الهلوسة السياسية - بكل أسف - هي العنوان العريض الذي يسيطر علي كل شيء في مصر هذه الأيام بعد ما صار غياب العقل هو القاعدة وغير ذلك استثناء . تعالوا الي هذه الجولة من المتابعات لما يجري حولنا : جماعة "الاخوان المسلمين " في الحقيقة فاجأت نفسها وفاجأت كل المساندين لها والمتعاطفين معها مساء أمس الأول عندما تراجعت للمرة الثالثة علي التوالي عن وعودها باعلان ترشح المهندس خيرت الشاطر لمنصب رئيس مصر علي رغم التأكيدات المتكررة علي لسان كل رموز الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ومن بينهم الشاطر ذاته بانعدام احتمال قيام الجماعة بترشح أحد أعضائها علي المنصب المرموق. وجاء هذا التراجع بعد تراجعين سابقين للجماعة سواء فيما يتعلق بالنسبة التي سيقوم الاخوان بالترشيح عليها في انتخابات مجلس الشعب ثم في انتخابات مجلس الشوري. وأعقب ذلك التراجع عن الموقف المعلن بتأييد حكومة الدكتور كمال الجنزوري واللجوء لتحميلها المسؤولية الكاملة عن الأزمات والمشاكل التي يواجهها المجتمع . والدليل علي أن الجماعة فاجأت نفسها تمثل في ردود الفعل التي صدرت من داخل الجماعة التي صوتت علي اختيار الشاطر بأغلبية 56 صوتا مقابل 52 - وهو فارق ضئيل في موضوع بمثل تلك الأهمية التي تحدث البعض عن أن اللائحة الداخلية تقتضي موافقة ثلتي أعضاء مجلس الشوري العام لإقرار مثل هذا الأمر المهم - فقد أعلن الدكتور كمال الهلباوي القيادي الرمز للاخوان استقالته من الجماعة واعتبر أن ما يجري هو تمثيلية درامية مشتركة بين الجماعة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة . وقال حسن الشاطر نجل المهندس خيرت علي تويتر :لسوء الحظ الشاطر مرشحا لرئاسة الجمهورية . فيما قالت ابنة الشاطر ان اختيار والدها كان صدمة للمصريين جميعا وهي من بينهم . وقامت صفحة حزب "الحرية والعدالة" بحذف استفتاء كان منشورا عليها تحت عنوان :هل تؤيد ترشيح الشاطر رئيسا ؟ لأن النتيجة حتي أمس الأول كان 3600 رافض مقابل 1000 موافقين ! . التعليقات التي صدرت من جانب الاخوان علي قرار ترشيح الشاطر كانت : نحن نبني ديمقراطية جديدة لمصر بعد عقود من الديكتاتورية ولا نسعي الي سلطة .. فهل المقصود هو ديكتاتورية الديمقراطية أو ديمقراطية الديكتاتورية ؟ .. أم هو عصر الهلوسة السياسية ؟! . الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب لم يجد غضاضة في ترشيح نفسه لرئاسة الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور المصري الجديد . وفاز بالمنصب بالاجماع قابلا اجراء هذه الانتخابات علي رغم عدم وجود ربع عدد أعضاء الجمعية التأسيسية بفعل الانسحاب من الجمعية رفضا للأسلوب الذي تم به اختيار أعضاء الجمعية من جانب أعضاء مجلسي الشعب والشوري بنسبة 50 ٪ من داخل البرلمان و50 ٪ من الشخصيات العامة . المعارضون لقيام البرلمان بانتخاب أعضاء جمعية وضع الدستور رأوا أن الدستور هو الذي ينشيء السلطات ولا يمكن لسلطة أن تنشيء دستورا وبالتالي ليست مهمة البرلمان وضع دستور. وقال المعارضون ان هناك 634 طعنا مقدمة في أعضاء مجلسي الشعب والشوري أمام محكمة النقض وانه لو صدرت احكام بقبول الطعن في جزء من النواب بينهم أعضاء في الجمعية التأسيسية فكيف ستكون مشروعية الدستور الذي يتم صياغته من جانب جمعية منقوضة عضوية بعض نوابها . والغريب ان احد المنسحبين من عضوية الجمعية التأسيسية كان الدكتور عمرو حمزاوي الذي كتب في مقال له بصحيفة الشروق يوم 13 ديسمبر 2011 يؤكد بالحراف الواحد " ان صلاحيات البرلمان المنتخب الذي أطلقت يده التعديلات الدستورية التي صدرت في مارس 2011 في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية بالكامل من بين أعضائه المنتخبين أو بالكامل من خارج صفوفهم أو استنادا لأي خليط يتفق عليه يمزج بين من هم داخل البرلمان ومن هم خارجه ". فأين كان العقل واين ضاعت الحكمة من جانب الاخوان الذين أصبحوا يسيطرون علي رئاسة غرفتي البرلمان في مجلسي الشعب والشوري والجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد. اذ كيف سيخرج الاخوان من هذه المعضلة من أجل حل الأزمة المعضلة وهي كيفية المضي قدما في مهمة وضع الدستور المصري في ظل كل هؤلاء المنسحبين . وبالنسبة الي المعارضين فأين كانوا من قبل عندما يعارضون اليوم ما كانوا قد وافقوا عليه قبلا ؟ . الدكتور محمد مرسي رئيس حزب" الحرية والعدالة " استغل فرصة المؤتمر الصحفي الذي عقد مساء السبت لاعلان ترشح المهندس خيرت الشاطر للحديث عن رغبة الحزب والاخوان المسلمين أو العكس فهو أيضا صحيح في التخلص من حكومة الدكتور كمال الجنزوري التي كال لها الانتقادات الثقيلة داعيا لاعطاء الفرصة للاخوان لتشكيل الحكومة الجديدة . وهكذا أوضح الدكتور مرسي أن الرغبة أكيدة لدي الجماعة ومجلس شوراها قبل الحزب طبعا من أجل السيطرة علي كل شيء في مصر من دون استثناء رئاسة وبرلمانا وحكومة . فهل يمكن اعتبار ذلك مشاركة وليست مغالبة كما وعد الاخوان مرارا أم هو السيطرة الشاملة الكاملة أم هو عصر الهلوسة السياسية ؟!. النائب السلفي أنور البلكيمي صاحب جراحة تجميل الأنف المثيرة الذي كذب علي الجميع مدعيا أنه تعرض لاعتداء من جانب مجهولين وأنه تمت سرقة 100 الف جنيه من سيارته وأقام الدنيا ولم يقعدها ضد وزارة الداخلية والمجلس الأعلي للقوات المسلحة علي التقصير في حمايته ملمحا الي وجود مؤامرات خبيثة تتعرض لها المسيرة الديمقراطية.. ولما ثبت كذبه أكثر من مرة بعد اعلان حزب النور السلفي اقالته ورفع مجلس الشعب الحصانة البرلمانية عنه للتحقيق معه في تهمة البلاغ الكاذب عبر البلكيمي عن اعتذاره لأبناء دائرته وللاعلاميين وللجميع لكنه أبدا لم يتقدم بأي اعتذار لوزارة الداخلية وللمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذين وجهت اليهم الاتهامات . وهو نفس الغياب لفضيلة الاعتذار الذي لجأ اليه النائب الدكتور حسن البرنس بعدما ثبت أن ما تعرض له كان مجرد حادث عارض علي الطريق لا شبهة فيه لتآمر أو غيره ولا علاقة له بمؤامرة أو بغيرها بدليل أن المتهم الذي تم القبض عليه بعد الحادث وثبت انه لا يعرف الدكتور البرنس الذي ناشد الشرطة اطلاق سراحه دون أن يعتذر باي شكل من الأشكال للمسؤولين عن الأمن الذين هاجمهم وانتقدهم بكل عنف واتهمهم باتهامات ما أنزل الله بها من سلطان. فهل هذا هو العدل أم أنها أيضا هي الهلوسة السياسية ؟!. اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.