هل سيمنحنا المونديال ما نريده من متعة؟.. هذا السؤال فرضته علينا مجموعة المباريات في بداية المنافسات.. والإجابة إلي حد كبير معروفة في انتظار ان تتغير سريعا في الدور الأول أو في الأدوار التالية عندما تخرج الفرق التي ذهبت إلي جنوب أفريقيا لتنال فقط شرف الحضور والمشاركة وهي قيمة كبيرة لا يمكن إنكارها.. الإجابة المعروفة ان المتعة ناقصة والخوف ان تظل كذلك في ظل تصاعد منحني »الفكر« في الملعب وهبوط منحني الجماليات والتخلي عن »فطرة« كرة القدم التي كانت غالبة في الماضي وتمنح الأداء حلاوة وتعطي النجوم الموهوبين فرصا كثيرة وكبيرة لاستعراض مهاراتهم. ولو أن ليونيل ميسي نجم الأرجنتين وأحسن لاعب في العالم كان موجودا في عصر »فطرة« اللعبة وفي سنوات الأداء الاستعراضي أيام ديستيفانو وبوشكاش ثم بيليه وكل راقصي السامبا مرورا بزيكو وسقراط وبيكنباور وكرويف، لأصبح أسطورة تتجاوز مجرد الإعجاب والدهشة من مواهبه الفذة.. ولو كان هؤلاء النجوم الذين ذكرناهم ممارسين الآن في الملعب لما عبرت مواهبهم عن نفسها بدرجة كاملة وسط استغراق كرة القدم في البحث عن كل وسائل تضييق الخناق علي المواهب وحرمانها من حرية التعبير عن قدراتها الفردية بحصارها بالرقابة الخاصة المشددة وتضييق المساحات والاهتمام البالغ بالمهام الدفاعية أولا قبل البحث عن الهجوم. تغيرت مقاييس الاستمتاع بالمباريات.. وأصبح الخبراء والمختصون باللعبة أصحاب النصيب الأكبر من المتعة لأن متابعتهم لكرة القدم تختلف عن متابعة عامة الناس.. ومن يفهم أكثر في الخطط وطرق اللعب وأشكال التكتيك يستمتع أكثر وهذا غير متوافر للجماهير العادية التي هي الأخري أصبحت أكثر اهتماما بحماس التشجيع والتعبير عن الانتماء.. وكلما ابتعد الناس عن فهم اللعبة ابتعدوا أيضا عن الإحساس بمتعتها.. ولو سألت رجلا عاش فترة السبعينيات والثمانينات عن فارق المتعة بين القديم والجديد لقال لك شعرا في استعراضات نجوم ومنتخبات البرازيل والأرجنتين وإيطاليا وألمانيا وهولندا وكيف كان اللعب متحررا من قيود الخطط وكيف كان النجوم الكبار ممتعين يستعرضون مواهبهم بدون مضايقات وفي مساحات واسعة في الملعب ولا يعانون من نظريات الأداء الحديثة التي جعلت مقاييس القوة والسرعة والمميزات البدنية أهم بكثير عند المدربين من مقاييس الموهبة والمهارة.. فالنجم الموهوب مطالب الآن أولا وقبل أي شئ أن يتخلص من ضغط أكثر من مدافع وأن يتصرف في مساحة ضيقة وألا يؤخر الاحتفاظ بالكرة حتي لا يفقد الفريق كله سرعته. شاهدنا المباريات الأولي في أول يومين من المونديال.. ورأينا منتخب الأرجنتين يصلح لأن يكون مرشحا أول للفوز باللقب بحجم المواهب التي يملكها وفي مقدمتها ميسي، لكنه لا يستثمر هذه التخمة من النجوم لصالح الفريق وهو »عيب« فني مسئول عنه مارادونا اللاعب العظيم الاسطوري الذي يستحيل مقارنة اسطورته في اللعب بإنتاجه كمدرب.. وكان يكفيه وجود ميسي إلا أنه لم يستثمر بنفس درجة استثماره في فريق برشلونة لدرجة أنه أهدر فرصا أمام مرمي نيجيريا لا يمكن أن يهدرها في مباراة للبارسا، وكذلك الحال بالنسبة لنجوم اخرين تألقوا في الدوريات الأوروبية مثل هوجوين وميليتو وتيفيز. ومنتخب نيجيريا ليس هو »النسور« التي كانت تحلق في الماضي القريب.. أصبح فريقا عاديا يفتقد لمستوي مواهب أجيال أخري كانت ممتعة وقادرة علي مقارعة المدارس الأخري في العالم.. لعب أمام الأرجنتين متحفظا لا يعبر عن جماليات وفطرة الكرة الافريقية. وشاهدنا منتخب أمريكا يعبر من بطولة لأخري أنه ينمو بنفس درجة نمو بلاده في العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد.. لكن بالتأكيد هو نمو مرتبط ببداية متأخرة لكرة القدم في الولاياتالمتحدة.. لم يكن المنتخب الأمريكي ندا لنظيره الإنجليزي لكنه أكد في نفس الوقت أنه تخطي البدايات ودخل منطقة استيعاب متطلبات اللعبة. وأثبت »أولاد« جنوب أفريقيا أنهم مازالوا أولادا.. نفس »الرتم« لا يتغير ويعبر دائما عن خيط بين الكرة الافريقية والإنجليزية بحيث لا يثبت علي هوية.. وقد بدأ الأولاد البطولة خائفين من الانتكاسة الأولي وهم يلعبون علي أرضهم وأمام جماهيرهم ولذلك لعبوا شوطا سيئا تغير كثيرا في الشوط الثاني أمام المكسيك عندما تخلوا عن الخوف. ومنتخب فرنسا يثير الأسي حيث يظهر لك كبقايا بطل.. فهو بلا قائد من طراز بلاتيني وزين الدين زيدان.. تخلي عن كرته الجميلة التي كانت منافسة للبرازيل والأرجنتين.. افتقد السرعة والديناميكية والمهارة الفرنسية.. ولم يكن ريبيري أبرز نجومه خليفة منتظر لزيدان.. لم يحسن القيادة ولم تسعفه مهاراته.. أما منتخب الأورجواي فهو دائما يلعب الكرة »الرخمة« يقاتل لكي لا يخسر ولا يملك طموح الفوز ولم يقدر لنفسه أنه من رواد الفوز بكأس العالم في مطلع الثلاثينات.. ويبقي منتخب المكسيك الذي ظهر غير واثق من نفسه حتي انه لم يستغل خوف الأولاد في الشوط الأول ولعب بتحفظ مبالغ فيه وبتردد في اللعب إلي الأمام.