ليس جديداً، ولا غريباً، أن يتبرع الأغنياء ببعض أموالهم لمساعدة الفقراء والمحتاجين والمحرومين. الديانات السماوية تثمن هذه المساعدات وتدعو إلي انتشارها. المباديء الإنسانية، والمعايير الأخلاقية التربوية، تحث بدورها القادرين علي التنازل عن القليل الذي يشكل الكثير للمحتاجين. وكم قرأنا في التاريخ الإنساني عن أناس قدموا أموالاًً في حياتهم، وخصصوا ممتلكات بعد رحيلهم.. لمساعدة الفقراء وللصرف علي مشروعات يعم خيرها علي أكبر عدد ممكن من المحرومين والمحتاجين. وإذا تركنا الماضي البعيد ورصدنا الحاضر.. سنتذكر علي الفور أثرياء مشاهير حققوا ثروات طائلة، وبأرقام فلكية، ثم فوجئنا بتنازل بعضهم عن 99٪ من ثروته من أجل توفير الدواء والعلاج للمرضي، وإنشاء مدارس ومعاهد وجامعات لتعليم أطفال، مأساة أولياء أمورهم أن يتسولوا إطعامهم قبل التفكير في محو أميتهم! أشهر هؤلاء الأثرياء النبلاء هو العصامي الأمريكي »بيل جيتس« الذي أسس شركة »مايكروسوفت« وحقق ثروة أسطورته خلال سنوات معدودة تقدر حالياً بأكثر من 50مليار دولار.. وكان في استطاعته زيادتها إلي أكثر من 70مليار دولار لولا أنه دأب منذ عام 1994 علي تحويل مئات الملايين بين الحين والحين إلي حساب المؤسسة الخيرية العالمية التي أنشأها مع زوجته:»ميليندا جيتس« ليصل إجمالي تحويلاته نحو: 28مليار دولار.. صرفت و تُصرف علي توفير مستوي معيشة يليق بآدمية آلاف الأسر من أحفاد »آدم وحواء« في بعض دول القارة الأفريقية، وعلاج مرضاهم، وتعليم أطفالهم، و توفير فرص العمل للعاطلين من شبابهم. ولم يكتف »بيل« و »ميليندا« بما حققاه حتي الآن. فها هما يعلنان يوم الأربعاء الماضي عن مشروعهما الجديد والأكثر طموحاً في خدمة الفقراء والمرضي والجوعي علي مستوي العالم كله. في مؤتمر صحفي عقد في نيويورك، أعلن »بيل جيتس« و زميله الملياردير »وارين بافيت« عن بدء نشاط مشروعهما الطموح لجمع تبرعات ضخمة من »مليارديرات« الولاياتالمتحدة، البالغ عددهم 403، وهو يمثل أغلبية أصحاب المليارات علي مستوي العالم. بدأت الفكرة في العام الماضي عندما اتفق »بيل جيتس« 53مليار دولار وصديقه »وارين بافيت« 47مليار دولار علي أن يتصلا بباقي أصحاب المليارات من الأمريكيين، وإقناعهم بالموافقة علي التنازل عن نصف ثرواتهم علي الأقل من أجل المشروعات الخيرية! وسيلة الإقناع القوية كانت وما تزال أن »جيتس« أقام مؤسسته الخيرية التي حوّل إليها حتي الآن نحو 28مليار دولار، أما زميله »بافيت« فلا يقل عنه كرماً وعطاءً بدليل أنه تعهد بالتبرع ب99٪ من ثروته 47مليار دولار بعد مماته لمؤسسة »بيل وميليندا جيتس« الخيرية. وتقول وكالة »رويترز« إن »بافيت« و» بيل جيتس« وزوجته »ميليندا« حضروا خلال عام 2009سلسلة من حفلات عشاء مع عشرات كبار الأثرياء الأمريكيين لحثهم علي الاشتراك في مشروعهم الذي أطلقوا عليه: »إعطاء التعهد« بما يعني التزام كل »ملياردير« منهم بوهب نصف ثروته علي الأقل خلال حياته، أو بعد مماته. ويجب أن يكون الالتزام مكتوباً، موثقاً، ومنشوراً علي موقع المؤسسة الألكتروني: www.givingpledge.org للتأكيد علي صحة الهبة، والجهة الخيرية التي يختارها لتحويل المال إلي حسابها. وأضافت وكالة الأنباء نقلاً عن »باتي ستونسيفر« :مستشار »جيتس« و»بافيت« موافقة أربعة أثرياء هم:ملياردير العقارات والإنشاءات: »إيلي برود«، وملياردير المشروعات التي تكتنفها مخاطر:»جون دوير«، والملياردير الثالث الذي يستثمر في مجال وسائل الإعلام:»جيري لنفست«، والرئيس السابق لشركة سيسكو سيستمز: »جون مورجريدج«. الطريف أن »بيل جيتس« و»وارين بافيت« أعلنا في مؤتمرهما الصحفي يوم الأربعاء الماضي أن مشروعهما الخيري غير المسبوق لا ينتظر أموالاً من المتبرعين ، وكل ما يريده منهم هو خطابات »التعهد الأخلاقي« بوهب ثرواتهم لأعمال الخير التي يختارها ويحددها كل واحد منهم. .. حقاً إنها دنيا غير الدنيا. إبراهيم سعده [email protected]