لم أر ولم اسمع، ان بلدا متقدما تهدر كرامة هويتها الوطنية وتسخر من لغتها القومية مثلما يحدث بايدينا للغة العربية والشهادة الوطنية، الثانوية العامة المصرية.لا اقول ذلك افتئاتا أو تشهيرا لاسمح الله، بالوطن العزيز مصر، التي ليس لنا وطن سواها. الحكاية من البداية ان المجلس الاعلي للجامعات برئاسة د.هاني هلال وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي اصدر قرارا عجبا ان يكون قبول الطلاب الحاصلين علي الثانوية العامة في الجامعات الحكومية بشعبيتها العلمي والادبي، الذين يؤدون امتحان هذه الشهادة الملعونة في هذه الايام، وهم الدفعة التي يطلق عليها دفعة سنة الفراغ التعليمي أو دفعة الفاشلين أو الراسبين، وهي مسميات خاطئة وظالمة ومحبطة للطلاب وأولياء الأمور وللاسرة المصرية، ان يكون قبولهم في حدود اقل حد ادني للقبول الذي تم بكل قطاع تعليمي: هندسي أو طبي أو صيدلة.. إلخ في السنوات الخمس السابقة علي هذه الدفعة، وهو قرار جانبه الصواب، فاذا كان اقل حد حد ادني في السنوات الخمس الماضية، مثلا في الطب 69٪ أو في الهندسة 29٪ فلا يقبل بهذا القطاع أو ذاك الطالب الذي يقل مجموعه عن اقل حد ادني أو بحد أقصي 2٪ .. في الوقت الذي استثني فيه المجلس طلاب الشهادات الاجنبية المعادلة للثانوية المصرية من نفس القواعد حيث خصص لطلاب هذه الشهادات 5٪ من عدد الطلاب الناجحين في الثانوية المصرية وهو ما يعني ان المجلس الاعلي للجامعات قد حافظ علي نسبة 5٪ للشهادات الوافدة، بدون قيود، في الوقت الذي ضيق فيه الخناق علي طلاب الشهادة الوطنية، لذلك سنري مفارقات كثيرة، منها طلاب الشهادات الوافدة يلتحقون بكليات الطب والصيدلة، و الهندسة والتكنولوجيات والمعلومات.. إلخ بمجاميع تقل كثيرا عن أقل حد أدني المحدد سلفا لقبول طلاب الشهادة المصرية.. وزاد المجلس من تدليلهم بان يتم قبولهم بنفس اعداد العام السابق لسنة الفراغ 9002/0102. لقد اصبحت مصر سوقا مستباحا للشهادات الاجنبية وللمدارس الدولية والجامعات الاجنبية وتوحشت بفضل الرعاية والاهتمام التي تلقاه من ذوي النفوذ والسلطة والمال واصبح لدينا منها الكثير: الشهادات الانجليزية والامريكية والكندية والالمانية والروسية والاسترالية والشهادة المجرية.. الخ.. والطريق مفروش بالورود امام هذه الشهادات إلي الجامعات المصرية، علي خلاف ما يحدث في العالم المتقدم حيث يقتصر القبول بجامعاته علي طلاب الشهادة الوطنية، كما لا تسمح هذه الدول بقيام جامعات و مدارس دولية علي أرضها حماية للغاتها وهويتها، وهذا ما دعا محاكم القضاء الاداري بمجلس الدولة ان تصدر احكاما ايدتها المحكمة الادارية العليا، وهي اعلي مراحل التقاضي بمجلس الدولة تؤكد ان وجود هذه المدارس والجامعات علي الارض المصرية يتعارض مع سيادة الدولة، ومن مظاهر هذه السيادة ان يكون لها جيش وطني يتولي الدفاع عنه، وقضاء مستقل يقيم العدل بين الناس وتعليم وطني يخضع للاشراف الكامل للدولة، يهدف إلي اعداد الانسان المصري وتزويده بالمقومات التي تحقق انسانيته وكرامته والاسهام في تنمية وتقدم المجتمع. واذا نظرنا إلي نوعية الطلاب الذين يلتحقون بالمدارس الدولية ستجدهم ابناء ذوي النفوذ والجاه والسلطان القادرين علي دفع مصروفات الدراسة الباهظة، ولا يستطيع احد من ابناء الشعب الكادح من محدودي الدخل الاقتراب منها، وكأن مصر قد عادت إلي الوراء 85 سنة إلي مجتمع النصف في المائة قبل قيام ثورة 32 يوليو 2591 حيث كانت الكلمة العليا لذوي النفوذ والاغنياء والثروة والجاه والسلطان. أما الفقراء ومحدودي الدخل فلهم البؤس والشقاء والأمراض وشظف العيش . معالي الوزير: لا داعي للتضييق علي طلاب الشهادة الوطنية، دع الامور تسير سيرها الطبيعي، كما كانت في السنوات الماضية .. والحد الادني للقبول يحدده الطلاب انفسهم وليس المجلس الاعلي للجامعات ولا الوزير أو مكتب التنسيق، في ضوء الاعداد المقرر قبولها بكل كلية وفق قدراتها وامكانياتها البشرية والمعملية. وحاجة سوق العمل في الداخل والخارج . ان تحديد حد ادني مسبق عدوان علي الحق والعدل لا مبرر له، يمكن الطعن عليه قضائيا. ان طلاب هذه الدفعة كانوا ضحية للسياسات التعليمية الخاطئة وعدم استقرارها ودعك من مستشاري السوء الذين لا يهمهم سوي الحصول علي المكافآت السخية، وليذهب الطلاب واولياء الامور إلي الجحيم، جحيم الجامعات الأجنبية و الخاصة . المحرر