . ولن يعوق ذلك طرح قانون الوظيفة العامة لانه اذا صح ان الموظفين يمثلون Lobby في اي انتخابات فإن الشرائح الضخمة من الاغلبية الصامتة لهذا الشعب تريد ان تري موظفي الدولة قد تم ادخالهم في منظومة »الضبط والربط«. وبمناسبة الكلام عن »فتحي سرور« أود ان اوضح انه كان في الستينات مستشارا ثقافيا وهو اقل سنا من معظمنا كمبعوثين وقد سمعت السفير عبدالمنعم النجار يقوم بدور »العراف« وهو يقول للطلاب مقولته الشهيرة: »أعرف ان فتحي سرور صغير جدا، ولكن تأكدوا انه سيصل يوما ما« ووصل الرجل إلي ما يستحقه وما نتمناه له ورحم الله السفير عبدالمنعم النجار. وفي برنامج »خاص جدا« للإعلامية القديرة »عزة مصطفي« تكلم د. فتحي سرور عن ذكريات باريس وأنني شاهد علي العصر لهذه المرحلة واليوم اقدم شهادتي كتابة..! اما عن الاستاذ »صفوت الشريف« رئيس مجلس الشوري، فأسمح لنفسي ان اذيع »سرا« عن ماضيه وهو وكيل لهيئة الاستعلامات في السبعينيات حين جاءت الفرصة ليرشح رئيسا للاستعلامات وكان رده بدلا من التمسك بالطموح وقبول الترشيح ان قال: »ليس لدي بعد امكانية السيطرة علي مقومات هذه الوظيفة، وافضل الانتظار حتي يتم ذلك ويتحقق لي وللمنصب النجاح«.