يبدو هادئا وديعا.. يتلعثم احيانا ويرتبك احيانا أخري.. ربما يشعر بالخجل، ربما الخوف.. لكنه »قاتل محترف« يطلق رصاصه علي خصومه باصرار وطمأنينة.. الشاعر عبدالمنعم رمضان يضع »أمل دنقل« دائما هدفا ثابتا »ثمة كثيرون أيضا اهداف ثابتة لديه« لكنه هذا الاسبوع وتحت عنوان »اخناتون يشبه اخناتون« يكتب في جريدة روزاليوسف ان »قصائد أمل دنقل تجبر القاريء علي طريقة واحدة في القراءة.. لا تشتت في غابة المعاني، ولا تشتت في غابة الاصوات.. قصائد الوجه الواحد والصوت الواحد«. ما يقصده عبدالمنعم رمضان ان قصائد أمل دنقل »احادية« لا تسمح بثراء القراءة، وان قصائد امل اجابات يقينية لا تثير القلق ولا تبعث علي الدهشة ولا تسمح بالسؤال.. وفي هذا الرأي الكثير من الإجحاف والعدوان المباشر علي »الكتابة والقراءة« معا.. ولعله يحد من أهمية القراءة قبل ان يحد من اهمية النص المكتوب فعلي حين يكتب الشاعر قصيدته.. أو يكتب المبدع نصه، علي القاريء ان يقدم جهدا موازيا بتوليد معان جديدة وخلق عوالم اخري. ان فهم المعني فقط أو تلقيه كما هو ليس قراءة، ولكن القراءة »تأويل« بالضرورة.. القاريء الحقيقي هو الذي يفهم ان سر النص هو فراغه، وان دوره ان يقوم بتحريك النص وتحريك آلياته وتجاوز اكراهاته. الطريقة الوحيدة للقراءة طريقة خاطئة ومدرسية وساذجة وربما هي طريقة غير موجودة.. علي الاغلب غير موجودة.. فحتي النصوص الدينية »المقدسة«، »المطلقة«، و»اليقينية«، و»المعصومة« هي ايضا صالحة للتأويل والقراءات المختلفة. عبدالمنعم رمضان علي حين اراد اطلاق النار علي قصيدة امل دنقل »لا تصالح« اطلق النار علي القراء جميعا واسقط عنهم الاهلية. وبرغم ان رمضان شاعر مضاد للمعني وللوظيفة لكنه يتوقف امام سطوع المعني في قصيدة أمل دنقل، يقرأ المعني فقط ويتوقف امام »الوصايا« وخطاب الثأر المباشر، متجاوزا السؤال الجمالي داخل القصيدة، متجاوزا اسئلة اخري عديدة في اصرار علي مهاجمة القصيدة »قصيدة لا تقبل الحوار، لا تنام تحت سؤال، لا تنام فوق سؤال، انها ست الاجوبة الساكنة«. قراءة عبدالمنعم رمضان قراءة كسولة لا تريد ان تبذل جهدا علي حين ان فاعلية القراءة الحقيقية ان نفهم الكاتب ربما اكثر مما يفهم نفسه، وان نقوم بتحرير النص من حدوده المباشرة من اجاباته، من اسئلته، لنضع نحن اسئلتنا واجاباتنا. عندما تطلق »اليمامة« بعد مقتل ابيها »كليب« صرختها المدوية في القصيدة »ابي لا مزيد« لا يمكن ان نكون امام اجابة يقينية.. وعندما تصرخ »خصومة قلبي مع الله« نكون امام ما هو اكثر من السؤال.. اسئلة معلقة علي مشانق الصباح.. اسئلة ابدية ستؤرقنا جميعا. كتب أمل دنقل قصيدة »مقتل كليب« الشهيرة بلا تصالح عام (6791).. 43 عاما ولاتزال حية وحاضرة ليس بقوة الخطاب السياسي المباشر وسؤال »الثأر« أو اجاباته المترنحة علي ارض الواقع ولكن بقوة الخطاب الجمالي وطاقة القصيدة علي مواصلة العلاقة بالقاريء والحوار معه.