في الأتراح قبل الافراح تجده الي جانبك، لا ينتظر ان يخبره احد، ولكنه يتلمس احوال اصدقائه الذين احبهم، واذا ألم بأحدهم مكروه، أو اصاب عزيزا لديهم سهم رحيل، او طائف من مرض، خف »غريب« بجسده النحيل ليكون الي الجوار، يشارك اصحاب الالم في حمل اثقالهم بمشاعر حارة صادمة، مؤمنا بان الاحزان اذا ما تقاسمها اثنان خفت وطأتها، واذا اشترك كثيرون في تحملها، صارت وخزاتها في نفس صاحبها اقل ايلاما، وكان »غريب« في الافراح والمسرات شريكا حقيقيا، يحيط اصدقاءه بمشاعر دافئة بالغة الصدق، تضاعف في قلوبهم وقع سرورهم، وتجعل خفقات غبطتهم في صدورهم اعذب رنينا، وهو لا يفضل الرقص، ولكنه علي استعداد لان يفعلها في زفاف شقيقة صديقه، او ابنه جاره، اذا ما احس ان ذلك سيمنح الاجواء بهجة اضافية، لذا أحببت »غريبا« ذاك الاسم الذي علي مسمي، لانه نموذج من طراز فريد صار غريبا علي دنيانا الباهتة القاسية التي اصبحت تلفظ امثال »غريب«.. الرجل والنموذج والطراز، وأضحت تحتفل بالانانية والجشع والاثرة كقيم مضادة تحارب طراز غريب، وتحاول نفيه من المجتمع، غريب الرجل سقط وسط اصدقائه فجأة فريسة مرض شرس لا يعرف الشهامة من النذالة، ولا يفرق بين النبيل والحقير، ورقد الانسان علي السرير، يلتف حوله الاصدقاء، بل بعض المخلصين اذا شئت الدقة، لان كثيرين شغلتهم الدنيا الحمقاء عن الوقوف الي جوار من ظل طوال عمره.. بصدق عجيب وطيب خاطر شريكا لهم في الالم قبل المسرة، الاوفياء فقط هم من خفوا الي الرجل الغريب، واحاطوه بعنايتهم وهو يواجه بالارادة وحش المرض الكاسر، وكلهم يتذكرون في وضوح مشاهده في احلك لحظات حياتهم، فها هو ذا يتبدي فجأة الي جوار احدهم وهو يواري والدته الثري، وهاهي ذي ملامح وجهة تبرز واضحة بعينيه البراقتين خلف العدسات السميكة وهو يجلس في ردهة المستشفي يترقب نتيجة جراحة صديقه الراقد في غرفة العمليات، اما تلك الصورة التي تلمع فيها ابتسامته ففي زفاف ابنة جاره التي حضر من قبل حفل خطبتها، ولانه غريب علي نسيج الأثرة الغالبة صرت أخشي عليه،وعلي أمثاله، لان غياب طرازه النادر، يعني ان تضحي الحياة اكثر قسوة ووحشة واظلاما!.