بدا أن كأس العالم لكرة القدم تنضج في البداية علي نار هادئة لكن حين اشتعلت المنافسة بنهاية دور المجموعات ظهرت قوة الحدث وما يحمله من إبهار وزخم.. وشكلت مفاجات مثيرة بينها خروج بطل كأس العالم 2006 ووصيفه والصعود المستحق لمنتخبات كانت خارج دائرة التوقعات إضافة لبعض المواجهات المثيرة والأخطاء الفادحة لحراس المرمي ومباراة شهدت تسجيل سبعة اهداف ملامح الاثارة في البطولة علي مدار أسبوعين.. كما شهدت البطولة أيضا بعض الاحباطات بعد فشل جميع ممثلي افريقيا باستثناء غانا في الظهور بالشكل المطلوب في اول بطولة تقام علي اراضي القارة السمراء حيث اصبحت جنوب افريقيا اول دولة مضيفة في تاريخ البطولة تفشل في بلوغ الدور الثاني.. وسادت امال كبيرة في جنوب افريقيا بعد أن استعاد الفريق مستواه وتعادل مع المكسيك 1-1 في مباراة الافتتاح لكنها دفعت ومعها منتخبات اخري عديدة ثمن النهج الذي يعتمد علي الخروج بنتيجة مطمئنة حيث ارتد ذلك عليها بهزيمة مفجعة 3-صفر امام اوروجواي.. وخاضت الكثير من المنتخبات أولي مبارياتها وهي تحت تأثير الخوف الشديد من الهزيمة لدرجة انستها محاولة البحث عن الفوز.. وبالنسبة لمنتخبات مثل ساحل العاج والكاميرون واليونان وصربيا فإن مبارياتها الأولي في الدور الأول كانت الأهم لها في النهائيات لكن التفكير قصير المدي كلفها غاليا ودفعها في النهاية الي توديع البطولة.. وشكلت ايطاليا وفرنسا حالة مختلفة حيث كانت بدايتهما السيئة نتيجة لطريقة اللعب السيئة أكثر من الافتقار الي الطموح.. وسيشكل الانهيار الذي عاشته فرنسا داخل وخارج الملعب واحدا من الذكريات التي ستبقي في البطولة.. وبدت فرنسا غير فعالة في مباراتها الأولي التي تعادلت فيها بدون أهداف مع اوروجواي وتفوقت عليها المكسيك في المباراة لتهزمها بهدفين قبل أن تتحطم فرنسا ذهنيا قبل ملاقاة جنوب افريقيا وهو ما شكل المسمار الاخير في نعش الديوك الفرنسية التي عادت الي بلادها يطاردها الخزي والعار.. ولم يكن الحال أفضل بالنسبة لايطاليا التي بدت ظلا متصدعا لبطل 2006 علي الرغم من انها قاتلت حتي النفس الاخير.. وبدا حامل اللقب عقيما في المباراة الاولي التي تعادل فيها مع باراجواي ثم ظهر كما لو انه يفتقر بشدة للابداع عندما تعادل مع نيوزيلندا قبل ان تتفوق عليه سلوفاكيا وتتغلب عليه بشكل مفاجيء 3-2 .. وخرج حامل اللقب ووصيفه بعد ان تذيلا مجموعتين بدا في البداية أنهما تتسمان بالسهولة. ويتمثل العزاء الوحيد لمدربي ايطاليا وفرنسا وهما مارشيلو ليبي وريمون دومينيك في انهما اعلنا بالفعل انهما سيرحلان عقب البطولة.. كما عانت منتخبات كبري أخري مثل اسبانيا أثناء البطولة حيث بدت الاخيرة كما لو انها لا تتمتع بالنضج الكافي أمام سويسرا قبل أن تتعافي بتحقيقها فوزين متوقعين علي هندوراس وتشيلي بينما شقت انجلترا طريقها إلي الدور الثاني بصعوبة.. ومع كل الحديث عن استفادة المنتخبات الاوروبية من إقامة كأس العالم في الشتاء فان هولندا فقط هي التي عبرت للدور الثاني من هذه المنتخبات بعد ان حققت الفوز في مبارياتها الثلاث فيما بدت البرتغال كما لو انها تشكل تهديدا حقيقيا.. وهيمنت امريكا الجنوبية علي مجريات البطولة الا ان مصدر المتعة في هذه البطولة لم يكن البرازيل والارجنتين فقط حيث تصدرت اوروجواي وباراجواي مجموعتين بينما استطاعت تشيلي ان تعبر للدور الثاني بعد احتلالها المركز الثاني في المجموعة الثامنة عقب فوزها بأول مباراتين.. وانضم إلي هؤلاء في دور الستة عشر منتخبات مثل سلوفاكيا والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وهي فرق استحقت التأهل بعد أن أظهرت شجاعة والتزاما حقيقيا بالهجوم.. ومع ذلك فان هذا يكشف عن عدم وجود اي مباريات سهلة علي صعيد كرة القدم العالمية.. وقال ارين روبن جناح منتخب هولندا لرويترز "كانت هناك الكثير من المفاجات وأظهرت الفرق انه لا توجد فوارق كبيرة بينها.". وسيتذكر الجميع فوز سلوفاكيا علي ايطاليا خاصة اخر 20 دقيقة في المباراة والتي بدت في غاية الاثارة باعتبارها أكثر المباريات حيوية في هذه الجولة الا ان هناك مباريات اخري تستحق ذكرها بقدر من الاحترام.. وبدت مباراة استراليا وصربيا كما لو انها لقاء بين اثنين من ملاكمي الوزن الثقيل يلعبان في نهاية الجولة 12 من نزالهما حيث كال كل منتخب الهجوم للاخر في مباراة سارت بوتيرة سريعة منذ بدايتها لنهايتها وانتهت بهزيمة الاثنين بالضربة القاضية حيث ودع المنتخبان المنافسات.. ورغم الهزيمة القاسية لكوريا الشمالية بسباعية نظيفة امام البرتغال الا ان علي ابناء الشطر الشمالي ان يتذكروا كيف امكنهم ان يصيبوا البرازيل بهزة لفترة قصيرة في نهاية المباراة التي خسرتها كوريا الشمالية 2-1 بينما تستحق نيوزيلندا الاشادة بعد ان ودعت البطولة دون ان تخسر امام ايطاليا او باراجواي او سلوفاكيا.. وكان توقع بيليه الشهير بفوز منتخب افريقي بكأس العالم قبل نهاية القرن ينصب علي القرن العشرين لكن تحقيق افريقيا للنجاح في القرن الحادي والعشرين قد يكون حلما بعيد المنال بعد عروض أخري محبطة.. ورغم المشاركة القياسية لافريقيا في هذه البطولة بستة منتخبات الا ان القارة السمراء واجهت مشكلة اخري حيث تفوقت عليها بقية منتخبات القارات الاخري فيما بقيت غانا لتحمل لواء افريقيا.. وعلي الرغم من ان الدور الاول جاء مثيرا ومسليا ورفع من درجة حرارة البطولة الا ان علي كل من يتباهي بالأسماك الصغيرة التي لا تزال تسبح في المياه الضحلة أن يذكر أسماك قرش مثل البرازيل والارجنتين والمانيا التي حصلت مجتمعة علي عشرة القاب في كأس العالم لا تزال تسبح متوعدة في الأعماق.