عمر بن الخطاب سلاما وتحية. نستكمل سيرتك الفاروقية. حين يهاجر سيد خلق الله يقرر عمر الهجرة.. يهتف في فرسان قريش ذات ضحي: من يرغب أن تثكله الأم.. وأن تفقده الزوجة.. فليلق ابن الخطاب ببطن الوادي هذا.. ويهاجر.. والسيف بيمناه قوي.. والكف قوية. والعينان إلي يثرب نهران انسابا من شوق عات.. وحنين قهار لحبيب الروح.. لكم تشتاق إليه.. وكم تشتاق الأوقات الموحشة إلي أوقات بجوار رسول الله هنيه. وتدب خطاه علي درب التاريخ الممدود من الزمن الوثني الممعن في الظلمة والظلم إلي الزمن الموعود بأنوار غامرة تسفحها الشمس الإسلامية. في ثقة وحماس يخطو ابن الخطاب وحيدا.. منفرد وقع خطاه.. ولكن ما يلبث أن يتردد رجع صداه علي الأيام المقبلة بطول وعرض الصحراء العربية. ينتشر صدي وقع خطي عمر بن الخطاب علي كل دروب الأرض.. ويصبح ايقاع جيوش قادمة عارمة تقتحم حدود الفرس.. وتسحق ألوية القوات الروميه. يصل ابن الخطاب إلي يثرب.. يشكر مولاه كثيرا وهو يقبل كتف رسول الله.. ويملأ عينيه التائقتين من النور النبوي طويلا.. فيضيء ابن الخطاب من الداخل ثم يفيض من الفرح دموعا تتناثر بلورات ماسيه. يلتئم الشمل أخيرا.. يكتمل العقد الباهر.. تتوسطه لؤلؤة رسول الله علي جيد صناعة تاريخ الإنسان الأنقي في أيام شقراء نقية. »طلع البدر علينا« مازالت تتردد في جنباتك يا يثرب.. مذ جاء رسول الله بأيام الحق وأعياد الإيمان مقاطع تلك الأغنيه. »وجب الشكر علينا«.. حقا وجب الشكر علينا وعليك كثيرا يا يثرب.. فرسول الله يقيم عليك دعائم مجتمع اسمي.. ويشيد فوق أراضيك مدينته النورانية. يبدأ بالمسجد.. يزرعه كالسدرة.. جذر في أفئدة الناس.. وجذع في الأرض.. وفرع يمتد بعيدا.. حيث يطل علي أنهار الجنة والضفات الرضوانية. ويهز الجذع الثابت كف رسول الله.. فتساقط أثمار الفرحة والحكمة في أفراح أبديه. وجوار رسول الله يرابط عمر بن الخطاب.. يلملم عن جبهته النبوية نورا سيالا عطرا.. زهرا مؤتلقا يتوزع بين الناس أحاديث زكيه. طلع البدر علي يثرب واكتمل.. فكان علي الليل بعيدا أن ينسحب إلي حيث يحط علي أفئدة قريش أسوده.. ويحرضها ضد الأفئدة البدريه. وتجيء عصابات الديجور.. تدمدم بالحقد الموتور.. فيهزمها البدريون.. ويدفع عن مجتمع النور الهجمة عمر بن الخطاب وراء رسول الله وبين صحابته.. لكن الليل الحاقد يستأنف هجمته في عصبية.. والبدر يدافع عن نور رسول الله وثلته بشعاع يقطع اذ يسطع.. بشعاع واع يقتحم صفوف الجهل الفسقية طلع البدر.. ومازال علينا يطلع أبدا.. ليذكرنا بجهاد رسول الله وصحب رسول الله.. يذكرنا البدر علي الدوم بأيام مثل أشعته فضيه. وهناك بيثرب.. يصحب عمر رسول الله.. ويبني معه أكمل مدن الإنسان الفاضلة علي الأرض.. وحلم فلاسفة الدنيا ينهضه الإسلام إلي التطبيق من النظرية. يقتنص ملامحه من بين ضباب أماني البشر.. ويمسك أنجمه التائهة بعيدا في آفاق الأسطورة.. ويترجمه بحروف الواقع من قاموس التهويمات المبهمة إلي لغة حيه. يصحب عمر رسول الله بيثرب وهي تعيش سعادات بدايات العصر الأسني.. في طرقاتك يا يثرب تختلط أناس بملائكة.. وتحارب بجوار الناس ملائكة.. بين سماء الله وبين الأرض ترابط يثرب مشكاة درية. لتضيء الدنيا أركانا وزمانا.. وتصحح تاريخ الإنسان.. وتستبدل أحداثا مظلمة الأخبار بأحداث ضافية النور بهية. لم تك يثرب إلا حلما يتحقق.. يرسيه رسول الله قواعد فوق الأرض.. لترتفع عليها أعمدة تسمق حتي تصل قبابا تزدان بأقمار شهباء حقيقية. لم تك يثرب إلا معراجا يصعد فيه الإنسان الحالم بالنور الدائم.. يتخطي الظلمات سياجا.. والأنجم أبراجا.. حتي يبلغ أصل النور تجلت في الكون روافده الفرعية. لم تك يثرب إلا حلما يتجسد في شخص رسول الله.. يفسره من يقرب منه.. وكنت ابن الخطاب قريبا من قلب رسول الله.. قريبا جدا.. يلفحك عبير الأنفاس النبويه. وبذات ضحي تطلع فيه الشمس كما تطلع دوما من كوتها الشرقية.. يتوفي الله رسول الله إليه.. يموت حبيب الله الهادي.. فتباغت بالحدث الفادح أمته المهدية. حينئذ يفقد عمر بن الخطاب رصانته المعهودة.. وصواب الرأي ويجهر: لن تأخذ منا أبدا سيد خلق الله منية. ولسيرة عمر بن الخطاب بإذن الله بقيه.