بينما كان عثمان أحمد عثمان مشغولا في معركة بناء قواعد الصواريخ مع المهندسين فوجئ باستدعائه إلي المخابرات العامة بلا سبب وتدخل السادات للافراج عنه كان بناء قواعد الصواريخ علي ضفة القناة ملحمة بطولة اسطورية لقطع الذراع الطويلة للطيران الاسرائيلي.. وكلف الرئيس عبدالناصر نائب الرئيس أنور السادات -وقتها - بالاشراف علي عملية تجهيز الخط الدفاعي من قواعد الصواريخ ومتابعة الانشاءات الجارية ليل نهار تحت الخطر من الغارات الاسرائيلية، وتم اسناد مهمة بناء قواعد الصواريخ »سام 2« الروسية وحظائر طائرات الميج السوخوي الي شركة المقاولون العرب - في زمن قياسي - حتي يمكن حماية سماء مصر في العمق.. وكما روي لي المهندس عثمان أحمد عثمان ان المهندسين والعمال نجحوا في تنفيذ تلك المهمة الصعبة في سرعة خارقة وبشكل لم يصل اليه مستوي أي شركة عالمية متخصصة، وكان الرجال يعيشون ويعملون في عين الخطر ويواصلون البناء طوال الليل تحت قصف الطائرات الاسرائيلية التي كانت تحاول تدمير ما يتم اقامته من قواعد الصواريخ وبدرجة انه سقط منهم في يوم واحد 005 شهيد، وكان اهتمام القيادة السياسية مشدودا الي جبهة القناة لكي ينتهي بناء تلك القواعد في أسرع وقت لقطع الطريق علي الطيران الاسرائيلي! وبدأت المهمة عندما استدعاني انور السادات عقب عودة عبدالناصر من زيارته السرية لموسكو في يناير 07 لكي يطلب إرسال الصواريخ الروسية الجديدة طرازي سام 2 و3 وشرح لي السادات الموقف الخطير الذي نتعرض له ولا وسيلة للرد إلا ان نقيم قواعد الصواريخ التي تستطيع التصدي للطيران الاسرائيلي وحماية المطارات والمنشآت المهمة في العمق اثناء حرب الاستنزاف التي ارهقت العدو وكبدته خسائر فادحة - وقال السادات: لا نريد هذه القواعد في موقع أو موقعين ولكن علي امتداد الجبهة كلها حتي تكون بمثابة حائط الصوايخ وأخبرني انه تم اعتماد اربعين مليون جنيه لاقامة هذه المنشآت، والمطلوب ان تنتهي هذه المهمة في مدة لا تتجاوز الشهرين وهي معركة تحد كبيرة وسوف تفعل اسرائيل المستحيل حتي لا نتمكن من اقامة هذه التحصينات للطائرات وحائط الصواريخ! ونبهني السادات إلا يصيبني اليأس أثناء تنفيذ المهمة شبه المستحيلة لان الاسرائيليين سيحاولون تدمير ما يتم بناؤه أولا بأول وإحداث اكبر خسائر في العمال والمهندسين. كانت حرب الاستنزاف في ذروتها وكانت المدافع الاسرائيلية- ايضا - تقصف مواقع الصواريخ بلا هوادة وكان الطيران الاسرائيلي يستهدف الآلاف الذين يقومون بالمهمة حتي لا تتم إقامة القواعد بهذه السرعة، ولكن الرجال واصلوا اصرارهم علي اعادة بناء ما يتم تدميره في الغارات وبناء قواعد اخري بديلة في الليل، وبدرجة ان الطيران الاسرائيلي قام بتدمير إحدي القواعد بعد بنائها خمس مرات ومع ذلك نجح العمال المهندسين المصريون في اقامتها ونصبت فيها الصواريخ وكانت مفاجأة رهيبة للعدو عندما بدأ تساقط طائرات الفانتوم والسكاي هوك الامريكة الحديثة في مواجهة صواريخ سام التي ارسلها الاتحاد السوفيتي علي وجه السرعة ولم يصدق الخبراء الروس سرعة الانجاز الذي يتم به بناء قواعد الصواريخ! وفي ذات الوقت كانت عمليات الاستنزاف تتصاعد في عمق سيناء ضد المواقع والاهداف الاسرائيلية وهو الامر الذي لم تتوقعه جولدا مائير رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع وفشل الطيران الاسرائيلي في غارات العمق أيضا! خطة حائط الصواريخ ويروي الفريق محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي تفاصيل أخري من الملحمة: في يوم 62 مارس 07 عقد الفريق أول محمد فوزي القائد العام اجتماعا سريا قرر فيه خطة انشاء نظام دفاع جوي جديد في منطقة الجيش الثاني ومنطقة الجيش الثالث علي امتداد الجبهة وبحيث يعطي الحماية الجوية لمواقع ضفة القناة.. وفي 51 مايو تم اعداد خطة من ثلاث مراحل لاقامة حائط الصواريخ.. وتهدف المرحلة الاولي الي انشاء الحائط علي مسافة 05 كيلومترا غرب القناة لكي يمتد شرقا في المرحلة الثانية ويصل الي مسافة 03 كيلومترا ثم يتوغل في المرحلة الثالثة إلي مسافة 01 - 81 كيلومترا من القناة وهو ما يعني ان حائط الصواريخ يلقي بظلاله علي منطقة الجبهة بالكامل بل يتعداها ببضعة كيلومترات في سيناء شرق القناة! وفي يوم 72 مايو بدأنا احتلال حائط الصواريخ بطريقة الزحف البطيء علي الجبهة، ونجحنا في الانتهاء من المرحلة الثالثة قبل منتصف ليلة 7 أغسطس بعد ملحمة عرق وكفاح من الرجال - مدنيين وعسكريين - وبعد محاولات شرسة من العدو للحيلولة دون ذلك.. وقمنا بعد ذلك بتطوير وتدعيم حائط الصواريخ وزيادة مناعة التحصينات وأعمال الخداع والتمويه واستمرت اعمال التطوير حتي اكتوبر 37.. ويتذكر الفريق فهمي واقعة ساهمت في تأمين مواقع الدفاع الجوي ويقول: في نهاية عام 96 كنت اقرأ عدد مجلة نيوزويك الامريكية ولفت نظري موضوع يقول انه بعشرة قروش يمكن للسائح الاجنبي في مصر التعرف علي مواقع صواريخ الدفاع الجوي حول القاهرة من منظار برج الجزيرة، وبعدها طلبت من الفريق أول فوزي وضع البرج ضمن المناطق المحظور ارتيادها الي ان تنتهي الحرب! تحقيق في المخابرات بينما كان عثمان أحمد عثمان »المعلم« - كما كانوا يطلقون عليه - منهمكا في مكتبه في معركة بناء قواعد الصواريخ مع الخبراء العسكريين والمهندسين ومتابعة اعادة بناء ما تدمره الطائرات الاسرائيلية في غاراتها المستمرة علي مدي النهار وبينما كان العمال يواصلون البناء في الليل لتفادي الغارات الاسرائيلية.. ووسط هذه الاجتماعات دخلت عليه سكرتيرته وعلي وجهها علامات الانزعاج وابلغته ان شخصين يريدان مقابلته علي وجه السرعة ولكنه طلب منها الاعتذار لهما لانشغاله وتحديد موعد آخر لهما.. ولكنها عادت وابلغته باصرارهما علي مقابلته فورا.. وشعر عثمان بأن هناك شيئا ما وغادر الاجتماع الي غرفة مجاورة وقابلهما وعرف انهما ضابطان من رئاسة الجمهورية وطلبا منه اصطحابهما الي الرئاسة لان امين هويدي رئيس المخابرات يريده في أمر مهم وتساءل عثمان: ولماذا لم يتصل بي تليفونيا؟ فاعتذرا بأن هذه هي التعليمات.. واضطر عثمان الي انهاء الاجتماع ووجد في انتظاره سيارة سوداء وركبها ولكن بدلا من ذهابه الي رئاسة الجمهورية وجد نفسه امام مبني المخابرات العامة واقتاده الضابطان الي غرفة خالية واغلقا الباب.. واستغرب عثمان هذا التصرف بالنسبة له وفي مثل هذه المسئولية الملقاة عليه. ومرت الساعات وفي السادسة مساء دخل عليه شخص وطلب منه اصطحابه لمقابلة أمين هويدي.. ولكنه لم يجده في المكتب وكانت المفاجأة الاكبر عندما قالوا له: انه الآن الان امام النيابة العسكرية.. وسألهم عثمان: وماذا تريدون مني؟ فاخرجوا ورقة كبيرة مثل الخرائط وعليها رسوم.. فقال لهم: انها حظيرة من حظائر الطائرات التي يقوم المقاولون العرب بتصميمها وتنفيذها.. فسألوه عن مهندس اسمه محمد متولي مندور؟ واخبرهم انه احد مهندسي الشركة وكان والده يعمل كهربائيا معه وسافر الي فرع الشركة بالسعودية ليساعد ابنه علي إكمال تعليمه في كلية الهندسة ثم عمل بعد ذلك في الشركة! فقال له المحققون: ان هذا المهندس أخذ الرسم وسلمه الي المخابرات الاسرائيلية! وفهم عثمان لماذا تم استدعاؤه الي المخابرات العامة بهذه الطريقة وابدي غضبه.. وقال لهم: هل هكذا يعامل عثمان احمد عثمان الذي يتولي اخطر المسئوليات وما دخلي بما فعله هذا المهندس؟ وعندما تأخر عن العودة الي بيته بالهرم انزعجت زوجته واتصلت بالسادات نائب الرئيس وابلغته بما حدث له في مكتبه في الصباح.. وتدخل السادات واتصل بهم وابلغ ما حدث للرئيس عبدالناصر وكانت الاتصالات التي اجراها السادات سببا في الافراج عن عثمان في الحادية عشرة مساء ولكنهم طلبوا منه ألا يقول لاحد شيئا عما حدث، وطلبوا منه الحضور في صباح اليوم التالي لاستكمال التحقيق.. وتوجه عثمان بالفعل الي المخابرات وواجه ذلك المهندس ولكنه اعترف بأنه التقي ببعض الالمان الذين عرضوا عليه الاستعانة بخبرته في تنفيذ الدشم وقواعد الصواريخ واعطاهم الرسوم مقابل اغرائه بمرتب كبير ولم يكن يعلم انها ستصل الي المخابرات الاسرائيلية.. ولم يقابل عثمان مطلقا أمين هويدي! ليلي مراد .. والملك ! الأربعاء: لم يكن الملك فاروق »زئر نساء« كما يتصور الكثيرون وكما اشيع عنه من اقاويل وافتراءات مبالغ فيها.. ولم تكن له علاقات نسائية خفية مع فنانات وسيدات مجتمع وكذا لم يكن يشرب الخمر وانما كان يلعب الورق في سهراته الخاصة مع الحاشية الملكية - مثل الياس اندراوس وانطون بوللي - ويجد سعادة حين يكسب في اللعبة وكان المقربون منه يعرفون ذلك عندما كانوا يتعمدون ان يخسروا له حتي يتقربوا منه.. وكانت معظم سهرات فاروق في نادي السيارات للعب الورق وكان يسهر احيانا في الحلمية بالاس ويحيط نفسه علي مائدته بالسيدات الجميلات حتي تنطلق الشائعات النسائية عنه لكي يغطي علي ضعفه بعد حادث القصاصين الذي دبره الانجليز وكاد يودي بحياته. ومعظم غراميات فاروق نسجتها الشائعات التي روجها بعض الكتاب بعد يوليو وتنازله عن العرش ما عدا علاقته مع النجمة الفاتنة كاميليا التي وقع في غرامها وكان يصحبها في رحلات سرية الي قبرص، وكان فاروق معجبا بالراقصة سامية جمال بعدما رقصت امامه في دوفيل - في فرنسا - ولكنها اكدت لي انها لم ترتبط مع الملك بأي علاقة وقد دعاها مرة واحدة للعشاء في قصر عابدين مع الحاشية! وهناك واقعة معينة في يوم اتصلت ليلي مراد بصديقها الموسيقار عبدالوهاب وقالت له: عايزه اشوفك حالا.. واستغرب عبدالوهاب وسألها: حالا ليه؟ وذهبت الي منزله وروت له ليلي مراد امرا غريبا وهي ترتجف: امبارح جاءني شخص اسمه بوللي السكرتير الخاص للملك فاروق واخبرني ان جلالة الملك عاوز يشوفك في القصر وتغني له فوافقته علي الفور.. وذهبت الي مكان محدد وادخلوني من باب جانبي للقصر.. ووجدت فاروق جالسا في الصالون.. وصافحته وقبلت يده وكان رقيقا ودعاني للجلوس وطلب ان يسمع صوتي وغنيت له احدث الاغاني وهو في قمة الانسجام! وبعد انتهائها من الغناء نظر اليها الملك وسألها: يا ليلي.. بيقولوا عليك بتحبي عبدالوهاب ونفت ذلك بشدة واقسمت له انها تربطها به صداقة فنية بعدها لحن لها اشهر اغاني افلامها.. وقبل ان تمضي في حديثها فوجئت بالملك يقول: يا بوللي.. عبدالوهاب بكرة كده! واشار الي رقبته بمعني »الدبح« وتركت ليلي مراد القصر وهي لا تصدق اذنيها لانها كانت تحب عبدالوهاب.. وقالت له: يا مصيبتي .. يا مصيبتي.. الحق شوف ايه الحكاية؟ ده راجل مجنون! وانصرفت ليلي مراد الي منزلها وهي ترتجف من الخوف والرعب من تهديد الملك بذبح عبدالوهاب ولم تكن تدري انه كان يخيفها للابتعاد عن عبدالوهاب الذي توجس شرا وذهب الي صديقه الحميم عبدالحميد عبدالحق »باشا« وروي له ما حدث مع ليلي مراد وما طلبه الملك من بوللي.. وانزعج عبدالحق باشا الوزير الصعيدي ونصح عبدالوهاب بالاختفاء فترة من الوقت، وعرض عليه ان يذهب الي عزبته في أبوقرقاص ويقيم هناك شهرين حتي ينسي الملك.. وبالفعل سافر عبدالوهاب الي عزبة أبوقرقاص وارتدي الملابس الصعيدية، وبينما نبه عبدالحق باشا علي الجميع ألا يفتحوا سيرة عن الضيف الموجود عنده! وفي نفس الوقت اعتكفت ليلي مراد في بيتها وقاطعت اصدقاءها.. ولم يتصل بها بوللي بعد ذلك فقد نسيها الملك وكان السبب فيما حدث هو كراهيته الشديدة لعبدالوهاب بسبب المعجبات به من أميرات الأسرة المالكة وخاصة أمه الملكة نازلي! هوجة الطب والنصابون! الأحد: إنها خواطر طبيب من جيل العمالقة عن أحوال الطب في هذا الزمن بعدما صارت الهوجة متفشية في مهنة الرحمة والانسانية وتسيئ إلي سمعتها السامية في مصر فقد تلقيت رسالة من الصديق الدكتور علاء الصيفي تعبر عن هموم أستاذ الأذن والأنف والحنجرة الكبير من الوضع المتردي للمهنة: »لعلك تدرك أنه في مجال الطب أصبح الوضع يتسم بالفوضي والهوجة نظراً لزيادة عدد الأطباء وعدم حصولهم علي التدريب الكافي واستغلال اطباء الدرجة الثانية والثالثة والنصابين للإعلام المرئي والمكتوب لتلميعهم والمريض في حيرة لمن يذهب إلا إذا كان هناك مريض آخر أو طبيب يوجهه كما أن بعض المستشفيات الاستثمارية تقوم بتعيين من يدفع مبلغاً من المال كاستشاري فتجد قائمة الأطباء تشمل معيداً إلي جانب أستاذ متمرس«. وبعد أن كانت مصر مقصداً للمرضي العرب والأفارقة فقدت وضعها المميز نظراً لنشر العديد من الأخطاء التي يرتكبها بعض الأطباء، بدأ الناس يفقدون الثقة في الطب المصري.. فالقادرون يتوجهون للخارج (وأحيانا إلي إسرائيل) لإجراء جراحات الأذن وغير القادرين يجرون عملياتهم بالمستشفيات الجامعية أو التأمين الصحي بنتائج كارثية! وتنتهي رسالة الدكتور علاء الصيفي التي تحمل همومه عن أحوال الطب في مصر.. والسؤال: أين نقابة الاطباء؟