هل السفر مجرد تغيير للمكان.. الجو والبشر. أم أنه غسيل كامل للحواس نعود منه قادرين علي الرؤية والتذوق بحواس أخري متفتحة.. يقظة؟! عندما تقلع بنا الطائرة من أرض الوطن تداهمنا مشاعر غامضة هي خليط عجيب من التناقضات الانسانية التي تستعصي علي الفهم! الفرح الافتقاد التطلع لفترة زمنية ولو قصيرة تخفف من ضغوط الحياة ومسئوليات العمل وفي اللحظة نفسها تفكير في رؤوس موضوعات لموضوعات ومقالات ويوميات سأكتبها في جريدتي الحبيبة: »الأخبار« حينما أعود الي أرض الوطن! الانسان مجموعة متناقضات لغز كبير لا يملك مفتاح فك شفرته الا الله الخالق الأعظم الذي خلقه في أحسن تكوين. أنا - شخصياً - أسافر لأكتشف ليس فقط البلدان التي أحط فيها الرحال.. بل لأكتشف نفسي وأطل بتأمل علي نافذة روحي والآن لن أسهب في الكتابة عن تلك التجربة الروحانية التي أعيشها في كل سفرة من سفراتي فلهذا حديث آخر منفصل ومستقل وهي تجربة جديرة بأن تروي علي كل حال.. لكن لكل شئ أوان وأنا إنسانة قدرية لا استعجل أمراً ولا أنتظر واؤمن بأن ليس علي الانسان الا ان يعمل ويعيش مخلصاً لما يعتقد ويؤمن به ولمن يحب أما الأرزاق فعلي الله والكتابة - عندي - هي الرزق الجميل الذي أدعو الله أن يمنحني الشحنة والقدرة الإبداعية كيما استمر أكتب! تونس.. هي أرض الله التي هبطت عليها طائرتي تونس الخضراء.. التي حباها الله من الجمال والبساطة والتناغم الكثير بلد صغير مساحتها فقط 551.261 كيلو مترا مربعا وعدد سكانها حوالي 11 مليوناً منهم مليون يعيشون مغتربين خارجها اللغة الرسمية هي العربية لكن اللغة الاكثر انتشاراً هي اللغة الفرنسية الديانة: الاسلام (طبعاً) وهناك أقلية بسيطة جداً من المسيحيين وأقلية أكبر قليلاً من اليهود. الدينار هو العملة المتداولة هناك وهو يقترب من سعر الدولار الأمريكي الدينار (13.1 دولار) أهم ما يشتهرون به زيت الزيتون والزيتون (طبعاً) والسياحة عندهم علي ما يرام حوالي 7 ملايين سائح سنوياً. كانت سفرتي هذه المرة الي تونس (ثالث زيارة لي اليها) للمشاركة في مؤتمر دولي تقيمه دار الحرية وهي من أكبر الدور الصحفية هناك دعاني الدكتور أحمد الخديري رئيس مجلس الإدارة لتقديم ورقة في هذا المؤتمر وعنوانه: الإعلام والتنشئة المتوازنة للشباب وكان المشاركون فيه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، واتحاد اذاعات الدول العربية، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، والوكالة التونسية للاتصال الخارجي. بصراحة.. شدني موضوع المؤتمر لأنه سيناقش القضية التي تشغلني وتأخذ كثيراً من تفكيري: الشباب لذلك وافقت رغم ازدحام جدول عملي جداً في تلك الفترة المحددة لانعقاد المؤتمر في تونس وكان علي ان اختار الموضوع الذي أشارك به واكتب فيه لم أجد موضوعاً آنياً ومحورياً ومؤثراً في الشباب المصري أكثر من تأثير الإنترنت والفيس بوك وغيرها من المواقع الإلكترونية علي تشكيل فكره وتوجيه أهدافه لذلك كان هذا هو محور ورقي. أما المشاركون الآخرون فقد كانوا يمثلون أكثر من قطر عربي من المغرب شارك الدكتور محجوب بنسعين خبير الاتصال بقسم المعلومات والاتصال بالايسيسكو والدكتور عبد الوهاب الرامي.. أستاذ الصحافة بجامعة الرباط ود. علي كريمي خبير في قانون الاعلام واستاذ في جامعة الحسن الثاني بالمغرب. ومن الكويت شارك ماضي خميس الأمين العام للملتقي الاعلامي العربي. ومن تونس شارك محمد الغرباني الامين العام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي والدكتور عبد الباقي الهرماسي رئيس المجلس الاعلي للاتصال ود. فتحي التريكي المشرف علي كرسي اليونسكو للفلسفة ود. المنجي الزيدي المدير العام للوكالة التونسية للاتصال الخارجي وهادي المشري رئيس جمعية مديري الصحف التونسية ود. نجيب بو طالب مدير المعهد العالي للإنسانيات بتونس ود. زهرة الغربي مديرة معهد الصحافة بجامعة منوبة - تونس. الشباب هو مستقبل البشرية والكتلة الأكثر تأثيراً وديناميكية في أي مجتمع والدراسات تقول ان الشباب من سن (51 - 52 سنة) يمثلون أكثر من 22٪ من سكان العالم وفي البلاد النامية أكثر من 06٪ أوروبا تعاني من الشيخوخة بسبب قلة المواليد أما بلادنا نحن فهي رغم كل شئ غنية بثروة كبيرة اسمها: الشباب! هذا الشباب الذي تأثر بالعولمة الثقافية ووسائلها المتعددة من إنترنت وفضائيات تلك العولمة التي تسعي الي إعادة تشكيل العالم وفق نموذج محدد هو النموذج الأمريكي وفي سبيل ذلك تحاول تذويب الهويات الخاصة في كيان عام هائل متجانس تعبر من خلاله الأفكار والقيم والسلع. والوسيلة التي تستخدمها العولمة لتحقيق ذلك هي تفكيك العالم بقسوة حتي يصبح الجميع علي الخارطة أقليات وبعد تحول الجميع الي قطع صغيرة في نظام عالمي شامل يتخلق فضاء بلا حدود تنتشر عبره الصور والمعلومات والتكنولوجيا التي يقدمها منتج قوي الي مستهلكين ضعفاء ينتظرون ما يقدم إليهم دون اعتراض! والشباب هم الشريحة الأولي التي تستهدف العولمة إعادة صياغتها وذلك لأسباب عديدة. أولاً: لأن الشباب يشكلون أغلبية في مجتمعات العالم الثالث. وهم الشريحة الأكثر رفضاً للنظم الاجتماعية والسياسية السائدة كما ان الشباب هم الأكثر قابلية لإعادة التشكيل والأكثر ميلاً الي التجديد. أما الانترنت فقد كان الضالة المفقودة التي تلقفتها العولمة بفرح وحماس واستخدمته استخداماً كاسحاً لإلغاء المكان والزمان من خلال ثورة هائلة في وسائل التكنولوجيا الحديثة ولعل أهم ظاهرتين تستوليان الان علي عقول شبابنا هما: »الفيس بوك« .. و»المدونات«. المؤتمر كان أكثر من رائع والأبحاث والدراسات والأوراق المقدمة خلاله كفيلة برسم استراتيجية ناجحة وعلمية للتعامل مع شباب اليوم.. كنزنا الحقيقي الذي يحتاج الي خطاب مختلف.. ومساندة من نوع خاص حتي يخرج طاقاته الكامنة الضخمة شباب اليوم لا يحتاج الي وصاية الكبار لأنه شباب مختلف لكنه سيعطي أفضل ما عنده إذا ما حاورناه بلغته وتعاملنا معه عن طريق وسائله وأماكنه المألوفة وأهمها الإنترنت و»الفيس بوك« علي وجه التحديد. لكن كيف وما هو الخطاب الذي علينا صياغته؟ ولماذا أعلن الرئيس زين العابدين بن علي الرئيس التونسي عام 0102 عاماً للشباب واستجابت لدعوته الجمعية العمومية للأمم المتحدة فأعلنت بدورها عام 0102 عاماً دولياً للشباب.. فلهذا كله حديث آخر..! علي جدران الذاكرة: لا أنت أنت ولا الديار ديار (أبو تمام) والآن لا أنا أنا ولا البيت بيتي (لوركا)