د. وفاء الصديق واستكمالا لمقال الأمس فإن عالم الاثار الفرنسي ايتين دريتون آخر مدير اجنبي لمصلحة الاثار المصرية كتب يقول: علي اثر علمي بعثور السلطات الامريكية علي تمثال رأس الملكة نفرتيتي في منطقة فيسبادن في المانيا رفعت الي معالي وزير المعارف مذكرة فصلت فيها كيف خرج هذا التمثال الثمين من مصر الي المانيا واثبت بالادلة القاطعة ان ما حدث كان سرقه فقد عمدت البعثة الاثرية الالمانية الي اخفاء معالمه حتي لا تظهر نفاسته ليكون من نصيبها فتم لها ما ارادت وقلت في المذكرة انه يجب العمل علي اعادة هذا التمثال المسروق الي مصر وان حق مصر واضح في ان هذا التمثال لها وحدها »نفس المرجع السابق« تضامن الانجليز مع الالمان وصرح القائم باعمال المندوب السامي البريطاني هندرسون في عام 1927 بان مصر سمحت بنقل التمثال الي المانيا وفقا للعرف السائد في ذلك الوقت بتقسيم الاثار التي يعثر عليها بين مصر والجهة المكتشفة متناسيا ما ينص عليه قانون القسمة بان تظل القطع الفريدة بمصر، ولولا هذا القانون ما بقيت كنوز توت عنخ آمون بمصر وما عرض بالمتحف المصري ونري هنا انه ومنذ عرض نفرتيتي في متحف برلين والاعلان عنها بدأت مصر تطالب بحقها في عودة التمثال اليها. خشيت الدول الاخري في الدخول في التحكيم بين مصر والمانيا خوفا ان تطالبها مصر بعد ذلك باعادة ما لديها من كنوز اغتصبت من مصر في عصور لم يكن الوعي التاريخي لدي المصريين كبيرا في عصور الاحتلال والقهر فخرجت من مصر مئات الالاف من القطع التي تزين اكبر متاحف العالم. حدثت اكثر من ازمة دبلوماسية بين مصر والمانيا وفي النهاية وافقت المانيا علي عودة التمثال الي مصر في 10 اكتوبر عام 1933 وهو يوم جلوس الملك فؤاد الاول علي العرش كهدية منها اليه وجاءت الرسالة الي الملك فؤاد الاول في قصر التين بالاسكندرية وكتب مباشرة ردا بالشكر والامتنان واعرب عن سعادته لعودة هذه القطعة الفريدة الي ارض مصر وبدأت الاستعدادات الرسمية لاستعادة نفرتيتي ولكن ادولف هتلر صاحب السلطة المطلقة في ذلك الوقت اصدر امرا بعدم عودة التمثال الي مصر وقرر ان يبقي في برلين لانه - علي حد قوله - يهيم بها عشقا وطلب ان يقام لها متحف خاص لها وروي محمد القوني الملحق بالسفارة المصرية في برلين، ووزير السياحة المصري فيما بعد ان هتلر قال ان ملامح نفرتيتي آريه، ولهذا رفض اعادة التمثال الي مصر ومن الطريف ان نفرتيتي قامت بدور الوسيط لتخفيف الحكم علي ابنه التاجر اليهودي سيمون الذي كان يقوم بتمويل حفائر البعثة الالمانية بالعمارنة كما ذكرنا من قبل واعتبرت نفرتيتي ملكا له وقد اهداها الي المتحف ضمن مجموعة من الاثار بلغ ثمنها في ذلك الوقت 40 مليون مارك الماني كان هتلر قد قام باصدار اوامره بمصادرة اموال اليهود والحجز عليهم وترحيلهم الي معسكرات العمل الاجباري وكان من بين هؤلاء دورثيا فستفال »ابنة التاجر سيمون وكان قد مات قبل هذا الاصدار« وتوسط مدير المتحف المصري في برلين لدي مدير مكتب هتلر للتخفيف عنها واعفائها لانها ابنة سيمون الذي كان سببا في اكتشاف نفرتيتي. قامت الحرب العالمية الثانية فحرص متحف برلين علي وضع كنوزه في مكان امين بعيد عن الغارات والقنابل ونقل تمثال نفرتيتي الي منجم فحم حتي وجده الجيش الامريكي الثالث في ابريل 1945 في صندوق خشبي كتب عليه تمثال الملكة متعددة الالوان وذلك ضمن محتوبات 15 متحفا المانيا كانت مخزونة في نفس المخبأ. كتبت المفوضية المصرية في براغ الي المجلس الحاكم في 14 ابريل 1946 ظهر التمثال النصفي للملكة نفرتيتي من جديد في المانيا في فيسبادن في المنطقة التي تحتلها الولاياتالمتحدةالامريكية وتقوم السلطات العسكرية الامريكية بحراسته في الوقت الحالي لقد تعاطف العالم اجمع مع الجهود التي بذلتها مصر لاستعادة هذا التمثال الذي حاز اعجاب العالم والذي يعد احد روائع الفن المصري القديم وقد ظل هذا التمثال المصري في المانيا عندما دخلتها قوات الحلفاء رغم انه يعد كنزا مسروقا من مصر ولا يستطيع احد انكار حقها فيه . نقل التمثال الي متحف دائم في جنوب غرب برلين وبقي هناك حتي تم الانتهاء من المتحف المصري بشارلوتن بورج ببرلينالغربية ونقل اليه في خريف 1967 واصبح لشارلوتن بورج بوجه خاص وبرلينالغربية بوجه عام شهرة عالمية لوجود نفرتيتي هناك واصبح المتحف مقصد الزيارات الرسمية والملايين من الزوار فاصبحت رمزا للمدينة وغالي البعض بتسميتها نفرتيتي البرلينية واثيرت قضية عودة نفرتيتي الي مصر مرة اخري وصدر في المانيا العديد من الكتب والمقالات التي تناقش هذه القضية فظهر كتاب نفرتيتي تريد العودة الي وطنها وتكونت جمعية اهلية بنفس الاسم كما اصدر عالم الاثار المصرية الالماني روف كراووس مجلدا يشتمل علي كل تفاصيل قضية نفرتيتي بعنوان »75 عاما لنفرتيتي في برلين« كما نشر مقالا آخر بعد انتقال الرأس مرة اخري الي المتحف القديم في عام 2005 في مجلة KMT بعنوان لماذا ذهبت نفرتيتي الي المانيا تدور كلها حول عدم قانونية حصول المانيا علي هذه القطعة الفنية الفريدة وان مكانها الشرعي هو القاهرة. انتقلت نفرتيتي الي المتحف الجديد عام 2010 وذلك بعد الانتهاء من اعادة بنائه بعد الدمار الذي لحق به اثناء الحرب العالمية وافتتاحه وقد كانت هي الايقونة التي وضعت علي صفحات الصحف ووسائل الاعلام للاعلان عن افتتاح المتحف الجديد واصطف الالمان بالآلاف تحت الامطار لمشاهدة الجميلة نفرتيتي وتسابق السياسيون بالتقاط الصور التذكارية بجانبها وعلي رأسهم مستشارة المانيا انجيلا ميركل فهل كتب علي هذه الروح الجميلة الحائرة ان تظل في المنفي كما انتهت حياتها منذ حوالي 3300 سنة في المنفي ايضا. ملحوظة: عدد المرات التي تم فيها نقل نفرتيتي منذ العثور عليه في تل العمارنة حتي عرضه الاخير في المتحف الجديد يزيد علي ثماني مرات في حين يعلل بعض المسئولين الالمان رفضهم لعودة التمثال الي مصر او حتي لارساله في معرض مؤقت الي خوفهم عليه من النقل!